محافظات- فتح إعلان الحكومة عن توجهها قريبا نحو إعفاء البلديات من فوائد الحساب المكشوف، باب النقاش حول أثر هذا "الإعفاء"، في حل مشاكل عدة تعاني منها غالبية البلديات منذ سنوات نتيجة أزمات مالية عالقة.
ورغم إقرار أن التوجه يشكل جزءا من الحل، إلا أنه ووفق رؤوساء بلديات تحدثوا لـ "الغد" لا يعدو أن يكون "مسكن للآلام" التي أرهقت موازنات العديد من البلديات.
رؤوساء بلديات ومع تثمينهم لما وصفوه بـ"لفتة إيجابية"، يرون أن مشاكلهم أكبر من مجرد "إعفاء فوائد"، والتي تشكل مبالغ مالية بسيطة قد لا تزيد في بعض البلديات عن 100 ألف دينار.
وكان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وخلال اجتماع عقده في بنك تنمية المدن والقرى مؤخرا، كشف عن توجه الحكومة لاتخاذ قرار بإعفاء البلديات قريبا من فوائد الحساب المكشوف لغاية تاريخ 31/ 12 /2022، والبالغة قيمتها أكثر من 13 مليون دينار، بما يسهم بتخفيف الضغط المالي عن البلديات، وتمكينها من إعادة ترتيب أولويات الإنفاق المالي، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمجتمعات المحلية.
وأكد الخصاونة خلال الاجتماع الذي ضم نائب رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية توفيق كريشان، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير دولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة، ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء إبراهيم الجازي وعددا من المسؤولين، على أهمية الجهود التي تقوم بها وزارة الإدارة المحلية والبنك في خدمة المواطنين والمجتمعات المحلية، رغم التحديات المالية الموجودة.
تفاؤل رئيس الوزراء من مردود إيجابي للقرار ينعكس على الخدمات المقدمة للمواطنين، وضع رؤساء بلديات أمام المسائلة، ودفع ببعضهم إلى تبيان حجم العائد المالي الذي ممكن أن تحققه بلدياتهم من وراء القرار.
رئيس بلدية غرب إربد جمال البطاينة، وفي معرض رده حول قرار "الإعفاء" اتجه بشكل مباشر الى تبيان أن حصة البلدية من المحروقات وترخيص المركبات للعام الحالي تبلغ حوالي 3 ملايين ونصف تلقت منها البلدية مليون ونصف فقط.
وتابع أن البلدية تدفع فوائد بدل كشف حسابها سنويا 120 ألف دينار.
البطاينة في حديثه حول المفارقات الرقمية، شدد على أن البلديات قد لا تكون بحاجة لأي قرار إعفاء فوائد حال تم منحها حصتها من المحروقات وترخيص المركبات بشكل كامل، قائلا "لماذا تتجه بعض البلديات إلى الحساب المكشوف أصلا".
ورغم ذلك، لا ينكر البطاينة أن ما يتوفر من مبلغ جراء قرار الإعفاء سيسهم ولو بشكل جزئي بتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين في مناطق البلدية.
وختم البطاينة حديثه بالإشارة إلى أن موازنة البلدية للعام الحالي بلغت 9 ملايين دينار، تستنزف رواتب الموظفين ما يقارب 47 %، فيما تقدر المديونية بمليوني دينار وبالتالي فإن إعفاء البلدية من مديونتها مطلب أساسي.
في طرح يبدو قريبا من وجهة نظر البطاينة، يشير رئيس بلدية إربد الكبرى الدكتور نبيل الكوفحي أن حصة المحروقات وترخيص المركبات تقدر بحوالي 8 ملايين دينار سنويا، لم تحصل البلدية على حصتها كاملة هذا العام.
وبين أن البلدية حصلت هذا العام على 3 ملايين، فيما هناك مبالغ متراكمة بدل ترخيص مركبات منذ سنوات سابقة.
ولفت الكوفحي إلى أن البلدية تدفع ما يقارب المليون دينار سنويا بدل فوائد للبنوك بسبب حسابها المكشوف.
المفارقة، أن الكوفحي وفي إشارته لحصص البلدية غير المحصلة من الحكومة، يذهب إلى سيناريو لا يحمل أي تفاؤل، قائلا "مع قيام الحكومة بإعطاء البلدية حصتها كاملة لن يعفيها ذلك من استمرار تأمين الرواتب على الحساب المكشوف بسبب المديونية العالية التي تعاني منها البلدية".
وأضاف، أنه في عام 2020 وأثناء جائحة كورونا، زادت قيمة الحساب المكشوف لعدم دخول صندوق البلدية أي مبلغ مالي بعد رفض المواطنين تسديد الذمم المترتبة عليهم رغم تقسيطها.
