أفريقيا على مفترق الطرق

‏جنود فرنسيون من ‏‏فوج المشاة 126‏‏ وجنود ماليون، 17 آذار (مارس) 2016 - (أرشيفية)‏
‏جنود فرنسيون من ‏‏فوج المشاة 126‏‏ وجنود ماليون، 17 آذار (مارس) 2016 - (أرشيفية)‏

بوافينتورا مونجان – (فورين بوليسي إن فوكَس)

2023/9/7
يُنظر في الغرب إلى الانقلاب الأخير في النيجر على أنه نكسة للديمقراطية. لكن الواقع أكثر تعقيدا. يجب أن ننظر إلى الأحداث في منطقة الساحل في السياق الأوسع لأزمة الاقتصاد السياسي النيوليبرالي والاستخراجي في المنطقة.

اضافة اعلان

 

ما تزال الأجندة الإمبريالية تُطبق في أفريقيا من خلال تدخل القوى العالمية. كثيرًا ما تقوم الدول الغربية وغير الغربية والشركات عبر الوطنية بفرض اتفاقيات تجارية ضارة واتباع سياسات نيوليبرالية تقوض الاقتصادات المحلية وتزيد الاعتماد على الرأسمالية العالمية. وتقوض هذه الضغوط الاقتصادية استقلال الدول الأفريقية وتديم دورة الاعتماد على المساعدات الخارجية.
                         *   *   *
يجري ربط تراجع التطلعات الديمقراطية في النيجر -ومنطقة الساحل الأفريقي على نطاق أوسع- بشكل وثيق بالتأثير طويل الأمد لنظام "أفريقيا الفرنسية" (1) الاستغلالي. وتزيد المصالح الجيوسياسية والنزاعات بين "الغرب" وروسيا الأمور تعقيدا لتؤدي إلى وقوع أحداث مزعزعة للاستقرار مثل أزمة النيجر، حيث تمت الإطاحة بالرئيس محمد بازوم.


على الرغم من أن الانقلابات العسكرية تتعارض مع المبادئ الديمقراطية ولا ينبغي الترحيب بها، فإن الوضع في النيجر ينطوي على فروق دقيقة خاصة. كان ما حدث هناك عملاً عسكريًا يبدو أنه حظي بدعم شعبي واسع النطاق بسبب الرغبة في إنهاء العلاقة الضارة بين البلد وفرنسا، بطريقة تجعل الأمر يبدو وكأن العمل العسكري كان مدفوعًا بمخاوف مشروعة.

 

ويبدو أن هذه الصلة بين النيجر وفرنسا، خاصة عندما يتعلق باستغلال الموارد المعدنية، وخاصة اليورانيوم، هي المكمن الرئيسي للقلق. ويشير الدعم الواضح للعمل العسكري الذي أعربت عنه شريحة كبيرة من السكان النيجيريين إلى عدم الرضا واسع النطاق عن الوجود الفرنسي الذي يشكل تركيزه على الموارد الطبيعية، وخاصة اليورانيوم، ضرورة أساسية لاستقرار قطاع الطاقة في فرنسا.


يقترح البعض أن اندلاع الحرب في المنطقة أصبح وشيكا بسبب الأحداث في النيجر. وفي الحقيقة، أعربت فرنسا وبعض دول "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" المتحالفة مع الفرنسيين عن اهتمامها بالقيام بتدخل عسكري في البلاد، بذريعة استعادة النظام الديمقراطي وإعادة محمد بازوم إلى سدة السلطة. ومن ناحية أخرى، أبدت الحكومة العسكرية الحالية في النيجر وغيرها من البلدان التي شهدت مؤخرا انقلابات عسكرية مماثلة ضد

 

القادة المتعاطفين مع فرنسا، مثل مالي وبوركينا فاسو

 

، استعدادا للتدخل أيضا لمساعدة النيجر في الدفاع عن سلامة أراضيها من خلال معارضة أي محاولة للتدخل المسلح الأجنبي فيها.


وفي بيان أصدره الأمين العام لحزب العمال الجزائري، دان الحزب التهديدات بالتدخل العسكري الأجنبي في النيجر، وقال أمينه العام:


"نحن نعرف أن المخاطر الكامنة وراء رغبة إمبريالية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التدخل عسكرياً في النيجر لا علاقة لها بالشرعية الدستورية بأكثر مما يتم استخدام الديمقراطية وحقوق الإنسان لتبرير التدخلات العسكرية الإجرامية في ليبيا والعراق وأفغانستان واليمن وما إلى ذلك.

