اغتالت إسرائيل قائد حماس، إسماعيل هنية، والقيادي في حزب الله، فؤاد شكر. في ما يلي تحليل مقتضب من باحثي "كارنيغي" حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة.
* * *
ما الذي حدث؟
نفذت إسرائيل عمليتي اغتيال في 30-31 تموز (يوليو)، إحداهما في ضاحية بيروت الجنوبية بحق فؤاد شكر، القيادي البارز في حزب الله، وأخرى في طهران استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية. وأكدت مصادر إيرانية، وكذلك من حماس، على الفور مقتل هنية، فيما ظل الغموض يكتنف مصير شكر إلى حين صدور البيان الرسمي عن حزب الله بعد أكثر من 24 ساعة على الغارة التي شنتها طائرة مسيرة.
تزامنت هاتان العمليتان مع تصاعد وتيرة التوترات في المنطقة، عقب مقتل اثني عشر طفلاً ومراهقاً في هجوم صاروخي يوم 27 تموز (يوليو) على قرية مجدل شمس في الجولان المحتل.
وحملت إسرائيل حزب الله المسؤولية عن هذا القصف، لكن الحزب نفى ضلوعه فيه. وكان الرد الإسرائيلي على حزب الله متوقعاً، لكن اغتيال هنية شكل مفاجأة -لأنه حدث في طهران وزاد بشكل كبير احتمال امتداد رقعة الصراع الدائر في غزة لتشمل الشرق الأوسط الأوسع، على الرغم من إعلان إدارة بايدن عن رغبتها في تفادي ذلك. ويشي توعد إيران وحزب الله بالرد على الهجمات الإسرائيلية بخطر الانزلاق إلى وضع قد يخرج عن السيطرة.
أين تكمن أهمية المسألة؟
غالب الظن أن إيران وحلفاءها رأوا في ضربة إسرائيل المزدوجة تحدياً لنفوذ طهران وشبكاتها في الشرق الأوسط. واعتبروها أيضاً على الأرجح جزءاً من خطة منسقة مع الولايات المتحدة. فخلال ليل 30 تموز (يوليو)، وبعيد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شكر، قصفت الطائرات الأميركية قاعدة لكتائب "حزب الله" العراقي في محافظة بابل العراقية، ما أسفر عن مقتل عدد من أعضاء هذه الميليشيا الموالية لإيران.
وإذ ربط كل طرف أفعاله بأفعال الطرف الآخر -حيث إن إسرائيل قصفت الضاحية الجنوبية رداً على هجوم مجدل شمس، فيما استهدفت الولايات المتحدة كتائب حزب الله لمنعها، على حد قولها، من مهاجمة القوات الأميركية- نبدو مقبلين على مرحلة سيحاول خلالها كل طرف الحفاظ على قدرات الردع من خلال التصعيد في ردوده العسكرية على الأعمال العدوانية التي يشنها الطرف الآخر، ما يجعل احتواء الوضع مهمة شبه مستحيلة.
من اللافت خصوصا ما تبديه إسرائيل من قلة اكتراث بالدعوات الأميركية إلى تجنب اندلاع صراع إقليمي. وبما أن اغتيال شكر قد سبق بوقت قصير مقتل هنية، يبدو جليا أن بنيامين نتنياهو ربما يحاول جر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران، أسوة بما فعله الإسرائيليون في نيسان (أبريل) الماضي عندما اغتالوا قياديين من فيلق القدس في السفارة الإيرانية في دمشق.
وقد أشارت تقارير إخبارية في ذلك الحين إلى قلق الرئيس جو بايدن بشأن النوايا الإسرائيلية. وقد أفادت إدارته مرارا بأنها لا تريد خوض حرب مع إيران، لكن ما يراه معظم الناس راهنا هو حالة من الارتباك والبلبلة في البيت الأبيض، نظرا إلى أن بايدن واهن جسدياً وضعيف سياسياً مع قرب انتهاء ولايته، ونائبته كامالا هاريس غير قادرة على التعامل مع الوضع، وفريق الأمن القومي الخاص بالرئيس يتخبط بين دعم إسرائيل وعجزه عن وضع استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب في غزة.