وبين الكوفحي أن إيرادات البلدية ذاتية وتعتمد على رسوم المسقفات والتراخيص والضرائب، مؤكدا في إشارة له لما تعانيه البلدية من حجم انفاق كبير مقابل مردود متواضع أن البلدية انفقت خلال 2020 حوالي 6 ملايين دينار على الرواتب والمحروقات وصيانة آليات.
وأوضح أن إيرادات البلدية هي إيرادات تقليدية تتمثل برسوم التراخيص والمسقفات وبالتالي يجب أن تتوجه البلديات للاستمثار وتعديل التشريعات والأنظمة بحيث تعطي صلاحيات أوسع للبلديات للتوجة لإقامة المشاريع والتي من شأنها التخلص من الحساب المكشوف.
رئيس بلدية الوسطية عماد العزام أشار ايضا الى ذات الطرح بتساؤله عن الأسباب التي تدفع بعض البلديات إلى اللجوء أصلا للحساب المكشوف.
وقال، " نثمن قرار الحكومة بإعفاء البلديات من الفوائد، غير أن المطلوب ايضا تحويل مخصصاتها المالية بوقتها المحدد والذي من شأنه إعفاءها من الاعتماد على كشف الحساب".
في عرض لأوضاع البلديات بشكل عام، يشار إلى أن غالبيتها ما تزال ترزح تحت وطأة المديونية التي وصلت لنحو 350 مليون تقريبا، نتيجة عدم سداد المواطنين للمستحقات المترتبة عليهم.
هذه المبالغ المالية التي صرح عنها في أكثر من مرة وزير الإدارة المحلية توفيق كريشان، رافقها انخفاض شهدته البلديات في عوائد المحروقات المخصصة لها من الحكومة من 210 ملايين دينار لـ105 ملايين في عام 2020.
ورغم أن خفض تلك العوائد كان نتيجة الاستجابة الحكومية لجائحة كورونا، لكن تداعياتها استمرت حتى الآن.
وكان أقر مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023، أن ضعف تحصيل العوائد والرسوم المستحقة للبلديات من المواطنين، وتراكم ديونها بصورة عامة، تعد من التحديات الرئيسية التي تواجه عمل البلديات في المملكة.
في بلديات أخرى وتحديدا بمحافظة الكرك، يعتبر رؤساء بلديات وناشطون أن غالبية البلديات بالمحافظة تواجه مديونية كبيرة وتراجعا في حجم الموارد المالية لأسباب كثيرة، ما يعني أن أي قرار يتعلق بتخفيض الديون وخصوصا ما يتعلق بالحساب المكشوف، يمكنه أن يسهم في توفير مردود مالي إضافي ينعكس بالتالي على الخدمات المقدمة للمواطنين.
وتلجأ العديد من البلديات إلى الحساب المكشوف لتغطية الاحتياجات المالية الكبيرة والصغيرة، وخصوصا رواتب الموظفين، إضافة الى سداد مستحقات مالية ونفقات والتزامات لمختلف الجهات الرسمية والأهلية.
ويؤكد رئيس بلدية الكرك المهندس محمد المعايطة أن أي إعفاءات تتم بخصوص ديون البلديات يعتبر أمرا جيدا، ويساهم في التخفيف عن البلديات والتزاماتها المالية الكبيرة والتي تؤدي أحيانا إلى العجز في تقديم الخدمات الضرورية.
ولفت إلى أن إعفاء البلديات من فوائد الحساب المكشوف سوف يؤدي إلى الغاء ديون قال إنها "كبيرة".
وأشار إلى أن رواتب العاملين بالبلدية يتم توفيرها على الحساب المكشوف، وتبلغ قيمتها حوالي 400 ألف دينار شهريا، وقد تراكمت على البلدية على مدى عامين أو أكثر والغاؤها يعني إعفاء البلدية من مبلغ مالي كبير يمكن أن تقوم البلدية باستغلاله في توفير خدمات مختلفة للمواطنين بما يسهم في تحسين البنية التحتية في مناطق البلدية المختلفة.
وقال رئيس بلدية الأغوار الجنوبية يوسف البوات إن أي قرار بإعفاء البلديات من فوائد حساب المكشوف حتى نهاية العام 2022 سيؤدي إلى توفير مصادر مالية جديدة كانت يتم اقتطاعها سنويا من حسابات البلديات لصالح فوائد الحساب المكشوف.
وأكد أن بلدية الأغوار الجنوبية ليس لديها حساب مكشوف بحيث أنها تقوم بتسديد كافة التزاماتها المالية من موازنتها السنوية، لافتا أن قرار الإعفاء سيؤدي إلى تحسين خدمات مختلفة لدى البلديات التي تعاني من ضائقة مالية.
