إيلاي كليفتون* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 12/12/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
توفي مؤخراً أكبر مانح مفرد لدونالد ترامب والحزب الجمهوري، شيلدون أديلسون، عن عمر ناهز 87 عامًا ليل الاثنين 11/12/2020، وفقًا لبيان صدر عن "لاس فيغاس ساندز"، شركة الكازينوهات التي بناها. وفي حين أن أديلسون مرتبط بشكل كبير بالكازينوهات الفخمة المبهرجة التي يمتلكها، أولاً في لاس فيغاس ولاحقًا في ماكاو وسنغافورة، فإن تأثيره الدائم على السياسة الخارجية للولايات المتحدة -لا سيما العلاقات الأميركية مع كل من إسرائيل وإيران والصين- وصعود رموز اليمن المتطرف مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، يضع أديلسون كواحد من أكثر المانحين السياسيين نفوذاً وتأثيرًا في تاريخ الولايات المتحدة.
بنى أديلسون، وهو ابن سائق سيارة أجرة في بوسطن، إمبراطورية كازينوهات عالمية في أكثر من مكان على سطح الكوكب. وكانت قيمة حصته من هذا العمل تبلغ 34.9 مليار دولار في وقت وفاته، وهي ثروة وظفها أديلسون والمستفيدون السياسيون من أعطياته لخدمة أولوياته المعلنة التي كرس نفسه لها، والمتمثلة في كسب النفوذ على السياسيين وتوجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو الحرب مع إيران والدعم غير المشروط لإسرائيل.
نادرًا ما ناقشت التغطيات الإعلامية لأديلسون دوافعه السياسية، حتى بينما كانت تشير إلى دوره الهائل في المساهمة في انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وقد أسهم هو وأرملته، ميريام، بأكثر من 100 مليون دولار في تجمعات وعشاءات التبرعات وجمع الأموال لتمويل الحملات السياسية ودعم ترامب في العامين 2016 و2020، وفي دورة انتخابات 2020 وحدها، أنفق أديلسون حوالي 250 مليون دولار في شكل شيكات لدعم ترامب والمرشحين الجمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ. لكن أديلسون كان مطلق نار صريحا، لم يكن ينطوي على أي قلق بشأن الإفصاح عن دوافع تبرعه السياسي أو القضايا التي تحتل موقع الأولوية في ذهنه.
في العام 2013، اقترح أديلسون أن يقوم باراك أوباما، الذي كان رئيس الولايات المتحدة آنذاك، بإلغاء المفاوضات النووية مع إيران، وأن يقوم بدلاً من ذلك بإطلاق سلاح نووي على "وسط الصحراء (الإيرانية)". وقال أديلسون إن تلك الضربة النووية يجب أن يتبعها هجوم نووي على طهران؛ المدينة التي يبلغ عدد سكانها 8.6 مليون نسمة، إذا لم تتخل إيران عن برنامجها النووي.
وفي العام 2008، نقلت مجلة "نيويوركر" عن أديلسون قوله: "لا يهمني حقًا ما يحدث لإيران. أنا أدعم إسرائيل". وأوضح أديلسون، الذي تحمل أرملته جنسية مزدوجة، أميركية وإسرائيلية، وتواصل ممارسة الطب في إسرائيل، الدور المركزي الذي تحتله إسرائيل في عمله الخيري، و"في قلبنا"، حين قال في مناسبة في العام 2010 أن "الزي الذي ارتديته في الجيش لم يكن، لسوء الحظ، زي الجيش الإسرائيلي. كان زي الجيش الأميركي". وفي العام 2017، قال: "أنا شخص ذو قضية واحدة. وهذه القضية هي إسرائيل".
وقد ردد المستفيدون السياسيون من أعطياته، في الخطاب والممارسة، صدى منحه الأولوية لإسرائيل. وعلى سبيل المثال، قال نيوت غينغريتش، الذي كان يخوض في ذلك الحين الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري في العام 2012، لتيد كوبيل من قناة "إن. بي. سي." إن أديلسون دعم حملته لأنه "يعلم أنني مؤيد جدًا لإسرائيل. هذه هي القيمة المركزية لحياته".
وبعد ذلك، وضع الرئيس جورج دبليو بوش، وفقًا لحكاية كررها أديلسون ونقلتها مجلة "نيويوركر" في العام 2008، ذراعيه حول شيلدون ومريام أديلسون، وقال لمريام، "أخبري رئيس وزرائك أنني بحاجة إلى معرفة ما هو الصواب من أجل شعبكم -لأن هذا في نهاية المطاف سيكون سياستي، وليس سياسة (وزيرة الخارجية) كوندوليزا رايس".