ما التداعيات في المستقبل؟
إذا حصل المزيد من التصعيد من إيران وحلفائها من جهة، ومن إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، فإن احتمال اندلاع حرب إقليمية سيصبح حقيقة واقعة قريباً. وليس مؤكداً ما إذا كان نتنياهو سيتمكن من دفع الولايات المتحدة إلى صراع مع طهران، ولكن قد يكفي أن يكون لدى الإيرانيين مجرد انطباع بأن الأميركيين يميلون بشكل حاسم نحو إسرائيل ليصبح من الأصعب في المستقبل تخفيف حدة التوترات من خلال حوار بين واشنطن وطهران عبر القنوات الخلفية.
وبالفعل، قد تكون للإسرائيليين مصلحة في قطع هذه الاتصالات وسط الاعتقاد الراسخ لدى إسرائيل ومناصريها الأشداء في الولايات المتحدة بأن إدارة بايدن، على غرار إدارة أوباما سابقاً، تسعى إلى تقوية إيران في الشرق الأوسط على حساب إسرائيل.
ما يهم في المستقبل القريب هو ما إذا بالإمكان تجنب حدوث تصعيد عسكري إقليمي كبير. ولعل أكثر ما يدعو إلى القلق هو أن الإيرانيين قد يختارون تنسيق عمليات قصف متزامنة ضد إسرائيل من خلال حلفائهم الإقليميين، ما يمكن أن يلحق أضراراً بالغة ويدفع الولايات المتحدة إلى خوض المعركة إلى جانب إسرائيل. هذا السيناريو سيكون كارثياً، ولكنه السيناريو الذي يفضله نتنياهو.
لهذا السبب، سيكون من المرجح أكثر أن تتجنب إيران الفخ الإسرائيلي، وترد بطريقة مدروسة أكثر. فقد تفترض أنها تطوق إسرائيل أصلا بالصواريخ والمسيرات من خلال استراتيجية "وحدة الساحات"، التي تقوم على تنفيذ أعضاء محور المقاومة عمليات عسكرية مشتركة ضد إسرائيل. فلم تخسر هذه الأفضلية؟
لكن الأمر الذي سيكون ضرورياً للغاية هو تدخل إدارة بايدن على نحو أكثر حزماً لفرض وقف إطلاق النار في غزة. فقد أثبت الإسرائيليون، ونتنياهو على وجه التحديد، خفّتهم في اللف والدوران واستغلال تردد إدارة بايدن، لا سيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تلقى الأسبوع الفائت استقبالاً متملقاً من أغلبية أعضاء الكونغرس.
وسيجعله هذا الأمر أقل ميلاً للاستماع إلى إدارة أميركية توشك على الخروج من البيت الأبيض، بغض النظر عما إذا كانت هاريس ستفوز بالانتخابات الرئاسية. لكن خوض الحرب يتطلب قراراً من الطرفين، لذلك سيكون رد إيران أساسيا في سحب فتيل التفجير من المنطقة القابعة على برميل بارود.
*مايكل يونغ: مدير تحرير في "مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، ومحرر مدونة "ديوان" في كارنيغي المعنية بشؤون الشرق الأوسط. كان سابقا كاتبا ومحرر صفحة الرأي في صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية، وينشر راهنا مقالا أسبوعيا في كل من صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، وفي الموقع الإلكتروني "ناو ليبانون". وهو أيضا مؤلف كتاب "أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن نضال لبنان من أجل البقاء" The Ghosts of Martyrs Square: An Eyewitness Account of Lebanon’s Life Struggle، الذي أدرجته صحيفة "وول ستريت جورنال" ضمن قائمة الكتب العشرة الأبرز للعام 2010، وحاز الجائزة الفضية في مسابقة "جائزة الكتاب للعام 2010" التي نظمها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".
اقرأ المزيد في ترجمات:
"مصنع للاغتيالات الجماعية": داخل حملة القصف الإسرائيلي المرخص لغزة (3-3)