القاهرة - في كتابه "يوميات الواحات"، يلقي الروائي المصري صنع الله ابراهيم الضوء على تجربة الشيوعيين المصريين في المعتقلات الناصرية الى جانب تطوره الادبي والسياسي خلال السنوات الخمس التي امضاها في سجن الواحات.
ويروي ابراهيم ذكريات انتمائه للحركة الديموقراطية للتحرر الوطني (حدتو)، احد الفصائل الشيوعية واعتقاله مرات عدة خصوصا في 1959 حيث امضى خمس سنوات في معتقل الواحات في منطقة صحراوية على بعد الف كيلومتر شمال غرب القاهرة.
ويصف خلال ذلك التعذيب الذي تعرض له ورفاقه بعد سبعة سنوات من قيام ثورة 23 تموز/يوليو 1952 بما في ذلك حفلات التعذيب الجماعي حيث كان يمر السجناء بين صفين من الجنود الذين ينهالون عليهم ضربا بالعصي والسياط، الى جانب الاذلال النفسي الذي كانوا يفرضونه على المعتقلين.
وقد ادى التعذيب الى مصرع المناضل البارز شهدي عطية الذي رفض عمليات الاذلال فصرعه رجال الامن ضربا. وفي احدى هذه الحفلات كسرت ذراع الشاعر الشعبي المصري من اصول شامية فؤاد حداد الذي كان من بين المعتقلين.
ويروي كيف ادى مصرع عطية الى تخفيف التعذيب عن المعتقلين حيث تزامن مع زيارة جمال عبد الناصر ليوغسلافيا فواجه اعضاء في البرلمان اليوغسلافي الرئيس المصري طالبوه بتفسير لتعذيب الشيوعين.
ويشير ابراهيم في اكثر من موقع في كتابه الى انه رغم تاييد الشيوعيين للثورة وزعيمها جمال عبد الناصر الا ان ذلك لم يشفع لهم لانه كان مطلوب منهم ان يتراجعوا عن مواقفهم وان يقوموا بحل اطارهم التنظيمي.
وطلب منهم الاندماج في الحياة العامة مع اختيار بعضهم للعمل في الاتحاد الاشتراكي وفيما بعد في التنظيم الطليعي.
وخلال ذلك يضع ابراهيم ملاحظاته الادبية وسياق تطوره الكتابي حيث بدأ بكتابة بعض فصول من رواية "الرجل والصبي والعنكبوت" وبضعة فصول ايضا من رواية "خليل بيه" وهي روايات لم تكتمل الى جانب عدد من القصص القصيرة بينها "بذور الحب" و"الذبابة" و"قرص احمر في الافق".
وكلها تمت كتابتها على ورق البفرة (اوراق صغيرة شفافة تستخدم للف السجائر بالتبغ) وقام باخراجها من معتقل الواحات حسين عبد ربه الذي اهدى اليه صنع الله ابراهيم هذا الكتاب.
وكانت الاوراق التي حملها حسين عبد ربه معه تغطي مذكرات مكتوبة عن الفترة الفاصلة بين عام 1962 - 1964 في حين كان الجزء الاول مكتوبا من ذاكرته الى جانب تقديمه لمحة سياسية موجزة عن المرحلة السياسية التي تمر فيها مصر والعالم العربي في حينها وموقف تنظيمه اتجاه هذه الاحداث.
الى جانب ذلك اشار الى الكتب التي استطاعوا ادخالها الى المعتقل وطريقة اخفائهم لها مع ملاحظات عن كتب ومؤلفين اثروا به من كتاب غربيين والكتاب الروس مسجلا ملاحظاته الانتقادية على اعمالهم او الملاحظات التي اثرت به.
وفي هذا السياق عبر عن رأيه في الحوار الذي دار حول ادب الواقعية الاشتراكية منتقدا الفهم الستاليني لها والتي اثرت كثيرا على ابداع الكتاب الروس في حينها منحازا الى الاراء التي انتقدت هذا الفهم ومن خلال ذلك قدم رؤيته في رفض الفهم الجامد للماركسية كنظرية مع ضرورة النظر اليها كنظرية متطورة دائما.
وسجل في نهاية كتابه الكثير من الملاحظات حول تاريخ الحركة الشيوعية المصرية ومؤسسها اليهودي هنري كورييل المعارض للحركة الصهيونية.
وهو الشخصية التي اصبحت بعد طردها من مصر واحدة من اهم المدافعين عن الثورة الجزائرية وبقي متابعا لتطور الاوضاع في مصر وكان من مساندي احقاق السلام العادل في منطقة الشرق الاوسط.
وهذه المذكرات تضم الكثير من الذكريات منها الحركة المسرحية التي نشأت في معتقلات الواحة والروايات التي كتبت هناك ورواية "الشمندورة" للكاتب النوبي محمود قاسم التي تعتبر نواة لكل الروايات النوبية وكذلك رواية "المتمردون" لصلاح حافظ التي تحولت الى فيلم اخرجه توفيق صالح ويعتبر من اهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. كما برز شعراء مثل فؤاد حداد الذي كتب اثناء وجوده في السجن قصائد "المسحراتي".
وكان المؤلف الذي يعتبر من ابرز الكتاب المصريين قد رفض قبل عامين مئة الف جنيه مصري قيمة جائزة الرواية العربية التي تمنح عادة في مؤتمر الرواية العربية الذي يقوم على تنظيمه المجلس الاعلى للثقافة المصري.
ورفض الجائزة لانه رأى ان الحكومة لا تمثل الشعب وليس من حقها ان تقوم بتكريم مبدعيه نظرا لانعدام الديموقراطية ووقوف الحكومة ضد مصالح الامة بسبب علاقاتها مع اسرائيل والولايات المتحدة.
واهم مؤلفاته "اللجنة" و"نجمة اغسطس" و"بيروت آه يا بيروت" و"ذات" و"الشرف" و"امركانلي". وقد صدر كتابه "يوميات الواحدة" عن دار المستقبل العربي المصرية ويقع في 289 صفحة من القطع المتوسط.
(اف ب)