 

بالنسبة لإمبريالية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يقتصر الأمر على ضمان استمرار نهب ثروات النيجر، في حين يُحرم الشعب النيجري من الشروط المعيشية الأساسية ويغرق في الفقر المدقع. ويتعلق الأمر أيضًا بفرض الإبقاء على وجود عسكري أجنبي متعدد الجنسيات في النيجر".


ولا تقل عن ذلك إثارة للاهتمام تلك الاعتبارات المتعلقة بالتدخل المحتمل لـ"مجموعة فاغنر"، الشركة العسكرية الخاصة التي تدعمها الدولة الروسية، دفاعاً عن نظام الانقلاب وضد النفوذ الفرنسي، على الرغم من أن هذا لم يعد مرجحا الآن نظراً لوفاة زعيمها، يفغيني بريغوزين.

 

ويشكل احتمال اندلاع صراع في المنطقة، والذي سيشمل أكثر من اثنتي عشرة دولة، سبباً إضافيًا للقلق. وسوف يبدو مثل هذا التطور في صالح للإمبريالية الغربية، حيث يُظهر التاريخ أن استغلال الموارد في القارة الأفريقية يزدهر عادة في السياقات الحربية.


انتفاضة شباب الساحل


تعكس انتفاضة الشباب في هذه المنطقة، والتي تدعم على ما يبدو أنظمة ما بعد الانقلاب، جيلا لم يعد مستعداً للقبول بالوضع الراهن، ويسعى إلى تحدي الأنظمة الفاسدة والمطالبة بمحاسبة قادتها. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الاتصال الرقمية دورًا حاسمًا في تعبئة وتحفيز الناشطين الشباب عبر الحدود، وتعزيز الشعور بالتضامن والعمل الجماعي.


الآن يجتمع شباب منطقة الساحل لإسماع أصواتهم، ويطالبون بالحكم الشامل، والمؤسسات الشفافة، ووضع حد للفساد، ووقف نفوذ فرنسا وتدخلها في شؤونهم الداخلية ونهب موارد بلادهم المعدنية.

 

وفي النيجر، شارك الشباب في احتجاجات مطولة خارج السفارة الفرنسية في نيامي، والتي بلغت ذروتها في نهاية المطاف في "احتلال" وتدمير مباني السفارة.


تشكل انتفاضة الشباب في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل شهادة حية على قوة العمل الجماعي والإيمان بأن مستقبل المنطقة يكمن في أيدي سكانها الشباب. وبينما يستمر النضال، فإنه يظل لحظة حاسمة في تاريخ المنطقة، ويفتح الطريق نحو مجتمع أكثر ديمقراطية وشمولاً وعدلاً.


ومع ذلك، ثمة مخاوف من أنه إذا لم يكن هؤلاء الشباب ذوو توجهات أيديولوجية إيجابية، فإنهم يمكن أن يوفروا أرضًا خصبة للحركات والجماعات اليمينية المتطرفة -أو حتى الميول الجهادية.

 

ولذلك، فإن الحركات الاجتماعية والمجموعات التقدمية الأخرى مدعوة بشكل عاجل إلى لعب دور مركزي في رفع الوعي السياسي لهؤلاء الشباب بالسرعة الواجبة، وبالتالي تحفيزهم على تبني أجندة تقدمية.


النيوليبرالية والاستخراجية


يجب أن ننظر إلى الأحداث في منطقة الساحل في السياق الأوسع لأزمة الاقتصاد السياسي النيوليبرالي (3) والاستخراجي في المنطقة.


الآن، يستمر تنفيذ الأجندة الإمبريالية في أفريقيا من خلال تدخل القوى العالمية. كثيرًا ما تقوم الدول الغربية وغير الغربية والشركات عبر الوطنية بفرض اتفاقيات تجارية ضارة واتباع سياسات نيوليبرالية تقوض الاقتصادات المحلية وتزيد الاعتماد على الرأسمالية العالمية. وتقوض هذه الضغوط الاقتصادية استقلال الدول الأفريقية وتديم دورة الاعتماد على المساعدات الخارجية.


