يحيى عبابنة في إصدار جديد عن الأدب الديستوبي والواقع المرير

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)
 صدر عن دار أمواج للنشر والتوزيع- عمان، كتاب بعنوان "الرواية الديستوبية- أدب المدينة الفاسدة والواقع المرير"، للدكتور يحيى عبابنة.
يقول عبابنة في كلمته على الغلاف: "إن هذا الكتاب ينتمي إلى موضوع الأدب المقارن، ويتخذ من موضع أدب المدينة الفاسدة ميدانا له، ويعرف في الاصطلاحات النقدية بـ"الأدب الديستوبي"، أو "أدب الواقع المرير"، وقد اختار أن يكون في أربعة مباحث، الأول منها: للتعريف بالديستوبيا ومصطلحاتها (الديستوبيا والكاكوتوبيا فضلا عن اليوتوبيا والهيتروتوبيا")، وتوضيح جوانبها وسر عدم شيوعها في الأدب العربي، ثم انبرى ليشكل مجالا تطبيقيا لثلاثة أعمال تجتمع فيما بينها تحت مسمى الديستوبيا أو الواقع المرير".اضافة اعلان
من المهم أن نشير في هذا الجانب إلى أن الدراسات المتعلقة بهذا النوع من أنواع السرد ما تزال قليلة، في الدراسات النقدية العربية، وأن اهتمام القراء والنقاد بها ما يزال في بداياته لأسباب مختلفة، ولكننا نأمل أن يتزايد هذا الاهتمام في الأوساط النقدية والإبداعية العربية. 
وفي مقدمته للكتاب الذي يضم مجموعة من المباحث التي سلطت الضوء على نوع معين من السرديات التي استحقت أن نطلق عليها مصطلح (الروايات الديستوبية) أو روايات المدينة الفاسدة، التي تمتاز بأنها متخيلة تعبر عن خوف الروائي (والإنسان عامة) من تحقق التخييل الذي تشتمل عليه، وهو تخييل ممكن التحقق في ظل عدم احترام الإنسان وتسلطه على أخيه الإنسان تسلطاً لا رحمة فيه ولا هوادة.
ويرى العبابنة أن العملية السردية الديستوبية مرت بمراحل ستتجاوز هذه الدراسة عن بعض ملامحها في أول نشأتها، إلى مرحلة نضجها بعيد الحرب العالمية الثانية، فبعد هزيمة المعسكر النازي بفكره المتطرف على يد المعسكر المضاد، لم تتح الفرصة للبشرية لأن تتفس ولو لفترة محدودة وتختار قلسفة قائمة على احترام الحياة الإنسانية، فقد خلفت هذه الحرب الضروس في العالم كله عدداً من الأفكار التي تعبر عن دهشة الإنسان من الحرب التي لم تنجز إلا الدمار أو الفلسفات التي لا تلتقي إلا من أجل مزيد من الصراع.
ويرى المؤلف أنه تولدت ثلاثة معسكرات متنافسة، وهي: "المعسكر الغربي المنتصر على النازية، وهو معسكر يمتاز بالقوة والفكر المتطرف الذي أظهر أنه جاء من أجل الفرد وحريته في الإبداع والتصرف، وسيطر هذا المعسكر على الدول التي كانت تعرف بأوروبا الغربية، وأميركا ومن دار في فلكهم كجنوب أفريقيا ونظامها العنصري الاستعماري، وأستراليا وأضرابها من الدول التي شكلت ما يعرف بحلف شمال الأطلسي أو (الناتو) وهو الحلف الذي ما يزال قائماً من الدول الأوروبية الاستعمارية والدول المؤيدة المذكورة، والتي لم نشر إليها، وتعاطف معها دول أخرى لا شأن لها طلباً للحماية وتجنباً للوقوع بين مخالب المتنافسين.
"المعسكر الشرقي": الذي قادته روسيا وسيطر على أوروبا الشرقية والدول الواقعة تحت هيمنة روسيا وأغلبها من الدول الإسلامية، وتعاطفت معها دول احتكمت إلى السياسة الشيوعية كالصين وكوريا الشمالية وكوبا وكثير من البلدان المقهورة التي انضوت تحت سيطرة الروس، وقد شكلت روسيا ما يسمى (الاتحاد السوفييتي) ومعها دول أوروبا الشرقيه حلفاً عسكريا أطلق عليه اسم (حلف وارسو) الذي انهار تماماً بعد عقود قليلة من الحرب الباردة.
المعسكر "عديم التأثير"، كل دولة ظلت مطمعاً للحلفين الفاعلين، ويسمى تجمعهم (دول عدم الانحياز)، وهم أغلب دول العالم غير المنحاز لفكرة الرأسمالية الغربية أو الشيوعية الشرقية، وكان على رأسه بعض الدول غير المؤثرة كمصر والهند والدول العربية والأفريقية ودول أميركا اللاتينية".