كانت آراء أديلسون حول الشرق الأوسط وتوتراته العرقية والدينية فجة، لكنه امتلك آذان الرؤساء والعديد من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ الذين مول حملاتهم من خلال المساهمات المباشرة أو حفلات عشاء جمع الأموال الضخمة لقيادة مجلسي النواب والشيوخ، والتي وزعت أموال الحملات الانتخابية على المرشحين الجمهوريين في جميع أنحاء البلاد.
أيد أديلسون وجهة النظر القائلة إن الفلسطينيين شعب "مخترع"، وقال "لا يوجد فلسطيني على قيد الحياة لم تتم تربيته على نهج الكراهية والعداء تجاه اليهود"، كما اعتنق الادعاء الذي لا أساس له من الصحة في الواقع، القائل إنه "ليس كل الإسلاميين إرهابيون، لكن كل الإرهابيين إسلاميون".
وفيما يتعلق بالصين، ورد أن أديلسون سعى إلى الحصول على رضا القيادة الصينية، وساعد على تأمين ترخيص الكازينو الأول من شبكته في ماكاو عن طريق إقناع النائب توم ديلاي (جمهوري من تكساس)، الذي كان حينها زعيم الأغلبية في مجلس النواب، بإرجاء تمرير قرار مشترك من الحزبين في العام 2001، والذي دعا الولايات المتحدة إلى معارضة مساعي بكين لاستضافة الألعاب الأولمبية بسبب سجل الصين الإشكالي في مجال حقوق الإنسان.
كما عمل أيضاً على المزيد من تعميق علاقاته مع بكين في العام 2015 عندما قامت شركته، "ساندز"، بتعيين ويلفريد وونغ، العضو السابق في "المؤتمر الشعبي الوطني"، ليكون الرئيس التنفيذي الجديد ورئيس شركة "ساندز تشاينا"، التي سيستحق موعد تجديد ترخيص عملها في ألعاب القمار في ماكاو في العام 2022.
وقال أديلسون: "يتمتع ويلفريد بمزيج فريد من الخبرة في القطاعين الخاص والعام، والذي نعتقد أنه لا يقدر بثمن بالنسبة للشركة في هذه المرحلة من تاريخنا".
علق على نفوذ أديلسون على صانعي السياسة المرشح آنذاك، دونالد ترامب، في العام 2015، فقال على "تويتر" إن أديلسون سوف "يمنح دولارات كبيرة لـ(السيناتور ماركو روبيو "الجمهوري من فلوريدا")، لأنه يشعر بأنه يستطيع تشكيله ليكون دميته الصغيرة المثالية".
لكنّ ترامب نفسها عندما اقترب كثيراً من ضمان الترشيح، سعى للحصول على تأييد أديلسون ودعمه المالي. وعلى الرغم من تاريخ ترامب المعروف في التعليقات والجمعيات والروابط المعادية للسامية، منح أديلسون تأييده لترامب، الذي غير بدوره مساره بسرعة في العديد من المواقف، حيث تعهد بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، واعتناق نهج أديلسون المؤيد لإسرائيل من دون قيد أو شرط في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وحتى مع تنامي الدعم الذي يتلقاه ترامب من اليمين المتطرف، وتشكيل الأدلة على تلقيه دعماً قوياً من النازيين الجدد والمعادين للسامية تحديات خلال رئاسة ترامب، ظل آل أديلسون من أشد المؤيدين لإدارته، حيث تولوا هم وضع العلامات على بنود قائمة السياسات التي يهتمون بها أكثر ما يكون: نبذ مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015 والشروع في حملة "الضغط الأقصى" على طهران؛ ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وخفض المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للاجئين الفلسطينيين؛ وتعيين جون بولتون -المفضل لدى أديلسون- مستشارًا للأمن القومي؛ والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان؛ والإذعان لبناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، من بين إجراءات أخرى كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى تحصيلها منذ فترة طويلة، وهو مستفيد رئيسي آخر من سخاء الزوجين أديلسون.
وقد أشاد الزوجان أديلسون بترامب، الذي منح ميريام أديلسون "وسام الحرية الرئاسي"، واستنكرا إحجام معظم اليهود الأميركيين عن دعمه. (77 في المائة من اليهود الأميركيين صوتوا لصالح بايدن في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، وفقًا لاستطلاع أجرته منظمة "جيه. ستريت").