إن استمرار النزعة الاستخراجية باعتبارها نموذج التنمية السائد في القارة هو شأن لا لبس فيه. ويؤدي هذا النموذج، الذي تسيطر عليه وتشرف عليه الشركات عبر الوطنية متعددة الجنسيات، إلى استغلال الموارد المعدنية الوفيرة، وبالتالي مراكمة رأس المال العالمي لديها على حساب المجتمعات المحلية في الأطراف.


يتجلى هذا النموذج في الجنوب الأفريقي (والجنوب العالمي بشكل عام)، في إدامة الاعتماد على تصدير السلع الأساسية، بما في ذلك المحاصيل الجالبة للنقود والمعادن، على حساب الإنتاج لتلبية احتياجات الناس والبيئة في المنطقة.

 

وكثيراً ما تستفيد الشركات عبر الوطنية من دعم اتفاقيات التجارة والطاقة التي توفر لها درجة من الحصانة وتسمح لها بالانخراط في مختلف العلل الاقتصادية، بما في ذلك التدفقات المالية غير المشروعة، والتهرب من دفع الأجور، وغير ذلك من الممارسات الضارة.

 

وتوفر هذه الاتفاقيات للشركات عبر الوطنية الظروف المواتية التي تسمح لها بالتحايل على الأنظمة الوطنية والعمل بأقل قدر من المساءلة. ويخلق الإلغاء المفاجئ للظروف التي تساعد الشركات على ممارسة السلطة والتمتع بالحصانة بيئة قد تتنتج حالة من عدم الاستقرار، والصراع، بل وحتى الحرائق.


ولا يمكن فصل التطورات السياسية الأخيرة، وخاصة صعود الحكومات الشعبوية، والاستبدادية والديمقراطية، عن أزمة النيوليبرالية والاستخراجية. وقد ظهرت بعض هذه الأنظمة بالتعاون مع القوى الغربية والرأسمالية العالمية أو تحت تأثيرها.

 

وتستغل أنظمة أخرى مظالم الناس وسخطهم على فشل النموذج المهيمن والتدخل الغربي للإطاحة بالنخب الحاكمة وتنصيب أنفسها مكانها في السلطة. وعلى الرغم من ادعاءاتها بتمكين الطبقات الرأسمالية المحلية، فإن التاريخ يظهر أن المطاف ينتهي بهذه النخب المضادة نفسها وقد أصبحت متواطئة مع رأس المال العالمي. ويؤدي هذا بدوره إلى تفاقم عدم المساواة ويعيق التقدم الحقيقي وتقرير المصير الاقتصادي للدول الأفريقية.


الصراع الروسي-الأوكراني


في الآونة الأخيرة، أصبحت أفريقيا ساحة للمناورات الدبلوماسية الخطيرة التي تأتي مع تداعيات اقتصادية ناجمة عن الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا. وقد أدى اعتماد أفريقيا على واردات القمح والنفط الخام من أوكرانيا وروسيا إلى زيادة ملحوظة في أسعار هذه المنتجات الأساسية.

 

وأدت العقوبات المفروضة على موانئ البحر الأسود إلى تعطيل قنوات التصدير، مما تسبب في نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار في الأسواق الأفريقية. وتشكل هذه الضغوط الاقتصادية جانبًا حاسمًا من الصراع المستمر وتؤكد على أهمية فهم تداعياتها على مستوى عالمي.


يحاول ممثلون من روسيا وأوكرانيا بنشاط التأثير على الرأي العام والتأثير على الحكم في أفريقيا. وقد صادف كلا البلدين درجات متفاوتة من النجاح. لم يسفر انخراط أوكرانيا مع الاتحاد الأفريقي عن نتائج مهمة، في حين بذلت روسيا جهودًا دبلوماسية واسعة النطاق، تمثلت في الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية والتعاون الدولي الروسي وعقد القمة الروسية-الأفريقية التي حضرتها العديد من الدول الأفريقية في سانت بطرسبرغ الشهر الماضي. وهو ما اعتبره البعض بمثابة تأييد أفريقي ضمني لحرب بوتين. ويعتقد البعض أن القمة كانت "نجاحاً دبلوماسياً ملحوظاً" لروسيا.


