تقرير خاص – (الإيكونوميست) 2023/6/7
خيرسون - لم تكن الحياة سهلة مسبقا بالنسبة لمواطني خيرسون التي مزقتها الحرب.
لكنها أصبحت في الأسبوع الماضي أسوأ بكثير. لأيام متوالية، كافح عمال الطوارئ والمتطوعون لاحتواء الأضرار الناجمة عن كارثة بيئية تتكشف في المدينة.
فقد أدى التدمير الجزئي لسد نوفا كاخوفكا في وقت مبكر من يوم 6 حزيران (يونيو) إلى غمر عشرات المناطق السكنية في المنطقة بالمياه. ويعمل رجال الإنقاذ في زوارق وطوافات، تحت نيران الهاون والمدفعية، لإجلاء السكان، وخاصة المرضى وكبار السن.
فليس كل من يجد نفسه تحت الخطر مستعدًا للمغادرة، فيما يعود إلى الكبرياء العنيدة عند السكان، التي جعلت احتلال الروس لهذه المنطقة الجنوبية لمدة تسعة أشهر شأنًا بالغ الكارثية.
ما يزال من السابق لأوانه بعد تقييم الأضرار الكاملة الناجمة عن انهيار السد. في 7 تموز (يونيو)، قال يوري فاسكوف، نائب وزير البنية التحتية الأوكراني، لمجلة "الإيكونوميست" أن هناك أجزاء من السد ربما تكون سليمة أكثر مما كان يُعتقد سابقًا.
ولن يكون تقييم وضع الأجزاء المتبقية واضحًا إلا بعد انخفاض منسوب المياه. لكن أكثر من 150 طنا من الزيت تسربت مُسبقًا إلى نهر الدنيبر. وتبقى الأمراض المعدية هي الملوث الأقل وضوحا.
وتعني التيارات العاتية للنهر أن تكون لديه القدرة على إحداث المزيد من الضرر. وقال نائب الوزير: "أصبحنا نعرف بالفعل أن هذه هي أفظع كارثة شهدتها أوكرانيا منذ عقود".
ما يزال تسلسل الأحداث في 6 حزيران (يونيو) قيد التجميع. وقد أفاد بعض السكان المحليين، وليس كلهم، أنهم سمعوا صوت انفجار في الصباح. وكانت أوكرانيا قد بدأت في تلك المرحلة عمليات هجومية كبيرة في أجزاء أخرى من خط المواجهة في أقصى الشرق.
لكن من المفهوم أن بعض الوحدات الأوكرانية على الأقل تحركت خارجةً من مدينة خيرسون في الأيام التي سبقت الانفجار. وربما كانت تحاول القيام بعملية تكتنفها المخاطر لعبور النهر، فوق أو بالقرب من سد وجسر كاخوفكا.
وربما تصرفت روسيا بحيث تجعل ذلك العبور مستحيلاً. وتعتقد المصادر العسكرية الغربية على أي حال أن روسيا هي المسؤولة عن التفجير.
العالم أبعد من أوكرانيا: بقاء الغرب ومطالب البقية (1 - 2)
وكان فولوديمير زيلينسكي قد حذر في تشرين الأول (أكتوبر) من السيناريو ذاته المتمثل في أن تحاول روسيا تفجير السد لوقف عملية عبور. وقد أحالت أوكرانيا القضية مُسبقًا إلى المحكمة الجنائية الدولية، واصفة إياها بأنها جريمة حرب روسية.
كانت المناطق الأكثر تضررا هي تلك الواقعة مباشرة قرب مجرى السد. والكثير منها تحت سيطرة روسيا على الشاطئ الشرقي. وفي منطقة هولا بريستان، أبلغ السكان المحليون عن ارتفاع صرخات رؤوس الماشية مع ارتفاع منسوب المياه وغرقها.
وهناك وفي أماكن أخرى، يتقاسم الذين يعيشون في الطوابق العليا منازلهم مع جيرانهم غير المحظوظين بنفس المقدار.