ويرى عبابنة، أن سيطرة المعسكر الشرقي على أجزاء من أوروبا الشرقية، وسيطرة أميركا على أوروبا الغربية جاءت لتثير مخاوف عديدة، فكثير من الأدباء فزعوا من فكرة سيطرة الفكر الشمولي الشيوعي أو النظرة الاشتراكية على مقدرات الحياة في العالم، وعندها ستحيله إلى واقع مرير، فجاء أمثال (جورج أورويل) ليتبنوا هذا الأمر المفزع، فكتب (أورويل) رواية "ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين، أو 1984"، وهي أشهر رواية ديستوبية في العالم الغربي بعد الحرب العالمية الأولى.
وفي أميركا، وفقا للمؤلف، فقد برز اتجاه ديستوبي معاكس، وهو الفكر الذي مثلته رواية (فهرنهايت 451)، وهي رواية تثير فزع الأميركيين والعالم من سيطرة فكرة العدائية بين الأعراق التي عرفت بأنها أفكار المكارثية القائمة على إقصاء الآخر وتنقية المجتمع الأبيض من الملونين والأعراق الأخرى، وفلسفتها إحراق الوعي الإنساني وتراث البشرية الديني والاقتصادي والأدبي وغيرها من الأفكار تبوأت السلطة الإقصائية في أميركا.
ويرى عبابنة، أن الوطن العربي تأخرت الكتابة الديستوبية فيه إلى بدايات القرن الحالي، وكان الأدباء العرب يميلون إلى الرمز أو الصمت؛ لأن الديستوبيا في كثير من عناصرها تتماهى مع الواقع في تشكيل الحدث فيهما، ولولا مظاهر الخيال العلمي لكانت الرواية الديستوبية أكثر واقعية مما هي عليه.
ويتحدث المؤلف عن أسباب تراجع الكتابة الديستوبية في الوطن العربي، لافتا إلى أنه يعود إلى إدارة العمل الثقافي نفسه في البلاد العربية، فقد انقسم المثقفون إلى قسمين: قسم معارض للسلطة وآخر مؤيد لها، وقد عمل القسم الثاني عملا غير طيب عندما عملوا متأولين للنصوص للدفاع عن أفكار النظم العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويقول عبابنة: "إنه في القرن الحادي والعشرين بدأت الأفكار الداعية إلى الحرية والديمقراطية بالظهور مع ما نطلق عليه الربيع العربي، وتبعاً لهذه الأفكار، فقد انقسم الكتاب إلى أربعة أقسام تشتمل على تمهيد تحدثنا فيه عن الأدب الديستوبي وعملنا فيه مقارنة بين مصطلحات متباينة تربطها علاقة ما، وهي مصطلحات: اليوتوبيا والديستوبيا والهيتروتوبيا، والكتابة الديستوبية في العالم والوطن العربي، وتحدثنا عن سر تأخر ظهور الكتابة الديستوبية في الأداب العربية، وندرتها أيضاً، كما فرقنا بين السرد الديستوبي وأدب الواقع المرير المتمثل في أمثلة من: أدب السجون وثقافة العنف والمواجهة بين المثقفين والسلطات في العالم العربي خاصة، وأوردنا إضاءة عن العناصر التي تجعل من السرد عملا ديستوبياً، كالخراب الأبدي والخيال العلمي وغيرها من العناصر التي ختمنا بها المبحث الأول من هذا الكتاب".
وأما المبحث الثاني، فقد تناول فيه المؤلف أمثلة الرواية الديستوبية العربية، وهي رواية (يوتوبيا) للأديب أحمد خالد توفيق، الذي افترض تأسيس الأغنياء مجتمعاً خاصاً بهم، وهو مجتمع قائم على انعزال الطبقة الغنية جداً، وانهيار طبقة الفقراء الذين باتوا لا يستحقون الحياة في الرقعة المكانية التي تناولتها الرواية، فيما يتحدث المبحث الثالث، عن الرواية المشهورة (فهرنهايت 451) للأديب الأميركي (راي برادبوري)، وهي رواية عالمية أميركية قامت على تخيل إحراق الوعي والتراث الإنساني في إحدى المدن، عن طريق حرق المكتبات ومنع اقتناء الكتب العالمية النبيلة وما جره هذا السلوك القائم على الفلسفة المكارثية من ويلات وخراب. وقد عبرت الرواية عن خوف السارد من أن يشمل الأمر جميع أرجاء الولايات المتحدة.
ويتناول المبحث الرابع والأخير، دراسة لأشهر رواية غربية من بريطانيا، وهي رواية (1984) للكاتب (جورج أورويل) الذي صنع في هذه الرواية عالماً مدهشاً من الخراب والديستوبيا لنظام حكم شمولي قائم على الإنجراكية أو الاشتراكية الإنجليزية كما أطلقت عليه الرواية، ويسيطر هذا الحكم على الجزء الغربي من العالم (بريطانيا والأميركيتين وأستراليا وجنوب أفريقيا) وما يمكن أن يقع تحت سلطة لندن وحكومة أوقيانيا كما أطلقت عليه الرواية، ونظامين آخرين شموليين يسيطران على المناطف الأخرى ومنطقة غير مصنفة لا تصلح إلا للمواد الخام، وهي تمثل الوطن العربي والإسلامي وأجزاء من أفريقيا، وهذه الأنظمة المصنفة الثلاثة على العالم برمته، وتقضي على أي أمل بالحرية والخلاص من الواقع المرير.