يُعزى تردد الدول الأفريقية في إدانة الغزو الروسي في الأمم المتحدة جزئياً إلى التقارب التاريخي. فما يزال صدى إرث الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفياتي، لوجستيًا وسياسيًا، خلال حقبة نضالات تحرير الجنوب ضد الاستعمار والفصل العنصري في جنوب إفريقيا، يتردد لدى بعض الدول الإفريقية. وتستمر هذه الصلة التاريخية في التأثير على موقف أفريقيا من الصراعات الدولية الحالية. وثمة نقطة أخرى تصب في صالح روسيا وتجعلها مفضلة، هي أن روسيا، على النقيض من بعض القوى الغربية (أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي)، تقول لأفريقيا أنها لم تستعمر القارة الأفريقية ولم تستغلها (حتى الآن؟).


وجدت أفريقيا نفسها في مركز العواقب الدبلوماسية والاقتصادية للصراع بين روسيا وأوكرانيا. وقد أصبح الدعم الذي كان يقدمه الاتحاد السوفياتي ذات يوم الآن شيئاً من الماضي، وتطور المشهد الجيوسياسي إلى حد كبير.

 

وكان التحالف بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، الذي جعلهما متحالفين مع أوروبا والولايات المتحدة، سبباً في تحويل ديناميات العلاقات الأفريقية الروسية. وقد تحتاج الدول الأفريقية إلى إعادة ضبط لانتماءاتها التاريخية واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على الحقائق الجيوسياسية الحالية.


القوى الغربية في مواجهة الصين في أفريقيا


ينبغي أن يتم بطريقة نقدية فحص الادعاء بأن الصين هي القوة الإمبريالية الجديدة في أفريقيا، والتي تتجاوز الانخراط التاريخي لأوروبا والولايات المتحدة هناك. فعلى الرغم من أن الصين توغلت بنشاط في عمق القارة الأفريقية للقيام بالأعمال التجارية، والتعاون، وتقديم قروض جذابة، فإن مقارنة وجودها بوجود فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال والولايات المتحدة ستكون شأنًا مفرطًا في التبسيط.


أولاً، إن المشاركة الاقتصادية للصين في أفريقيا، على الرغم من أهميتها، تتضاءل مقارنة بالنفوذ طويل الأمد للقوى الغربية في القارة. وتظهر الأرقام أن الاستيلاء على الأراضي والعقيدة الاستخراجية يمارَسان على نطاق أوسع من قبل الدول الغربية التي استغلت الموارد الأفريقية تاريخيًا لصالحها.


علاوة على ذلك، فرضت القوى الغربية شروطًا صارمة على القروض والمساعدات الاقتصادية التي تُمنح لأفريقيا، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى إدامة دورة من التبعية والسيطرة.

 

وفي المقابل، فإن قروض الصين، على الرغم من الانتقاد الذي تتعرض له في كثير من الأحيان بسبب تكاليفها المرتفعة، لا تأتي مع نفس المستوى من التدخل السياسي والشروط التي تأتي مع القروض الغربية.


وبالإضافة إلى ذلك، يُظهر الوجود العسكري لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة في أفريقيا، إلى جانب نزاعاتها حول النفوذ والمساعدات العسكرية، أن هذه القوى ما تزال منخرطة بشكل كبير في شؤون القارة. وتشكل مجموعة "فاغنر" الروسية والقواعد العسكرية وقواعد الطائرات من دون طيار الأميركية أمثلة على استمرار مصالحها العسكرية في أفريقيا.


على النقيض من ذلك، يتميز النهج الذي تتبناه الصين بتركيزه على الأعمال والتنمية الاقتصادية بدلاً من التدخل في السياسة المحلية. وقد سمح هذا للصين بإعطاء الأولوية للتعاون الاقتصادي ومشاريع البنية التحتية مثل "مبادرة الحزام والطريق"، وبناء المطارات والجسور، وغيرها من مظاهر التقدم الرئيسية.


على الرغم من أن تواجد الصين في أفريقيا جدير بالملاحظة وينبغي مراقبته بعناية، فإن وصف الصين بالقوة الإمبريالية الجديدة لا يعكس مدى تعقيد ما يحدث. ما يزال للقوى الغربية انخراط كبير في أفريقيا، وغالبًا ما يكون هذا الانخراط مصحوبًا بعواقب أكثر ضررًا. ويمكن أن يؤدي الاعتراف بهذه الفروق الدقيقة إلى إجراء مناقشة أكثر استنارة حول الديناميات الاقتصادية والسياسية التي ستشكل مستقبل القارة الأفريقية.
التمرد والأصولية "الإسلاميين"


قام التمرد الإسلامي، الذي كان قد أسس معقله في الأصل في غرب أفريقيا، بتوسيع وجوده الآن إلى الجنوب الأفريقي، مع تأثر شمال موزمبيق بهذا الصراع العنيف منذ العام 2017. وعلى الرغم من الاختلافات في الدوافع، يمكن تحديد خيطين مشتركين: الصراعات على الموارد؛ والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين من الفرص الاقتصادية والسياسية.


