محمد بزي* - (الغارديان) 2/8/2024
يقول الرئيس جو بايدن إن أولويته هي تجنب نشوب صراع إقليمي يشمل إسرائيل وإيران. ويشكل حجب السلاح عن إسرائيل أفضل وسيلة ضغط في حوزته.
***
عدت للتوّ من ثلاثة أسابيع قضيتها في لبنان، حيث وجدت الناس يستعدون لحدث قد يتصاعد إلى حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله. وتبدو الأعمال الانتقامية المثيرة للقلق التي وقعت الأسبوع الماضي في المنطقة بالضبط مثل هذه الأنواع من الاشتباكات، حيث تزيد كل ضربة وهجوم مضاد بين إسرائيل وأعدائها من خطر تحويل حربها الكارثية على غزة إلى صراع إقليمي مع إيران والميليشيات المتحالفة معها في العراق ولبنان وسورية واليمن. وقال الرئيس جو بايدن إن أولويته الرئيسية هي منع نشوب مثل هذه الحرب. وإذن، يمكن أن تكون الأيام القليلة المقبلة حاسمة.
مساء الثلاثاء، قتلت غارة جوية إسرائيلية على جنوب بيروت أحد كبار قادة حزب الله، فؤاد شكر، الذي اتهمته إسرائيل بتدبير هجوم صاروخي قبل أيام أسفر عن مقتل 12 طفلاً. ثم طغى على مقتل شكر بعد ساعات اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في وقت مبكر من يوم الأربعاء. وقد صدم هذا الهجوم وأحرج قادة إيران، الذين كانوا يستضيفون هنية وعشرات الحلفاء الآخرين في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
كان الاغتيال الوقح لهنية مهيناً بشكل خاص للحرس الثوري الإيراني، المكلف بحماية الشخصيات الأجنبية الزائرة وتنسيق عمل ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهو عدد من الميليشيات الإقليمية التي تمولها وتدعمها إيران، والتي تشمل حزب الله وحماس. وقد تعهدت إيران بالانتقام لمقتل هنية على أراضيها.
لكن اغتيال شكر ينطوي على إمكانية أن يكون برميل بارود أكثر فتكاً لأنه يمتد على خط الصدع الذي أصبح أقرب إلى أن يكون الشرارة لحرب إقليمية خارج غزة: الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وفي خطاب عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في جنازة شكر يوم الخميس، أوضح زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أن جماعته ستنتقم لمقتل القائد، وحذر من أن الصراع مع إسرائيل قد دخل "مرحلة جديدة".
وقال نصر الله إن إسرائيل تجاوزت "خطاً أحمر" بمهاجمة حارة حريك؛ الحي الشيعي المكتظ بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث يعيش عدد من قادة حزب الله وحيث للجماعة مكاتب متعددة. وكان نصر الله قد هدد مسبقًا بالرد على أي هجوم إسرائيلي يستهدف بيروت أو ضواحيها بإطلاق الصواريخ والقذائف على تل أبيب.
وكان شكر مسؤولاً قديماً في حزب الله، وقيل إنه كان مقرباً من عماد مغنية، القائد العسكري السابق للجماعة والعقل المدبر لتفجير ثكنات مشاة البحرية الأميركية في بيروت في العام 1983. وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار على رأس شكر لدوره المزعوم في التفجير الذي أسفر عن مقتل 241 عسكرياً أميركياً.
وبينما كان شكر تحت أنظار إسرائيل لسنوات، جاء اغتياله بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إنه كان مسؤولاً عن هجوم صاروخي وقع في 27 تموز (يوليو) على ملعب لكرة القدم في بلدة نائية في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 طفلاً. واتهمت إسرائيل والولايات المتحدة حزب الله بتوجيه الضربة القاتلة في بلدة مجدل شمس، ووعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، برد حازم.
وقد نفى حزب الله مسؤوليته عن الهجوم، على الرغم من اعترافه بإطلاق وابل من الصواريخ في وقت سابق من ذلك اليوم على منشآت عسكرية إسرائيلية قريبة في مرتفعات الجولان.
ويقول حزب الله وأنصاره إن الانفجار الذي وقع في ملعب كرة القدم نجم عن خلل في نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية"، الذي يستخدم لإسقاط الصواريخ القادمة. وعلى الرغم من الروايات المتنافسة، فإن هذا هو بالضبط نوع الحادث الذي يخشى الكثير من الناس في الشرق الأوسط أن يؤدي إلى تصعيد يكون من شأنه إطلاق العنان لحرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله؛ أقوى عضو في "محور المقاومة" الإيراني.
