الأموال مقابل السجناء.. ما وراء الصفقة بين واشنطن وطهران؟

ما وراء الصفقة بين واشنطن وطهران
ما وراء الصفقة بين واشنطن وطهران
 في خضم صفقة تبادلت خلالها إيران سجناء أميركيين بأموال إيرانية محتجزة في كوريا الجنوبية أفرج بموجبها أمس عن حوالي 6 مليار دولار ضمن الجزء الأول من الصفقة تبرز عدة أسئلة بينها ما وراء تلك الصفقة وما مصلحة الولايات المتحدة فيها ؟اضافة اعلان
الشهر الماضي، أعلنت كل من إيران والولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة لطهران مقابل تبادل للسجناء بين البلدين، على أن تنقل هذه الأموال إلى حسابات في قطر. وقتها، أطلقت السلطات الإيرانية سراح 4 أميركيين من أصل إيراني، ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية داخل البلاد في خطوة أولى لإعادتهم مع مواطن خامس آخر محدد الإقامة منذ وقت سابق، مقابل رفع قرار التجميد عن بعض الأرصدة الإيرانية في الخارج شريطة إنفاقها على الغذاء والدواء.
واستعرض"ريان كوستيللو"، مدير السياسات بالمجلس الوطني الإيراني-الأميركي، أثر العقوبات السيئ على الاقتصاد الإيراني وعلى المواطنين العاديين، ويوضح مغزى الصفقة الإيرانية الأميركية.
ورغم أن هناك من انتقد الصفقة في أروقة السلطة الأميركية، فإنها مربحة في النهاية للشعبين الأميركي والإيراني، وفقا لتقرير صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، والذي أوضح أن إيران لطالما رفضت التفاوض المباشر مع واشنطن منذ وصول "جو بايدن" إلى السلطة، وطلبت وساطة أطراف ثالثة. وقد لعبت قطر دورا بارزا في تسهيل المحادثات بين الطرفين حول إطلاق سراح الرهائن، واستضافة المفاوضات وفقا لأحد المسؤولين المطلعين على تفاصيلها، كما لعبت سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والعراق وسويسرا دورا في الحوار بين واشنطن وطهران.
كيف جاءت الصفقة ؟ إيران تعاني من أزمة دواء فهناك حوالي 170-180 نوعا من الدواء شحيحا في البلاد، وهو رقم في تزايد، وفقا لما صرح به "حسين علي شهرياري"، رئيس لجنة الصحة والعلاج بالبرلمان الإيراني، مضيفا أن هذا الرقم في تزايد.
وتقف وراء تلك المناورات الدبلوماسية أوضاع ضارة أمكن تجنبها تتعلق بأزمة الدواء في إيران، حيث باتت الأدوية الضرورية لإنقاذ حياة الكثيرين شحيحة في البلاد، رغم المليارات التي تملكها الحكومة الإيرانية في أرصدتها المجمدة حول العالم، وتتراوح الأزمة من الأدوية المخصصة لعلاج أمراض الدم والسرطان، وحتى الأدوية العادية لمعالجة السعال والمضادات الحيوية، وهي عقاقير متاحة دوما في شتى أنحاء العالم، لكن الإيرانيين في أمس الحاجة إليها. وقد اضطر العديد من المرضى اليائسين في إيران إلى دفع أثمان باهظة والسفر مسافات طويلة، بل واللجوء للسوق السوداء، من أجل الحصول على الأدوية التي يحتاجون إليها.
العقوبات ليست السبب الوحيد في شح الدواء في إيران، لكنها السبب الرئيسي، فنتيجة لتقييد قدرة الحكومة الإيرانية على الوصول إلى نظام البنوك العالمي والعملة الصعبة، حالت العقوبات دون حصول إيران على الأدوية والمواد الأولية الضرورية لإنتاج العديد من العقاقير محليا. ولم يكن ذلك الوضع سائدا دوما في إيران، ففي الفترة القصيرة إبان توقيع الاتفاق النووي الشهير في فيينا عام 2015، أدى تطبيق الاتفاق إلى تقليص نقص الأدوية إلى حد كبير، بيد أن كل ذلك تغير بعد وصول "دونالد ترامب" إلى السلطة في الولايات المتحدة، ما أسفر عن انسحاب واشنطن من الاتفاق وتبنيها سياسة "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني. وقد أشارت "إليزابيث روزنبرغ"، خبيرة العقوبات الأميركية، إلى أن "المختلف هذه المرة (في عام 2018) أن الولايات المتحدة أعادت العقوبات التي رفعتها وقت الاتفاق، وأضافت إليها تفاصيل جديدة، بما في ذلك وضع بعض المؤسسات المالية الإيرانية التي لم تخضع للعقوبات سابقا على القوائم، وهي مؤسسات معنية بالأساس بتسهيل توزيع الغذاء والدواء واستيراد الأدوية".