في موزمبيق، يبدو أن السبب الجذري لحركات التمرد هذه يكمن في الإحباط والتهميش الذي يعاني منه الشباب المحرومون من المشاركة الاقتصادية والسياسية الهادفة. ويدفع اليأس الناتج البعض إلى اعتناق الأيديولوجيات المتطرفة والعنف كوسيلة للحصول على الاعتراف والتغيير.


مع تصاعد هذه الصراعات، أصبح التدخل الأجنبي، وخاصة بقيادة القوات الغربية، وفرنسا بشكل أكثر خصوصية، بمثابة رد فعل مشترك. وفي حالة موزمبيق، فإن وجود القوات الروسية، ومجموعة التنمية لجنوب أفريقيا (SADC)، والقوات الرواندية في البلاد يزيد من تعقيد الوضع.

 

وغالباً ما تتولى هذه القوات الأجنبية دوراً قيادياً باسم محاربة الجهاديين والإرهاب. وعلى الرغم من أن نشر القوات الأجنبية قد يعالج التهديدات الأمنية المباشرة، إلا أنه يثير أيضًا مخاوف من احتمال تأثير المصالح الأجنبية على الشؤون المحلية.

 

ويمكن أن يؤدي استبدال الجيوش المحلية بقوات خارجية -عن غير قصد- إلى تفاقم التوترات القائمة وتكريس الاعتمادية على المساعدات والدعم العسكري الأجنبي.


تتطلب معالجة الأسباب الجذرية لحركات التمرد المذكورة اتباع نهج شامل يركز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتمكين الشباب، والمشاركة السياسية. ومن خلال توفير الفرص للإدماج الاقتصادي والمشاركة الهادفة في الحكم، يمكن الحد من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة، وبالتالي تقليص المساحة المتاحة للعنف والصراع.


وضع أجندة لعموم أفريقيا بقيادة الشعوب


وسط هذه التحديات، تحتاج القارة إلى مشروع شعبي أفريقي جامع لتوحيد الحركات الاجتماعية والمثقفين التقدميين. ويهدف مثل هذا المشروع إلى مقاومة المشاريع الإمبريالية والنيوليبرالية، ومواجهة الحكم المناهض للديمقراطية والفقراء.


سيكون التعاون بين المصالح المتنوعة للعمال ضروريًا لتشكيل تحالفات من أجل التنمية المستدامة وحماية السيادة. وسوف تسعى أجندة شعبية وتقدمية جامعة لعموم أفريقيا إلى تحقيق الوحدة والتضامن وتقرير المصير الاقتصادي لجميع الأفارقة.

وسوف تعالج المظالم التاريخية، والفوارق الاقتصادية، والتحديات السياسية في حين تتصور أفريقيا موحدة ومزدهرة. وتشمل العناصر الرئيسية القضاء على الفقر وعدم المساواة، وضمان التوزيع العادل للموارد، وخاصة الأراضي والأصول الإنتاجية، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية، والإسكان.


على الصعيد السياسي، يجب أن تدعو الأجندة إلى قيادة مسؤولة وإلى مشاركة المواطنين بعد الانتخابات. ويجب أن تعزز التكامل الإقليمي وحرية الحركة الحقيقية.

 

ومن الناحية البيئية، يتعين عليها أن تعطي الأولوية للزراعة المستدامة، والتصنيع الصديق للبيئة، ووسائل الإنتاج المملوكة للشعب.
إن تمكين الشباب من خلال التعليم وخلق فرص العمل هو شأن بالغ الأهمية. ومعالجة الديون الخارجية وتعزيز السيادة الاقتصادية من أولويات السيطرة على الموارد والسياسات. ويؤكد التضامن العالمي مع الحركات التقدمية والمثقفين على الترابط بين التحرر الأفريقي والنضال من أجل العدالة العالمية.


في الجوهر، ينبغي أن تكون أجندة تحركها القاعدة الشعبية للوحدة الأفريقية متجذرة بطريقة لا تنفصم في مناهضة الإمبريالية ومعاداة الاستعمار، بينما تتبنى وتحتضن في الوقت نفسه منظورًا نسويًا حقيقيًا وقويًا.


