‏أعطوهم العالم‏

لن يعم السلام العالم إذا لم يتم التعلم من التاريخ - (المصدر)
لن يعم السلام العالم إذا لم يتم التعلم من التاريخ - (المصدر)

‏‏فانيسا فوكس*‏ - (كاونتربنش) 2024/7/31
إذا لم نعلِّم شبابنا الحقائق غير المقيدة حول التاريخ، والناس والكوكب، فإننا نعدّهم للفشل كصناع قرار في العالم الحديث. وربما نكون بصدد الحكم على كوكبنا بالدمار.

*   *   *
‏عندما كنت طفلة صغيرة، كنت أحظى بالطعام الصحي، ومياه الشرب النظيفة، والسكن الآمن، والوصول إلى التعليم والرعاية الطبية الكافية، والدعم المحب من العائلة والأصدقاء. ونتيجة لذلك، أصبحت مثالية، متفائلة دائمًا، محبة للناس، وحالمة. بدا العالم في ذلك الحين مكانًا سحريًا حيث كل شيء كان ممكنًا.‏

اضافة اعلان


‏في المدرسة العامة، أخفى أساتذتي عنا حقيقة العالم كما هي قائمة فعلًا، معززين بذلك نظرتي الوردية للعالم. وبينما ‏‏تعلمت حقًا‏‏ عن الحروب، وهو ما أقلق تفاؤلي، فقد تعلمت أن الحروب هي شر لا بد منه، وأن الخير ينتصر دائمًا على الشر. علمتُ، على سبيل المثال، أن مستعمري العالم الجديد قاتلوا "الأميركيين الأصليين السيئين" وأبعدوهم. ولم يخبرني أساتذتي بأن السكان الأصليين أهلكتهم الحكومات الاستعمارية التي ارتكبت في حقهم إبادة جماعية.‏


‏تعلمت أيضًا أن الحرب العالمية الثانية كانت حربًا خيِّرة وعادلة، وأن قوات الحلفاء، بما فيها الولايات المتحدة، دخلت الحرب العالمية الثانية لإنقاذ العالم من النازية وأدولف هتلر. وعلّمني أساتذتي أن أميركا هي بطلة العالم، التي تدافع عن الديمقراطية والحريات التي نتمتع بها اليوم. ولم يتم إخباري أبدًا بما يلي عن الحرب العالمية الثانية:‏


‏‏كتب غار سميث عن كتاب ديفيد سوانسون‏‏، "‏‏ترك الحرب العالمية الثانية وراء ظهورنا:‏‏ "كان الذي حرّض صعود هتلر هو بعض من أقوى الأعمال التجارية والشركات الأميركية. وقد تجاهلت الولايات المتحدة عروض اليابان المتكررة للاستسلام من أجل إظهار قوة أسلحتها النووية الجديدة". لم تعد الحروب تشن من أجل الأرض، كما يلاحظ سوانسون: "إنها تشن من أجل مبيعات الأسلحة، والوقود الأحفوري، وشهوات السلطة، وحقوق التفاخر".


‏في الواقع، كان هناك الكثير من التاريخ الذي ترتب عليّ أن أتعلمه في المنزل لأن مدرستي العامة رفضت تدريسه لنا بطريقة ذات معنى. وكان مما ضمه ذلك التاريخ أسباب صعود هتلر والنازية، وأهوال الهولوكوست، ووحشية تجارة الرقيق عبر طرفي المحيط الأطلسي، وتاريخ العبودية في أميركا، ونضالات "حركة الحقوق المدنية"، والعقبات التي واجهتها حركة الحق في الاقتراع، وتاريخ الشعوب الأصلية، وأكثر من ذلك بكثير. وقد تم تهميش كل هذه التواريخ في المدارس العامة؛ تم إبعادها إلى الجوانب فقط، أو حتى تجاهلها تمامًا. تم الكذب بشأنها.‏


‏هل تجري تغذية شباب اليوم بنفس الأكاذيب؟ لماذا؟ حتى يمكن أن يذهب الأولاد إلى اعتناق النزعات الوطنية المتعصبة بشكل أعمى؛ إلى التسجيل في الخدمة العسكرية الطوعية، وإرسال أولادهم إلى الحرب ليكونوا أبطالاً، ويكونوا مواطنين منتجين -وإنما جاهلين- يدفعون ضرائبهم؟‏


‏إذا لم نعلِّم شبابنا الحقائق غير المقيدة حول التاريخ، والناس والكوكب، فإننا نعدّهم للفشل كصناع قرار في العالم الحديث. وربما نكون بصدد الحكم على كوكبنا بالدمار. لن يعرف جيلنا الجديد ما إذا كان سيدعم ‏‏حروبًا جديدة يشنها (الناتو)‏‏، أو يصوت لصالح تعدين الوقود الأحفوري في المتنزهات الوطنية، أو يشتري من ‏‏الشركات الأميركية ذات الإرث الداعم للنازية‏‏، أو ينضم إلى الجيش "للدفاع عن الديمقراطية". لن يكونوا قادرين على التمييز بين الليبرالي والمستبد لأنهم لا يعرفون تاريخهم. وأنا أصدق تحذير جورج سانتايانا: "أولئك الذين لا يستطيعون تذكُّر الماضي محكوم عليهم بتكراره".‏


كيف يمكن لأطفالنا أن يجعلوا العالم مكانًا أكثر أمانًا للأجيال الجديدة إذا كانوا لا يعرفون تاريخهم؟ فقط عندما يعرفون الجوانب العديدة للحقيقة، سيمكنهم فعل شيء لشفاء العالم المكسور، وجعله مكانًا أكثر أمانًا ومحبة وسلمية وعدلًا حيث يمكن للجميع أن يزدهروا.

 

لقد حان الوقت للنهوض وتعليم أولادنا أصعب الحقائق وأكثرها قسوة. سوف تكون هذه أعظم هدية يمكن أن نقدمها لهم. امنحوهم الفرصة للتحرك بطريقة أكثر حكمة في العالم.


*فانيسا فوكس Vanessa Fox: متدربة في مجالة التنظيم مع منظمة "عالم ما بعد الحرب". كانت ناشطة في قضايا العدالة البشرية والحيوانية والبيئية لمدة 25 عامًا. وهي تسعى حاليًا إلى الحصول على درجة الماجستير في فن التغيير الاجتماعي، مع التركيز على إلغاء الحرب، في كلية ستار كينج للكهنوت. ‏


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Give Them the World

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

هل سيتوقف الأميركيون عن محاولة "إدارة العالم"؟‏