وقال أحد سكان أوليشكي أن القوات الروسية لا تساعد في عمليات الإجلاء، وأن الكثيرين "ينتظرون على الأسطح". وفي خيرسون التي تسيطر عليها أوكرانيا، كانت المنطقة الأكثر تضررًا هي (جزيرة) أوستريف التي تقع بين الضفتين اليسرى واليمنى لنهر الدنيبر.
وكانت الجزيرة دائمًا أرضًا منخفضة، حتى أن أحد شوارعها المحلية الراقية كان يلقب بـ"البندقية"، في إشارة إلى المياه التي ارتفعت لتصل إلى شرفاتها الأمامية. والآن أصبحت المدينة بأكملها البندقية، كما يقول مازحًا سيرغي ريبالتشينكو، أحد المتطوعين.
وكان قد أخرج قاربًا من المخزن للمساعدة في توصيل حفاضات الأطفال والمياه وغيرها من الضروريات إلى جيرانه الذين تقطعت بهم السبل. "في بعض الأحيان، يكون الوضع أكثر شبهًا بالمحيط الأطلسي".
ثمة لغة جديدة آخذة في الظهور محليا. "أبحِر إليَّ عبر الطريق"، صرخ أرتيوم على جاره في حي كويبيشيف. وكان منزل أرتيوم المكون من طابقين يقف ذات مرة راسخا في البر الرئيسي.
ولكن، منذ بعد ظهر يوم 6 حزيران (يونيو)، لم يعُد الوصول إليه متاحا إلا عن طريق الرحلات المكوكية للقوارب التي بدأت جولاتها بالفعل. وقال أرتيوم، الذي لم يفصح عن لقبه بسبب مخاوف أمنية، أنه قرر البقاء في منزله المغمور جزئيًا بالمياه مع والدته ودزينتين من طيور الدجاج.
كان لديه ما يكفي من المتسع، حيث احتفظ بالدجاجات في إحدى الغرف الثلاث في الطابق العلوي؛ وممتلكاته التي تم إنقاذها في غرفة ثانية.
وقال أنه كان قد استعد لاحتمال تدمير السد منذ الإشاعات الأولى عن ذلك -بل إنه اشترى زورقًا. وقال: "لم أعتقد أبدًا أن [الروس] سيكونون حمقى جدًا إلى حد القيام بذلك".
يقول المتطوعون الذين يديرون جولات القوارب أن 250 عائلة أخرى ظلت في كويبيشيف وتقطعت بهم السبل الآن. وسوف يخلقون مشاكل للمتطوعين في الأيام والأسابيع القادمة، كما قال نيكولاي ريبالسكي.
لكنَّ نفس التصميم الذي شهد بقاء السكان المحليين خلال عام صعب هو الذي يبقيهم الآن في منازلهم. وهم يقولون إنهم نجوا من الغزو وتسعة أشهر من الاحتلال، فلماذا يغادرون الآن"؟
وقال سيرغي، صاحب مقهى في سوق شومينسكي على الطريق، أن شيئا لا يمكن أن يقلق سكان خيرسون الذين قستهم الخبرة.
وأضاف: "الشيء الأكثر إثارة للرعب ليس الماء، وإنما الوقوف في طابور اخبز خلف رجل عسكري يرتدي الزي الفوتيك وقد كُتب حرب "زد" على ظهره. مهما حدث هنا، نعلم أننا قد أصبحنا أفضل حالاً الآن وقد عدنا إلى أوكرانيا".
توضيح: (حرف Z هو أحد الرموز التي استخدمها الجيش الروسي لتصنيف وحداته في أوكرانيا، ويشير الحرف إلى القوات الروسية المتواجدة في المنطقة الشرقية).
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
Life in Kherson after the Kakhovka dam’s collapse
اقرأ المزيد في ترجمات
مستقبل أوكرانيا: السلام من خلال الحرب