يفتح قدوم الصيف وارتفاع درجات الحرارة ملف حوادث لدغات الأفاعي السامة التي تقع بالمناطق الريفية بشكل خاص، في وقت ما يزال الموروث الشعبي بالتعامل مع هذا النوع من الحوادث يعد أكثر خطورة من السم نفسه، وفق ما تؤكده تعليمات الإسعافات الأولية الطبية الواجب اتباعها.
فالشائع شعبيا، أن المرء حين يتعرض للدغ، يسارع المحيطون به الى جرح مكان اللدغ كإجراء أولي لإحداث نزيف في محاولة لإخراج السم قبل انتشاره بالجسم، وأخيرا ربط ما قبل مكان اللدغة ببضع سنتمترات بحبل رفيع أو قطعة قماش لتبطئة تدفق الدم.
في المقابل، يشير أطباء وخبراء بتربية الأفاعي إلى خطورة المعلومات الشعبية المغلوطة والمتوارثة حول إسعاف الشخص الملدوغ، موضحين أن أي إجراء خاطئ يمكن أن يتسبب بمضاعفات خطيرة قد تؤدي الى وفاة الشخص.
وبحسب سجلات وزارة الصحة، فإن فترة الصيف تشهد في كل عام تسجيل ما يقارب من 70 إلى 100 حالة لدغ من الأفاعي، في حين يؤكد خبراء في تربية الأفاعي أن الرقم يفوق ذلك بكثير، معللين هذا الأمر بأن ليس كل من يلدغ يراجع الطوارئ إذ يلجأ البعض الى التداوي بالمنزل وهو أمر خطير يجب التنبه اليه.
ووفق الخبير في تربية الأفاعي أسد الجيزاوي، فإنه تعامل منذ بداية العام الحالي مع أكثر من 100 حالة لدغ لغاية الآن، قائلا إن "لدغات الأفاعي في تزايد مستمر الصيف الحالي الأمر الذي يتطلب من المواطنين أخذ الحيطة والحذر وأن لا يتم التعامل مع أي حالة لدغ وفق العادات القديمة بجرح مكان الإصابة ووضع الثوم وربط مكان الإصابة".
ولفت إلى أن "أي شخص يتعرض للدغ عليه الاتصال فورا بالدفاع المدني لسرعة نقله للمستشفى وأن يحافظ الشخص المصاب على الهدوء حتى لا تزيد دقات القلب ويسرع في انتشار السم داخل الجسم".
وكانت حادثة تعرض طالب مدرسة 6 سنوات للدغة أفعى أثناء تواجده بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة إربد قبل يومين، قد شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، وفتحت الحادثة باب الحديث عن إجراءات السلامة العامة وكيفية التعامل مع هذا النوع من الحوادث الذي وصل الى المدارس، في وقت ساهم نقل الطفل بشكل فوري الى المستشفى بإنقاذ حياته.
ووفق ما أكده والد الطفل لـ "الغد"، فإنه تم الاستعانة بخبراء تربية الأفاعي من أجل تزويده بترياق لعلاج ابنه تحت إشراف طبي وهو الأمر ذاته الذي أكده الجيزاوي بقوله" تلقيت اتصالا من ذوي طفل في إربد تعرض للدغة أفعى وقمت على الفور بالتوجه إلى المستشفى بعد أن تم تأمين الترياق الخاص بمثل هذه الحالات وتم إعطاؤه للمصاب بواسطة المغذي بإشراف طبي، الأمر الذي أسهم في إنقاذ حياته".
في هذا الخصوص وتحت إجراءات تبدو غير فعالة، إضطر المواطن محمد هزايمة إلى شراء مبيدات حشرية طاردة للأفاعي والعقارب لرشها على جوانب النوافذ والأبواب بعد أن تعامل خلال الأيام الماضية مع أفاعي وعقارب بالقرب من منزله دون أن يصاب أحد بأذى.
يقول الهزايمة إنه يسكن في منطقة تحيطها الأعشاب الجافة والسناسل الحجرية التي تتكاثر فيها الأفاعي والعقارب، مؤكدا أنه عثر قبل أيام على أفعى في منزله، ما أحدث حالة من الهلع والخوف بين أفراد أسرته، قبل أن يسارع على قتلها.
وأشار إلى أنه مع جفاف الأعشاب وارتفاع درجات الحرارة بادر إلى حرق تلك الأعشاب خشية ظهور الأفاعي والحشرات السامة، إضافة إلى قيامه بإغلاق الفتحات المحيطة بمنزله وشراء مواد لرشها حول المنزل لمنع أي زواحف من دخول المنزل.
في المقابل، يقول صاحب محل لبيع المبيدات الحشرية محمد سلامة إن المبيدات الحشرية الخاصة بطرد الأفاعي غير مجدية ولا تدوم طويلا، مبينا أنه لا يوجد طريقة ناجعة لمكافحة الحشرات السامة، ما يتطلب من المواطنين أخذ الحيطة والحذر بإغلاق النوافذ والأبواب جيدا.
ولفت إلى أن أكثر المناطق التي يمكن أن تنتشر فيها الأفاعي والحشرات السامة هي القرى والأرياف بعكس المدن التي تكثر فيها المباني السكنية، مؤكدا أن هذا الأمر يتطلب من ساكني تلك المناطق تفقد المنازل باستمرار وحرق الأعشاب الجافة أمام منازلهم وخصوصا وأن الأفاعي تبحث عن المناطق الرطبة والأماكن التي فيها ظل.
ويقول خبير الأفاعي ياسين الصقور، إنه يوجد في الأردن 37 نوعا من الأفاعي، منها 7 أفاع سامة، كأفعى فلسطين والخبيث الأسود، وأفعى الحراشف، وأبرز أماكن تواجدها في منطقة الأغوار والشفا غورية.