*بوافينتورا مونجان Boaventura Monjane: زميل ما بعد الدكتوراه في معهد دراسات الفقر والأرض والدراسات الزراعية (جامعة ويسترن كيب). وهو أيضًا عضو في مجلس إدارة "التركيز على الجنوب العالمي".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Africa at the Crossroads

هوامش المترجم:
(1) ‏في ‏‏العلاقات الدولية‏‏، "أفريقيا الفرنسية"‏‏ Françafrique: تعني ‏‏مجال نفوذ‏‏ فرنسا (أو ‏‏pré carré‏‏ بالفرنسية، التي تعني "الفناء الخلفي") على المستعمرات ‏‏الفرنسية‏‏ السابقة ‏‏والبلجيكية‏‏ (الناطقة بالفرنسية أيضًا) في ‏‏أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى‏‏.‏‏ استخدم التعبير ‏‏France-Afrique‏‏ أول مرة رئيس ‏‏ساحل العاج‏‏، ‏‏فيليكس هوفويه-بوانيي‏‏، في العام 1955 لوصف علاقات بلاده الوثيقة مع فرنسا. وفي وقت لاحق، وبشكل ازدرائي، أعاد ‏‏فرانسوا كزافييه فيرشيف‏‏ استخدام مصطلح "فرانس أفريك"‏‏ في العام 1998 لانتقاد الأنشطة الفاسدة والسرية المزعومة التي تمارسها مختلف الشبكات السياسية والاقتصادية والعسكرية الفرنسية-الأفريقية، والتي تعرف أيضا باسم ‏‏الاستعمارية الفرنسية الجديدة‏‏.‏‏


‏(2) الاستخراجية Extractivism:‏‏ هي استخراج ‏‏الموارد الطبيعية‏‏ للتصدير بشكل خاص مع الحد الأدنى من المعالجة. ‏‏ويشيع هذا النموذج الاقتصادي في جميع أنحاء ‏‏الجنوب العالمي‏‏ ومنطقة ‏‏القطب الشمالي‏‏. صيغ مفهوم extractivismo باللغة البرتغالية في العام 1996 لوصف الاستغلال الهادف إلى الربح لموارد الغابات في ‏‏البرازيل‏‏.‏


‏تشارك العديد من الجهات الفاعلة في عملية الاستخراج. وتشمل هذه الجهات أساسًا ‏‏الشركات عبر الوطنية‏‏ بوصفها الجهات الفاعلة الرئيسية، ولكنها لا تقتصر عليها حيث تشمل أيضًا الحكومة وبعض أفراد المجتمع المحلي (الاقتصاديين أساسًا).

 

وقد أظهرت الأحداث أن البلدان لا تستخرج مواردها الخاصة في كثير من الأحيان؛ وغالبًا ما تقومب الاستخراج جهات خارجية.‏‏ وساهمت هذه التفاعلات في تجذير الاستخراجية في النظام المهيمن للرأسمالية العالمية. وهي ممارسة مثيرة للجدل لأنها موجودة عند التقاطع الذي يلتقي فيه النمو الاقتصادي وحماية البيئة. ويعرف هذا التقاطع باسم ‏‏الاقتصاد الأخضر‏‏.

 

وقد تطورت النزعة الاستخراجية في أعقاب التحولات الاقتصادية ‏‏النيوليبرالية لتصبح سبيلاً محتملاً للتنمية.
(2) النيوليبرالية neoliberalism: هي فكر آيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية التي شكلت المكوّن الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية، الذي تمثل في تأييد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.

 

ويشير تعبير "النيوليبرالية" إلى تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع. وتسعى النيوليبرالية إلى تحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص بدعوى أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلد المعنيّ.

 

ويرمز التعبير عادة إلى السياسات الرأسمالية المطلقة وتأييد اقتصاد عدم التدخل وتقليص القطاع العام إلى أدنى حد والسماح بأقصى حرية في السوق، ويستخدمه بعض اليساريين كتعبير ازدرائي لما قد يعتبره بعضهم خطة لنشر الرأسمالية الأميركية في العالم. ومن جهة أخرى يعتبر بعض المحافظين والليبرتاريين هذا التعبير خاصًا باليساريين الذين يستخدمونه لتشويه فكرة السوق الحرة.

 

اقرأ المزيد في ترجمات