سيمون تيسدال* - (الغارديان) 2024/7/31
أثار مقتل الزعيم السياسي لحماس التوترات مرة أخرى. فقط وقف إطلاق النار في غزة هو الذي يَعرض أي احتمال للسلام.
* * *
يكمن الفشل في وقف الحرب في غزة في قلب آخر عرض للوحشية القاتلة في الشرق الأوسط. سوف يتم في إسرائيل الاحتفال باغتيال الزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران، باعتباره انتقامًا عادلاً للفظائع التي ارتكبت في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
لكنّ المتشددين الإسلاميين في إيران والجماعات المسلحة في جميع أنحاء العالم العربي سيرون في ذلك دليلاً آخر على اعتقادهم بأن دولة إسرائيل تشكل تهديدًا يجب تدميره بأي ثمن.
وهكذا ستستمر دورة الكراهية، والعنف، والبؤس من دون رادع، ومن المرجح وفق كل الاحتمالات أن تزداد سوءًا وأن تنتشر. ولا تعني مجرد حقيقة أن دورة القتل هذه أصبحت مألوفة أنها لا يمكن أن تتسارع.
وقد نجت أجزاء قليلة من الشرق الأوسط- لبنان وسورية والعراق واليمن ومصر والأردن- من التداعيات السامة للصراع الجاري في غزة. وفي واشنطن العاصمة وبريطانيا، تعكَّر صفو السياسة الداخلية بمشاعر الغضب والحزن. ويتكشف عجز الأمم المتحدة على أساس يومي وبشكل مهين. لا أحد محصن ضد هذا السم.
ربما كان من الأفضل لو أن هنية، مثله مثل قادة حماس المتمركزين في غزة، واجه المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية - للمساءلة عن أفعاله. لم يحدث هذا ولم يعد يمكن أن يحدث الآن.
وبدلاً من ذلك، سعت إسرائيل مرة أخرى إلى تحقيق "العدالة" من خلال القتل خارج نطاق القضاء. وفي نيسان (إبريل) فقط، كانت غارة إسرائيلية سرية على القنصلية الإيرانية في دمشق قد أدت إلى مقتل جنرال كبير في الحرس الثوري الإسلامي ودفعت المنطقة إلى حافة حرب شاملة. وكانت هناك العديد من عمليات القتل المماثلة.
يجب إجبار الرجل المشرف على هذه الاغتيالات، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي والمهندس الرئيسي لحملة الإبادة الجماعية المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، على مواجهة المساءلة والمحاسبة عن جرائمه أيضًا. ويحاول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضمان أن يحدث ذلك، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة.
لكنَّ هناك القليل من الدلائل على أن المحكمة ستفعل. والأكثر احتمالاً، بالنظر إلى المثال الذي يضعه هو نفسه، هو أن يصبح نتنياهو هدفًا لمنفذي الاغتيالات.
سوف يساعد ما ذكرَته التقارير عن مقتل قائد كبير في حزب الله، فؤاد شكر، بالتزامن مع اغتيال هنية، في غارة جوية إسرائيلية شُنت يوم الاثنين في جنوب بيروت، على ضمان استمرار تسارع دوامة الدمار يوم الثلاثاء في الشرق الأوسط.
ومرة أخرى، كانت الحرب بين إسرائيل وحماس هي العامل الدافع وراء كل شيء. وجاء الهجوم الإسرائيلي ردًا على هجوم صاروخي مزعوم لحزب الله في مرتفعات الجولان المحتلة في نهاية الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل 12 صبيًا.
ومع ذلك، كان السبب الرئيسي وراء إطلاق حزب الله الصواريخ على الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الآن هو غزة. وكان زعيم المنظمة، حسن نصر الله، ملتزمًا نسبيًا بضبط النفس منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بالنظر إلى الموارد العسكرية الضخمة التي بين يديه.
ويقول نصر الله إن الهجمات عبر الحدود ستتوقَف عندما يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة. ويجعل قتل هنية، أحد كبار صناع القرار والمفاوضين في حماس، من هذا الوقف لإطلاق النار أقل احتمالاً الآن، في المدى القصير على الأقل. كما يشكل قتل شكر استفزازًا خطيرًا آخر.
وتجدر الإشارة أيضًا، وسط الرعب اليومي الساحق في كثير من الأحيان، إلى مقتل طفلين وإصابة 74 شخصًا في الغارة الجوية الإسرائيلية على بيروت، وفقًا لمسؤولين لبنانيين.
ولكن مرة أخرى، تقوم القوات الإسرائيلية بقتل أطفال غزة مع إفلات كامل من العقاب منذ شهور. وتقدر الأمم المتحدة العدد الإجمالي للأطفال الذين قتلتهم هناك بنحو 15.000 طفل. وبالكاد سيترك تسجيل وفاتين أخريين بينهم أثرًا (سوى للوالدين والعائلات).