وفي العام 2019، لجأت ميريام إلى صفحات صحيفة "لاس فيغاس ريفيو جورنال" المملوكة لعائلة أديلسون، للتعبير عن خيبة أملها من مواطنيها اليهود والثناء على ترامب، حيث كتبت:
"بالحقوق، يجب أن يتمتع ترامب بدعم كاسح بين يهود الولايات المتحدة، تمامًا كما يفعل بين الإسرائيليين. أما أن لا يكون هذا هو واقع الحال (حتى ذلك الحين، كانت انتخابات 2020 ما تزال تلوح في الأفق) فهو أمر غريب سوف يبحثه المؤرخون لفترة طويلة. لا شك أن علماء الكتاب المقدس سيلاحظون أبطال وحكماء وأنبياء العصور القديمة الذين رفضهم بالمِثل نفس الأشخاص الذين جاؤوا لينهضوا بهم".
"هل سيكون من الكثير الصلاة من أجل قدوم يوم يضم فيه الكتاب المقدس "كتاب ترامب"، مثل "كتاب إستير" الذي يحتفل بخلاص اليهود من فارس القديمة؟".
كان العمل السياسي الأخير لأديلسون هو نقل جوناثان بولارد -المحلل السابق في البحرية الأميركية الذي قضى 30 عامًا في السجن بعد إقراره بالذنب بالتجسس لصالح إسرائيل- إلى إسرائيل على متن واحدة من طائرات 737 الخاصة به بعد رفع الحظر عن سفر بولارد.
من غير المرجح أن تغير وفاة شيلدون اتجاه العمل الخيري للعائلة. فقد أظهرت ميريام أنها ملتزمة بالقضايا السياسية نفسها التي التزم بها زوجها. وفي الواقع، كانت قيمة تبرعاتها -التي غالبًا ما تكون مساهمات في شكل دولار مقابل دولار بالضبط، بالحجم نفسه، وتتكون من ستة إلى سبعة أرقام- بالتزامن مع تلك التي يقدمها زوجها. ويغلب أنها سترث وتدير معظم، إن لم يكن كل، ثروة العائلة البالغة قيمتها 34.9 مليار دولار.
وبالتالي، يمكن أن يُتوقع منها أيضًا المساعدة على الحفاظ على غرفة الصدى بالغة التشدد الموالية لحزب الليكود، والتي تضم، من بين مجموعات أخرى، "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، و"المجلس الإسرائيلي الأميركي"، و"متحدون ضد إيران نووية"، و"المنظمة الصهيونية الأميركية"، والتي شحنها وغذاها الزوجان بقوة خلال العقدين الماضيين. كما قدما عشرات الملايين من الدولارات إلى "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" على مر الأعوام، لكنهما سحبا دعمهما لها فجأة في العام 2007 بسبب دعمها لإقرار حزمة من المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين في الكونغرس.
كان أديلسون أيضًا لاعباً رئيسياً في "الائتلاف اليهودي الجمهوري"، وهو نادٍ مكون من الأثرياء المؤيدين لإسرائيل، بعد أن شغل منصب رئيسه لعدد من السنوات واستضافة اجتماعاته -التي أصبحت تُعرف باسم "أديلسون التمهيدية" لعدد من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين الذين حضروا على أمل الحصول على تأييد عائلة أديلسون وأموالها لحملاتهم- في فندق "فندق فينيسيا" في لاس فيغاس.
عرضَ الهجوم العنيف الذي شُن على مبنى الكابيتول في وقت سابق من كانون الثاني (يناير) الماضي، الذي غذته دعوات ترامب لمؤيديه "قاتلوا مثل الجحيم" لإلغاء نتائج الانتخابات، صورًا مقلقة لأحد مؤيدي ترامب وهو يرتدي قميصًا كتبت عليه عبارة "معسكر أوشفيتز" أمام مبنى الكابيتول، إضافة إلى مجموعة من رموز القومية البيضاء على الأعلام والقمصان، والتي دفعت عدداً قليلاً فقط من كبار كبار مؤيدي ترامب -ستيفن شوارزمان ورونالد لودر- إلى إدانة العنف.
ولم يصدر عن عائلة أديلسون أي بيان.
*Eli Clifton: هو مدير الأبحاث في برنامج دمقرطة السياسة الخارجية التابع لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، وصحفي استقصائي يركز على المال في السياسة والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Sheldon Adelson’s legacy of underwriting American militarism