ما بعد خراب بصرة العراق

حيدر زكي عبدالكريم*

 

قيل في قديم الزمان "البصرة تحترق وبغداد تغرق" والمثل معروف لدى العراقيين – لان بيوت البصرة في فترة الاحتلال العثماني اغلبها من القصب والبردي، وبغداد تغرق بسبب فيضان نهر دجلة في مواسم الربيع وذوبان الثلوج في منابع النهر في تركيا قبل تطور الحياة العصرية وبناء السدود وظاهرة شحة المياه. 

اضافة اعلان

لقد كانت البصرة العراقية وما تزال منفذا مهما اقتصاديا مثلما كانت بوابة الاحتلالات القديمة والحديثة، فلقد ادرك البريطانيون منذ الحرب العالمية الأولى اهميتها كمنفذ استراتيجي تقدم منه جنرالات الحرب الانجليز من "طاو زند وستانلي مود" هذه الأهمية كما ادركها البريطانيون فيما بعد العام 2003 على اعتبار أن البريطانيين لهم قدرة على فهم سكان المستعمرات القديمة وشعوبها التي كانت تخضع لهم في السابق، والتي في حقيقة الأمر اساؤوا فهم هذه الحقيقة بعد تغير معطيات الزمان والمكان أن صح التعبير. 

2003 عام الاحتلال الأميركي وما تبعه ومحاولة خلق واقع غير مرغوب فيه من قبل ابناء العراق. سبب خرقا كبيرا للعراق بعد انهيار النظام الوطني الذي تشكل مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 1921 وحتى في الحقبتين الملكية والجمهورية لم يحدث فيها ما حدث الآن. لقد انجب الاحتلال للعراق الويلات و"الفوضى الخلاقة" والميلشيات ودويلات الطوائف لا دولة المواطنة. 

ان بصرتنا العراقية والتي نفتخر بعراقتها، دفعت ثمنا باهظا في التاريخ وللحاضر، وانسياقا مع الحاضر، لم تعد البصرة هادئة لأنها جزء من العراق تتأثر بما يحدث فيه من سوء الخدمات والأمن وعدم توفر فرص العمل والبطالة بأشكالها وعبث المليشيات ومافيات التهريب وغيرها.

وها هيّ تصبح على مظاهرات صاخبة رافضة لكل ما حدث طيلة السنوات الماضية ولم يكن أولى الأمر؛ المحليون والاتحاديون على المستوى المطلوب وهذه هي النتيجة؟ ويمكن ملاحظة ما يلي:

- هل المظاهرات جاءتنا من فراغ ام من المطالبة بالحقوق المشروعة لكل مواطن.

- هل المطالبة بالكهرباء والماء الصالح للشرب حقوق ام واجب توفيرها كخدمات بسيطة من مستلزمات العيش الكريم للإنسان، ان ازمة مياه الشرب وجفاف الانهر هيّ من مسؤولية الدولة وسياستها الخارجية، فعملية بناء السدود في دول المنبع وقطع المياه  الحدودية المشتركة وسياسة اللامبالاة وعدم المطالبة الحقيقية وليست الاحتجاجية فقط جعل ازمة المياه عقيمة او معقدة وهذا ما تفعله (تركيا وايران) في العراق حاليا؟ 

- على صعيد الكهرباء، محطاتنا متهالكة وبعضها من الحرب العالمية الثانية وتم نصبها في سبعينات القرن الماضي ومثلها مثل "حصان يسحب عربات قطار" وعذرا للقارئ من هذا المثل لان الطاقة المستهلكة من الكهرباء بسبب الاجهزة الكهربائية التي يستخدمها المواطن العراقي تضاعفت بعد 2003 وغيرها من المستهلكات الكثيرة ويضاف لها آفة الفساد وما نسمع من محطات فك الاختناق المتنقلة لا طائل منها سوى التخدير المؤقت؟ 

- احترقت مدننا بالإرهاب الداعشي من الموصل في شمال العراق إلى حدود العاصمة بغداد واصبحت الآن مدن خربة، والآن مدننا تحترق من بنوع اخر وهو الفساد وعدم المسؤولية والمحاصصة الطائفية من البصرة في جنوب العراق الى العاصمة بغداد.

- ظاهرة البطالة وترقيع الحلول، ان سوء التخطيط جعل من البطالة تتفاقم تدريجيا من حيث المخرجات التعليمية باعتبارها مدخلا لمؤسسات الدولة والتي بدأت تذهب إلى الشارع بدون عمل، فقر الموازنة وتبخرها بجيوب الفاسدين في الحكومة وخارجها وشروط صندوق النقد والاقراض وضرورة تقليص الموظفين التي اصبحت الدولة مُترهلة بهم يضاف لها الاقتصاد الاحادي وضعف القطاعات الانتاجية الاخرى ومن المضحك المبكي "نلاحظ توأمة جامعة عراقية مع جامعات اجنبية لمكافحة التصحر" علماً ان الانظمة الماضية بخططها الخمسية لم تصل الى حل جذري وواقعي ولا يبتعد الفساد الممنهج عنها ايضا ان هذه الأمور تحبط الإنسان العراقي أكثر ما تنهض  من همته. 

- ما نسمع مؤخرا عن المطالبة بـ(اقليم للبصرة) على اعتبار أن مدينة البصرة تسبح فوق ثروة معدنية هي "البترول"، هو في حقيقة الأمر نوع من التقسيم للعراق ولكن بصيغة "الحقوق"، لكن لماذا لم يُحاسب من جعل الأمور تكون بهذه الحالة المأساوية طيلة السنوات الماضية ولماذا نسير وفق النظرية الانفصالية التي تجعل منا فيما بعد كل مدينة عراقية تطالب بأن تصبح إقليما  لتتصارع فيما بينها على اساس ثرواتها ويتناسى الجميع عراقيتهم وعراقتهم وانتماءهم لوطنهم الذي اقتسموا فيه الخبز والماء معا طيلة قرون من الزمن ومن جيل إلى آخر؟ 

- ظاهرة المُندسين وما يسمى "الشذاذ" في المظاهرات الاحتجاجية – لم تكشف الحكومة للرأي العام العراقي والعالمي عن أدلة دامغة وفق القانون عن وجود هؤلاء باستثناء عبارات سوف يتم التحقيق معهم وتشكيل لجان تحقيقية بهذا الشأن وغيرها من المسميات، خاصة بعد حرق المباني الحكومية والقنصلية الإيرانية في البصرة مؤخراً، ماذا تنتظر الحكومة من المتظاهر او المحتج  هل يستقبلها  "بالزهور"، فليجُربَ القائمون بالحكم الان اسبوعاً واحداً من هذه المعاناة ونضيف لها عدم الامان وغدر الميلشيات فما هو الجواب نتركهُ للقارئ! كما اننا نرفض ايّ انتهاك لمؤسسات الدولة لأنها اولاً واخيراً للمواطن العراقي؟ 

- ظاهرة احزاب "الاسلام السياسي" فشلت في العراق لان ببساطة العراق بلد متنوع عرقيا ودينيا ومذهبيا، ولا تصلح ان تحكمه احزاب لا تؤمن بالتعددية سوى ظاهري ديمقراطي مزيف. 

- واخيرا: لقد اشترك العراقيون في بناء وطنهم بكل مكوناتهم في السابق ولم يكن هنالك من يدّعي الماءَ لنا والنفط لكم فهي ثروات القطر ولكل الشعب. وما أحوجنا اليوم الى وصية ذلك الرجل الحكيم الذي قالَ "عندما تجتمع العصا في حزمة واحدة يصعب كسرها".

 

* كاتب من العراق