وليس الأمر أن إسرائيل عمياء عن العواقب الأوسع للدور الذي تلعبه في هذه الحلقة المفرغة التي لا تنتهي. لكنها تقول أن اللوم يقع على كل أحد آخر. وقال متحدث عسكري هناك: "عدوان حزب الله المستمر وهجماته الوحشية تجر شعب لبنان والشرق الأوسط بأكمله إلى تصعيد أوسع. وبينما نفضل حل مسألة الأعمال العدائية من دون اندلاع حرب أوسع، فإن الجيش الإسرائيلي مستعد تمامًا لأي سيناريو".
الحرب الأوسع التي "تفضل" إسرائيل تجنبها هي في الواقع مستعرة مسبقًا. فقد قصفت إسرائيل بشكل متكرر ميناء الحديدة اليمني المطل على البحر الأحمر هذا الشهر بعد هجوم بطائرة من دون طيار شنه على تل أبيب المسلحون الحوثيون الشيعة المدعومون من طهران.
وتفاخر نتنياهو، الذي كان رده على كل مشكلة تقريبًا هو العنف الشديد، بأن القصف "يوضح لأعدائنا أنه لا يوجد مكان لن تصل إليه الذراع الطويلة لدولة إسرائيل". وبدا ذلك إلى حد كبير وكأنه إعلان حرب على المنطقة بأسرها. لكنها مع ذلك حرب لا يمكن لإسرائيل أن تربحها في نهاية المطاف.
مرة أخرى، يقول الحوثيون إن السبب الرئيسي وراء مهاجمتهم إسرائيل، وحركة الشحن في البحر الأحمر -الهجمات التي جرفت الولايات المتحدة وبريطانيا وجرتهما إلى القيام بعمل عسكري محفوف بالمخاطر- هو غزة. وإذا ما تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، كما يزعمون، فإن هجماتهم ستتوقف.
وهذا بالكاد موقف متطرف. إنه في نهاية المطاف نفس وقف إطلاق النار المطلوب في غزة، المدعوم، من الناحية النظرية، من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهو نفس وقف إطلاق النار الذي يطالب به ملايين الأشخاص الذين يحتجون في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة منذ شهور. وهو نفس وقف إطلاق النار الذي ما يزال -ما يزال- غير متحقق.
هل سترد إيران التي تعرضت للإهانة والإذلال مباشرة على مقتل هنية؟ هل سيصعّد حزب الله؟ هل ستغرق إسرائيل المنقسمة، التي شوهت سمعتها أكثر بسبب ممارسات التعذيب والاعتداء الجنسي المزعوم على المعتقلين الفلسطينيين، بشكل أعمق نحو التفكك الوطني بينما يقتحم المتعصبون اليمينيون المتطرفون، بدعم من وزراء نتنياهو، قواعد الجيش لتحرير المعتدين المزعومين؟ ممكن جدًا.
ليس ثمة نتيجة بعيدة عن الطاولة في منطقة حيث يتم حرق كتاب ما تسمى بقواعد اللعبة التي منعت حتى الآن اندلاع حريق مدمِّر، صفحة لعينة بعد صفحة.
يقول الناس إن الشرق الأوسط معقد. وهو كذلك حقًا. يقولون إنه لا توجد إجابات. قد يكون هذا صحيحًا. ولكن على الرغم من كل الصواريخ، فإن غزة ليست عِلم صواريخ. ليست المسألة بهذا التعقيد. أوقفوا الحرب. أوقفوا القتل. أنقذوا الأطفال. وافقوا على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. وعندئذٍ، سوف تصبح إدارة جميع المشاكل الأخرى، على الرغم من أنها لن تختفي، أسهل قليلاً.
*سيمون تيسدال Simon Tisdall: (من مواليد 1953) كاتب عمود في صحيفة "الغارديان" ومحرر مساعد في المطبوعة. من العام 1971 إلى العام 1974، درس التاريخ والسياسة والفلسفة في داونينج كوليدج، كامبريدج. انضم إلى صحيفة "الغارديان" في العام 1979. ومن العام 1989 إلى العام 1994، كان محرر الصحيفة في الولايات المتحدة ومراسل البيت الأبيض. من العام 1994 إلى العام 1998، كان محرر الشؤون الخارجية. وكان في الفترة من العام 1996 إلى العام 1998، محرر الشؤون الخارجية في صحيفة "الأوبزرفر".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel has all but declared war in the Middle East – a conflict it
cannot hope to win
اقرأ المزيد ترجمات:
هل فقد نتنياهو أخيرا الدعم في أميركا؟