الاغتيالات الإسرائيلية لقادة "حماس" قد تشعل صراعا كارثيا

رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الذي اغتيل بعملية إسرائيلية استهدفته في طهران - (المصدر)
رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الذي اغتيل بعملية إسرائيلية استهدفته في طهران - (المصدر)

كثيراً ما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أنه سيضرب إيران لوقف طموحاتها الهادفة إلى امتلاك سلاح نووي.

 

اضافة اعلان

لكن اغتيال أحد زعماء "حماس" في طهران قد يدفع إيران إلى تسريع مسار تطوير قنبلة نووية. وقد يُظهر اغتيال قائد "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران براعة إسرائيل القتالية، لكنه يدفع الحركة، ومعها إيران و"حزب الله"، إلى تنفيذ عمليات انتقامية من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد خطير للتوترات في الشرق الأوسط.


*   *   *   
للوهلة الأولى، سيبدو أن قدرة إسرائيل على توجيه ضربة قاتلة إلى شخصية فلسطينية تعتبرها عدوها الرئيس، في قلب العاصمة الإيرانية، في منتصف الليل، تقدم دليلاً على إتقانها العمل في ساحة المعركة الحديثة. وكما حدث مع استهدافها للقائد العسكري المخضرم في "حزب الله"، فؤاد شكر، في بيروت قبلها بساعات، أظهر اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية في طهران أنه لا يوجد مكان للاختباء بالنسبة لأعداء إسرائيل.


لكن تاريخ إسرائيل الطويل في استهداف وتصفية قيادات الجماعات التي تمارس العنف ضدها، يشير إلى أن مثل هذه الاغتيالات قد تثبت في نهاية المطاف عدم فعاليتها في قمع الجماعات المتشددة والمتمردين، الذين تقف خلفهم قاعدة شعبية قوية.


لا شك في أن تحويل هنية إلى شهيد، من شأنه أن يرضي كثيراً من الإسرائيليين الذين ينظرون إليه باعتباره العقل المدبر وراء الهجوم المدمر الذي وقع في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والذي أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح بين الإسرائيليين، واختطاف رهائن جرى نقلهم إلى قطاع غزة.


لكن هذا الاستشهاد قد يضفي على قضيته الحازمة المزيد من الشرعية ووزناً أكبر. ففي وقت كان فيه هنية يقيم بأمان في دولة قطر بعيداً عن العنف الدائر في غزة، كان يمكن لإسرائيل أن تدعي أنه غير مبال بالكلفة البشرية التي ألحقتها استراتيجيته بالناس. أما الآن بعد رحيله، فقد أصبح من الصعب إقناع سكان غزة العاديين بالتشكيك في ولائهم له وأن يقال لهم: "لماذا تقاتلون من أجل شخص يعيش حياة ملياردير في الدوحة فيما أنتم تتضورون جوعاً هنا وتنزفون".


قد يفضي اغتيال زعيم "حماس" إلى شل عمل الحركة لفترة من الوقت، لكن إسماعيل هنية نفسه كان أحد أفراد مجموعة من القياديين، برزت بعدما قتلت إسرائيل مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين في آذار (مارس) من العام 2004.


حتى لو تم قبل الضربة الإسرائيلية التي استهدفت هنية افتراض أن حركة "حماس" في قطاع غزة كانت في حال احتضار وعلى وشك الانهيار -وهو أمر تدور حوله شكوك كبيرة- كانت مؤشرات واضحة قد شرعت في الظهور على احتمال اندلاع صراع أوسع نطاقاً، سواء كان ذلك في لبنان، حيث يتصاعد التوتر مع "حزب الله"، أو في العراق مع الميليشيات الشيعية هناك، أو في اليمن حيث يدأب الحوثيون على استهداف سفن الشحن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، وميناء إيلات في إسرائيل. وإذا دل هذا على شيء فهو أن الصراع في غزة ربما يكون مجرد المرحلة الأولى من صراع أكبر وأوسع نطاقاً في منطقة الشرق الأوسط.


في حين يعتقد بعض الإسرائيليين أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ربما يكون قد استعاد -من خلال القضاء على زعيم حركة "حماس"- بعضاً من الهيبة السياسية التي فقدها بسبب الإخفاقات الأمنية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بما يتيح له الآن التفاوض على وقف لإطلاق النار، فإن السلام يتطلب في الواقع موافقة الطرفين عليه. وبعد هذه التطورات الأخيرة، من المرجح أن تسعى حركة "حماس" إلى الانتقام، وسوف تنضم إليها في هذه المعركة إيران و"حزب الله" وغيرهما من الجماعات الموالية لطهران في العراق، وجماعة الحوثيين في اليمن -حتى أن قطر نعت دورها كوسيط بين الجانبين وقالت إنه انتهى باغتيال إسماعيل هنية.


من الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يقبل إطلاقاً فكرة التوصل مع الفلسطينيين إلى حل يقوم على إقامة دولتين. ويبدو أن أي فرصة للتوصل إلى تسوية بين الجانبين باتت مستحيلة الآن، حيث تآكلت الثقة بينهما قبل فترة طويلة من أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

 

ويجب ألا ننسى أن كثيراً من الإسرائيليين الذين يوجهون الشتائم والانتقادات إلى نتنياهو، لا يقومون بذلك فقط بسبب الاتهامات بالفساد الموجهة إليه وإلى طبيعته الأنانية التي تهدف إلى تحقيق مصالحه الخاصة، بل أيضاً بسبب فشله في ضمان أمنهم وحمايتهم من الهجمات الفلسطينية. وفي الواقع، اختفت في إسرائيل الحركة التي كانت تنادي بالسلام مع الفلسطينيين.


على صعيد آخر، لطالما حذر نتنياهو من أن إسرائيل قد تشن ضربة ضد إيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية. والآن، من الممكن أن يؤدي الإذلال الإسرائيلي لطهران إلى استفزازها وتسريع وتيرة برنامجها النووي، وهو ما سيكون من شأنه أن يزيد من خطر اندلاع صراع كارثي في منطقة الشرق الأوسط.


تجدر الإشارة هنا إلى أن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، كان قد حذر إيران من أن الولايات المتحدة ستتدخل لحماية إسرائيل من أي تكرار للهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة التي كانت قد شنتها على إسرائيل في شهر نيسان (أبريل) الأخير. لكن هذا الموقف قد يجعل الأميركيين في المنطقة -كما الإسرائيليين- أهدافاً محتملة لضربات انتقامية من جانب طهران وحلفائها، مثل "حزب الله"، وكذلك في كل من العراق وسورية حيث توجد قواعد عسكرية أميركية.


أخيراً، لا بد من الاعتراف بأن إيران فقدت ماء الوجه وتعرضت للإذلال بسبب عملية الاغتيال. ومن جهة أخرى، من غير المرجح أن تتراجع إسرائيل أو الولايات المتحدة تحت ضغط الدعوات إلى الانتقام. ومن شأن هاتين الحقيقتين أن تفتحا الباب على مصراعيه أمام تصاعد دورة العنف في الشرق الأوسط.

*مارك ألموند: مدير "معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد"، المملكة المتحدة.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

‏"مصنع للاغتيالات الجماعية": داخل حملة القصف الإسرائيلي المرخص لغزة‏ (3-3)