بعد يوم واحد من هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي شنه مقاتلو حماس على جنوب إسرائيل، بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ والطائرات من دون طيار على شمال إسرائيل -في ما وصفه قادة الميليشيا اللبنانية بأنه عمل تضامني مع الفلسطينيين يهدف إلى تحويل الموارد العسكرية الإسرائيلية بعيداً عن غزة. وردت إسرائيل بغارات جوية عنيفة وقصف مدفعي في جنوب لبنان، مما أسفر عن مقتل نحو 350 مقاتلاً من حزب الله وأكثر من 100 مدني، بينهم أطفال ومسعفون.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه حتى يوم الثلاثاء، قتل ما لا يقل عن 25 مدنياً و18 جندياً إسرائيلياً في هجمات حزب الله منذ تشرين الأول (أكتوبر). وأجبر تبادل القصف عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود على مغادرة منازلهم.
راوح تبادل إطلاق النار شبه اليومي عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية بين المد والجزر، مع اشتداد حرب إسرائيل الوحشية على غزة خلال الأشهر التسعة الماضية. وطوال كل هذا الوقت، وعلى الرغم من تهديدات السياسيين والعسكريين الإسرائيليين المتشددين، أصرت إسرائيل وحزب الله على أنهما لا يريدان حرباً أوسع نطاقاً، والتي ستكون مدمرة لكلا البلدين.
ولكن، بينما يختبر كل جانب حدود الطرف الآخر، ثمة خطر متزايد من أن ينتشر الصراع إلى خارج المناطق الحدودية، عن طريق الصدفة أو سوء التقدير -إن لم يكن عن قصد.
قبل الغارة الجوية الإسرائيلية يوم الثلاثاء على بيروت، قال مسؤولون إسرائيليون لوسائل الإعلام الغربية إن ردهم سيؤدي إلى بضعة أيام من القتال المكثف. ولكن لا يوجد لدى أي من الجانبين مسار واضح لوقف التصعيد في غضون بضعة أيام. ويبدو أن نتنياهو تجاهل مناشدات الإدارة الأميركية بتجنب استهداف بيروت أو ضاحيتها الجنوبية، حتى يقل احتمال أن يعمد حزب الله إلى التصعيد في الرد.
يمكن أن تؤدي حرب واسعة النطاق تندلع بين إسرائيل وحزب الله، على غرار تلك التي خاضها الجانبان في صيف العام 2006، إلى توريط إسرائيل والولايات المتحدة في صراع أوسع مع إيران وحلفائها. ومن جانبها، استخدمت إيران الميليشيات، بما في ذلك حماس، وحزب الله، والحوثيين في اليمن، والعديد من الجماعات الشيعية في العراق وسورية لضرب أهداف إسرائيلية وأميركية في مختلف أنحاء المنطقة في محاولة لزيادة الضغط عليها لوقف الحرب في غزة.
منذ تشرين الأول (أكتوبر)، أصر بايدن وكبار مساعديه على أن أولويتهم القصوى هي منع الغزو الإسرائيلي لغزة من التمدد إلى هذا النوع من الحرائق الإقليمية على وجه التحديد. لكن بايدن تجنب المسار الأكثر مباشرة لخفض التصعيد على جميع الجبهات: أن تحجب الإدارة الأميركية بعضاً من مبلغ 6.5 مليار دولار من الأسلحة وغيرها من المساعدات الأمنية التي وعدت بها حكومة نتنياهو منذ تشرين الأول (أكتوبر)، والضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار.
ولكن، بدلاً من ذلك أهدر بايدن النفوذ الكبير الذي يتمتع به على رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يتهمه البعض بمحاولة إطالة أمد الحرب في غزة للتهرب من سلسلة من تهم الفساد التي استمرت في التعثر والسير ببطء في أروقة المحاكم الإسرائيلية لسنوات، وإجراء تحقيق مستقل في الإخفاقات الأمنية لحكومته التي أفضت إلى أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر).
كان أحد أكبر أخطاء إدارة بايدن خلال الأشهر القليلة الماضية هو تأطير مفاوضات وقف إطلاق النار المطولة بين حماس وإسرائيل على أنها تركز على غزة وحدها، من دون الاعتراف بأن جميع حلفاء إيران في المنطقة، وخاصة حزب الله والحوثيين، قد أوضحوا أنهم أيضاً سيوقفون عملياتهم بمجرد توقف القتال في غزة.
كان ثمة بصيص أمل واحد في الأسابيع الأخيرة: كانت إدارة بايدن تشير لحكومة نتنياهو بأن الأخيرة قد لا تتلقى نوع الدعم العسكري الأميركي المكثف الذي تحتاجه لخوض حرب واسعة النطاق في لبنان. ولكن، حتى يمكن منع الصراع بين إسرائيل وحزب الله من الخروج عن السيطرة، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يصروا على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وأن يتوقف نتنياهو عن تصعيد الهجمات الإقليمية ودفع إيران وحلفائها إلى حرب مدمرة. والبديل هو الانزلاق إلى مزيد من إراقة الدماء والتدمير الوحشي.
*محمد بزي Mohamad Bazzi: مدير مركز هاغوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The war in the Middle East is escalating fast - and Biden has squandered too many chances to stop it
اقرأ المزيد في ترجمات:
كامالا هاريس والإبادة الجماعية