يتضمن الكتاب عناوين عدة، هي: "طيور الإسكندر تحلق في الأفق، من خزانة الأسرار، أيام البحر الهادر: يوميات يناير، شُرفات الرمل: الإسكندرية في القلب وفي العينين، المدينة التي فتحت أبوابها ونوافذها للآخر، شُرفة على بيت كافافي، عن راوي كوم الدكة، شُرفة على بيت عبدالناصر في باكوس، تأملات على شط الهوى، حديث عن الإسكندرية ذات النقاب، شُرفة على رباعية داريل، خطاب غامض يحمله ماء البحر، شُرفة على عمارة آيلة للسقوط، كورنيش البحر وحديث عن عبقرية الفقر، غمام أسود يغمر المدينة، شٌرفة على يوم شاحب، يوم بكت فيه مصر كثيرا، تلويحات وداع في يوم ماطر، شُرفة إسكندرية ترى القدس".
فيما كتب كلمة على غلاف الكتاب الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله يقول فيها: "بصدور هذا الكتاب، مر عامان على رحيل فاروق وادي، ولعل أجمل ما يتركه لنا الكاتب إبداعًا جديدًا لم يسبق لنا أن قرأناه، نحن الذين نفتقده يومًا بعد آخر، أكثر فأكثر، هو الذي أمتعنا بعدد من أجمل الروايات العربية، متوجة بعمله الساحر الأخير "سوداد – هاوية الغزالة".
ويضيف: "ثمة هوة عميقة أحدثها غياب فاروق في حياة القريبين منه، حيث يمكنني القول: "إنها المرة الأولى التي أحس فيها بفداحة فقدان صديق..".
ويأتي هذا الجديد، كما يشير فاروق في مقدمته التي كتبها للكتاب بنفسه، استكمالًا لثلاثية عشق المدن: رام الله، بيروت، الإسكندرية، "بدا لي دائمًا أن أحاسيسه تجاه مدينة لشبونة، التي بدأ يستطيب الإقامة فيها، كانت تتطور بتسارع كبير، حيث تكون المدينة الرابعة، وليس أدل على ذلك من رواية "سوداد"، وكأن قلب فاروق لا يستطيع أن يكون خاليًا من حب مدينة جديدة، هو الذي كان مضطرًّا دائمًا أن يكون بعيدًا عن المدن التي أحب، مع اختلاف الأسباب".
هذا الكتاب، بقدر ما هو سيرة الإسكندرية، بقدر ما هو سيرة فاروق نفسه، وينسحب ذلك على رام الله التي كتب سيرتها وسيرته، وبيروت "في ديك بيروت يؤذن في الظهيرة"، وإن أتقن التخفي هنا، وفي "سرير المشتاق" الرواية التي تكشف أكثر مما تحجب.
وفي كل هذه الكتب، وغيرها، بقي فاروق واحدًا من الناس، بعيدًا عن بطولات الرواة وزهْوهم بهذه البطولات، ففي كل ما كتب بقي ذلك الإنسان الذي يعشق ويحب ويتأمل، ويسخر من كل شيء، ومن نفسه. لكنه حين يكتب، يكتب بكل الحب، فلا يحب أنصاف المدن، ولا أنصاف الصداقات، ولا أنصاف الحقائق. يقول: "لا يرحل الرائعون، بقدر ما تتضاعف قوة حضورهم، ونحن نكتشف كل يوم كم نحن نحبهم".
في مقدمته لكتابه يقول فاروق وادي: "إن هذا الكتاب يستكمل طموح استعادة من ثلاث، عشتها وعشقتها وعنت لي الشيء الكثير، حتى تملكني هاجس كتابتها بشكل أو بآخر وهي "رام الله، مدينة مولدي وسنوات تفتحي المبكرة على الكون. بنأي عنها عرفت لسعة الغربة القسرية عن المكان، وكابدت لوعة الحنين. أصابتني صدمة العودة المنقوصة إليها، والتي عجزت عن أن تصنع عودة. هي أولى حلقات الذاكرة المكانية في سيرة الشخص والمدن، وهي التي كتبتها في "منازل القلب – كتاب رام الله".
يتابع وادي، ثم "بيروت، مدينة الشغف الجميل، حيث اكتشاف شهوة الحياة الخارجة من تزاحم أسباب فناء يكمن في الزوايا والظلال والمرايا والطرقات. والتي طالما تراجع موتي على بواباتها، فدونتها بما يشبه سيرة لا تعدم التخييل السردي الطليق، في "ديك بيروت يؤذن في الظهيرة: كتاب الحرب".
أما حكايتي مع مدينة الإسكندرية هذه، فهي كما يقول وادي: "ما يدونها هذا الكتاب "59 شارع صفية زغلول: كتاب الإسكندرية"، الذي يستكمل، بشكل أو بآخر، ثلاثية المدن التي وقعت في أسرها، وهو باختصار، قصة شوق متواصل لا يسكن باللقاء، لمدينة أحببتها وأحببت منها وفيها. أهديه إلى سناء، الطائر الذي التقط الحبة من تخوم أرض مدينة قبل أن تكون، ليلقيها في تجاويف القلب.. قلبي الذي طالما هام عشقا، بالمرأة.. والمكان".
ويضيف وادي، "إنه لكل مدينة تستحوذ على مكانتها في التاريخ، وتحفظ حضورها في الجغرافيا، وتستأثر على القلب من دون عناء، أسطورتها الخاصة. أما الإسكندرية، فمدينة تنطوي على أساطيرها الكثيرة، التي قد لا يستطيع أحد الإحاطة بمداها، ولا يملك وقفا لجموحها".
ويرى وادي، أن أساطير الإسكندرية قد تبدأ ولا تنتهي، مثلما أن لها أسطورتها شديدة الخصوصية والتفرد، في كل قلب تعني له المدينة شيئا كثيرا، "أما أسطورتي الأكثر حميمة، نصيبي من المدينة، فهي أن طائرا من طيورها، اختلس حبة قمح من المخطط المرسوم على أرضها في المدى الواسع، حيث ستقام مدينة الإسكندرية، ليلقيها في القلب، يضعها في تجاويف الحنايا القفصية، فتورق هناك بين الضلوع، عشقا أزليا، قبل أن يبدأ التاريخ المعلن للمدينة، وقبل أن تكتب فيها وثيقة ميلاد الكائنات".