وتقول روزنبرغ "يتضرر بالأساس المواطنون الإيرانيون، أولا عن طريق أثر العقوبات المباشر على الاقتصاد ككل، وثانيا عن طريق شبكات التهريب التي ترفع الأسعار وتخلق نقصا في الدواء وغيره من سلع حيوية.
وتضيف في غضون ذلك، تسببت طبيعة المجالات الاقتصادية المصطنعة التي خلقتها العقوبات في تفاقم الفساد إلى مستويات غير مسبوقة، ومكنت شبكات التهريب من أن تجني أرباحا ضخمة على حساب المواطن الإيراني العادي. وعلى سبيل المثال، أدت لعبة المضاربة في سوق العملة الصعبة وطرح أكثر من قيمة رسمية لشراء الدولار إلى نقص في مخزون الإنسولين عام 2020.
وبينت أن ثمة علاقة وثيقة بين الفساد والعقوبات، حيث تكشف دراسات كثيرة أجريت على بلدان خضعت سابقا للعقوبات، مثل العراق ويوغوسلافيا وهاييتي وإيران، أن العقوبات الدولية تعزز من اقتصادات الظل، وتحفز على الانخراط في المعاملات الفاسدة وتهريب السلع المحظورة. وقد أوردت "شبكة المبادرة العالمية" في تقرير لها عن اقتصاد الظل في إيران أن "العقوبات تمثل فرصة لجني عوائد هائلة بالنسبة لشبكات الجريمة وبعض المؤسسات الحكومية، وفي هذه الحالة تستخدم العوائد لتدعيم الاقتصاد، وضخ الأموال في شبكات المصالح، وكذلك دعم الشبكات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران في المنطقة". وعلى وجه التحديد، استفادت الشبكات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من نقص السلع الذي تسببت فيه العقوبات، حيث تسجل عمليات التهريب عبر الحدود الآن أرقاما أكبر بكثير من فترة ما قبل الاتفاق النووي، التي بلغت فيها قيمة عمليات التهريب حوالي 12 مليارات دولار سنويا فقط.
وقالت وضعت كل هذه الحقائق صناع القرار الأميركيين في موقف صعب، إذ إن العقوبات التي صمموها لاستهداف النظام الإيراني ما انفكت تفشل في إلحاق الضرر به، في حين يتضرر بالأساس المواطنون الإيرانيون، أولا عن طريق أثر العقوبات المباشر على الاقتصاد ككل، وثانيا عن طريق شبكات التهريب التي ترفع الأسعار وتخلق نقصا في الدواء وغيره من سلع حيوية.
وقالت في غضون ذلك، يعد رفع التجميد عن الأرصدة الإيرانية لتخفيف وطأة نقص الدواء طريقة أميركية ذكية للضغط على الحكومة الإيرانية، التي سيتعين عليها العمل بجدية لمعالجة الأزمة أو المخاطرة بإشعال غضب الإيرانيين، أضافة لذلك أن العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران تشمل استثناءات صريحة لأشكال التجارة الإنسانية، في تشريع العقوبات الذي يستهدف مبيعات النفط الإيراني.
وبموجب التشريع لا يفرض الرئيس الأميركي العقوبات على أي شخص يجري معاملة تجارية أو يسهلها من أجل شراء الغذاء أو الدواء أو المعدات الطبية لإيران، ومن ثم فإنه بموجب سياسة الكونغرس نفسه، يسمح لأرصدة إيران المجمدة بأن تنفق مقابل العمليات التجارية الإنسانية.
وكان بايدن صدق حين دفع إدارة ترامب يوما ما من موقعه في المعارضة كي تفتح قنوات التبادل التجاري الإنساني مع إيران أثناء جائحة كوفيد-19، حيث قال حينها إنه "مهما تكن خلافاتنا الكثيرة جدا مع الحكومة الإيرانية، فسيكون فتح باب المساعدات الإنسانية القرار الصائب والإنساني". وينطبق المنطق نفسه على مساعدة الإيرانيين اليوم في تأمين احتياجاتهم من الدواء في خضم أزمة النقص الحاد التي تضرب البلاد، أن تخفيف العقوبات على إيران هو السياسة الصائبة والإنسانية في الوقت الراهن.-(وكالات)