ولفت الصقور إلى أنه تعامل خلال الخمس سنوات الماضية مع ما يقارب من 537 حالة للدغة أفعى بمختلف مناطق الأردن، مؤكدا أنه تمكن من توفير الترياق المعالج لتك الحالات من دول عربية مجاورة وتم شفاء المصابين من تلك اللدغات.
وأضاف، أن التعامل مع لدغة الأفعى يتطلب الحذر بعيدا عن العادات الموروثة والمعلومات المغلوطة التي كانت تستخدم سابقا كجرح مكان اللدغة، أو مص السم في محاولة لإخراجه، أو استخدام كمادات ثلجية، وربط مكان اللدغ.
وأشار إلى أنه في حال تعرض أي شخص للدغة أفعى أو عقرب فإن الإجراء الأولي هو طلب الإسعاف فورا وتهدئة المصاب؛ وغسل اللدغة بالماء والصابون على الفور والاستلقاء أو الجلوس، مع محاولة وضع الطرف المصاب في وضع مريح.
وأكد أهمية إزالة أي شيء مشدود حول الجزء المصاب من الجسم مثل الخواتم أو الأساور لأنها يمكن أن تسبب الضرر في حالة حدوث تورم وتغطية مكان اللدغة بضمادة نظيفة وجافة وعدم ربط أي منطقة قريبة من المنطقة المصابة وتجنب جرح المنطقة المصابة أو مص السم.
وشدد الصقور على أهمية بث التوعية بموضوع الأفاعي والعقارب والحشرات السامة وخصوصا وأن هناك بعض الأفاعي غير سامة وقتلها يؤثر على التنوع الحيوي في الأردن، إضافة إلى أن وجود بعض الأفاعي تساهم في قتل الأفاعي السامة.
وقال الصقور إن الأردن يسجل ما يقارب من 100 إصابة بلدغات أفاعي سنويا، لافتا إلى أن العديد من المصابين يتعرضون للدغات ويتم علاجهم بالمنازل ولا يراجعون المستشفيات وتكون إصاباتهم طفيفة، ما يبقي الأعداد غير دقيقة، مؤكدا أن تطور حالة المصاب إلى الأسوأ تعتمد على سرعة وصوله للمستشفى خلال الساعة الأولى والتي يمكن إنقاذ حياته فيها من خلال إعطائه الترياق الخاص باللدغات تحت إشراف طبي.
وطالب الصقور بضرورة توفير ترياق خاص لعلاج لدغات الأفاعي السامة، مؤكدا أنه ومجموعة من المواطنين يقومون بتأمين هذا الترياق من الدول المجاورة ويتم إعطاؤه للمصابين بشكل مجاني بإشراف طبي وأسهم ذلك في إنقاذ حياة العديد من المصابين، لافتا إلى أن ثمن العبوة الواحدة من الترياق يصل الى 1200 دينار.
بدوره، قال رئيس اختصاص طب الطوارئ والحوادث في وزارة الصحة الدكتور عماد أبو اليقين إن هناك إجراءات تقيمية أولية تتم لمن يتعرض للدغ بعد دخوله للمستشفى ويتم تقديم العلاجات المناسبة له.
وأكد أبو اليقين على توفر الأمصال في وزارة الصحة والتي أثبت فعاليتها بمعالجة مختلف لدغات الأفاعي، لكن هناك فرقا بين المصل المتخصص والمصل العام، مبينا أن المصل لوحده غير كاف لمعالجة الحالة، وهناك عوامل عديدة تدخل في تشخيص وعلاج المصاب.
وأكد أن جزءا كبيرا من لدغات الأفاعي تكون جافة ولا يصل السم إلى داخل الجسم وأن مربي الأفاعي هم الأكثر عرضة للدغ، موضحا أن الأفاعي بعد التحضر الذي شهده الأردن والتوسع العمراني انحصر انتشارها في الأرياف أكثر من المدن.
وأشار إلى أن الترياق يجب أن يؤخذ في الساعة الأولى من الإصابة لتجنب أي إجراء جراحي، وبعد ذلك ليس له أي فائدة.
وأكد أن الكوادر الطبية في المستشفيات تتعامل مع الإصابات من خلال إجراء عملية نقل الدم، وإعطاء أدوية تميع الدم في حالات التجلط، وأدوية تقليل الدم في حالة زيادة تدفقه، بالإضافة إلى دعم الجهاز التنفسي، فضلا عن التدخل الجراحي لبعض الحالات.
وتبين تقارير علمية، أن طبيعة السموم الموجودة في الأفاعي هي سموم عصبية ودموية ونخرية، وتعد السموم العصبية هي أسرع السموم تأثيرا على جسم الإنسان، وقد تكون قاتلة ما بين 3 إلى 10 دقائق، حيث تسبب تجلط في الدم.
يذكر أن وزارة الزراعة نفت في وقت سابق المعلومات الخاصة حول انتشار "أفعى فلسطين" في المملكة بكثافة وأوضحت أن هذا النوع مهدد بالانقراض، ومدرج على قوائم الحماية كنوع من الأفاعي السامة التي يمنع اقتناؤها أو بيعها أو المتاجرة بها، والتشجيع على قتلها، وتتواجد في مناطق نائية، وتحديدا في المناطق الغورية والشفا غورية والصحراء، وتتغذى على الزواحف والجرذان والفئران.
وقالت في حينه، إن أعداد هذا النوع من الأفاعي بسيط جدا وأن الوزارة تعمل على حماية التنوع الحيوي والحيوانات التي باتت بشكل عام مهددة بالانقراض.
اقرأ أيضا:
تعرف على كيفية التعامل مع لدغة الأفعى