وقال رئيس بلدية الكرك الأسبق ورئيس ملتقى الكرك للفاعليات الشعبية خالد الضمور إن غالبية البلديات الكبرى تعاني من تردي أوضاعها المالية ما يدفعها إلى كشف حسابها لتغطية العجز.
ولفت إلى أن فكرة إعفاء البلديات من فوائد الحساب المكشوف فكرة صائبة تماما.
وبين أن خدمة الدين الخاص بفوائد الحساب المكشوف الذي يوضع بالموازنة سنويا يمكن استغلاله الآن بتحسين الخدمات وتجويد البنية التحتية وخصوصا وأنه في بعض الحالات كبلدية الكرك يعد رقما كبيرا.
في عجلون تبدو الأمور أشبه بأوضاع البلديات في إربد، إذ يؤكد رؤساء بلديات في المحافظة أن قرار إعفاء بلدياتهم من فوائد الحساب المكشوف، لن يكون له أي أثر على طبيعة وزيادة الخدمات المقدمة للسكان، أو المساهمة في دعم توجهاتها التنموية.
ويقول رئيس بلدية الجنيد الدكتور مهدي المومني إن المبلغ الذي ستوفره البلدية من هذه الخطوة لا يتجاوز 100 ألف دينار، وهو لا يشكل رقما يذكر ليحدث فارقا في قدرات البلدية الخدمية والتنموية، مقارنة بأرقام العجز الكبيرة التي تعاني منها البلدية.
ويشاطره الرأي رئيس بلدية كفرنجة الدكتور فوزات فريحات الذي يؤكد أن البلدية تعاني أوضاعا مالية صعبة وحجم مديونية كبير، بحيث لا يمكن لهذا الإعفاء من إحداث أي تطوير في خدماتها، لافتا إلى أن ما ينفذ من بعض مشاريع خدمية تحصلت عليه البلدية بمجهودات مجلسها وعبر مطالبات عديدة ومنح.
وهذا ما يؤكده أيضا رئيس بلدية الشفا زهير الدين العرود، حيث يقول إن عجز موازنة البلدية ومديونيتها أكبر بكثير من حجم إعفاء لم يتعد 100 ألف دينار، لافتا إلى أن البلدية عاجزة حتى عن دفع فواتير بسيطة، كأجور لأصحاب آليات تم استئجارها، ومكتبات يتم التعامل معها لغايات العمل اليومي.
بيد أن رئيس بلدية مادبا الكبرى عارف محمود الرواجيح ورئيس بلدية ذيبان الجديدة، اعتبرا قرار "الإعفاء"، خطوة إيجابية ستخدم البلديات، وسيسهم القرار في التخفيف من الأعباء المالية المترتبة على غالبية البلديات.
وبينا أن القرار من شأنه مساعدة البلديات على إعادة ترتيب أوجه إنفاقها، خاصة وأن معظم البلديات أصبحت غارقة بالديون في ضوء موازنات شحيحة بنسب عجز مرتفعة ما يعيق وفاءها بمسؤولياتها تجاه مواطنيها والقيام بدورها الخدمي والتنموية على الوجه الأمثل.
وأشار الرواجيح والرواحنة إلى أن البلديات تعاني من أوضاع مالية لا تكاد معها تستطيع تسديد نفقاتها، إذ إن أغلب الميزانية تذهب رواتب وما يتبعها من استحقاقات مالية تترتب عليها لصالح عدة جهات، إضافة إلى الكثير من النفقات الأساسية الأخرى، الأمر الذي تحتاج فيه إلى دعم وإسناد حكومي إضافي يتمثل بإعفائها من الديون السابقة وفوائد القروض المترتبة عليها والتي تحمل وزرها المجالس الحالية، مع المطالبة بزيادة حصة البلديات من عوائد المحروقات.
وأكد الرواجيح أن قرار الحكومة نقطة إيجابية وله الأثر في تخفيف الضغط المالي على صندوق البلدية، ما يساهم أيضا في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في حالة تم تنفيذه.
فيما أشار رئيس بلدية ذيبان الجديدة نصر الرواحنة إلى أهمية أن تبادر الحكومة سريعا باتخاذ هذا القرار لما له من فائدة إيجابية لتخفيف الأعباء المالية التي تثقل كاهل البلديات، وتحد من انطلاقتها للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
وبين أن قرار إعفاء البلديات مهم للغاية، وستلمس العديد من البلديات أثره على المدى القصير والمدى البعيد، ويساهم في ترتيب أوضاع البلديات التي تلعب دورا خدميا وتنمويا في خدمة المواطن.
اقرأ أيضا:
الحكومة تعفي البلديات من 13 مليون دينار