العراق، وأفغانستان، وأميركا - بعد 20 عاما

1685786485356857200
جنود أميركيون أثناء عملية عسكرية في العراق - (أرشيفية)

جيمس رويل – (بروفيدنس) 23/5/2023

صادف يوم 23 أيار (مايو) 2023 مرور الذكرى العشرين لقرار محوري للغاية كان قد اتخذه بول بريمر، الأميركي الذي قاد الحكومة العراقية المؤقتة بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، لبدء الانتقال إلى ديمقراطية ما بعد صدام.

اضافة اعلان

 

وقد اختار بريمر في ذلك اليوم حل الجيش العراقي، بما في ذلك "قوات الحرس الجمهوري" النخبوية التي كانت قد دعمت صدام حسين بثبات وإخلاص.

 

ولدى تأمل هذا القرار، فقد بدا قرارا حكيما في ذلك الوقت: لماذا يتم الاحتفاظ بجوهر النظام الذي جرت الإطاحة به عسكريا فقط؟

 

ومع ذلك، كان لهذا القرار الذي بدا منطقيا عواقب وخيمة غير متوقعة فيما بعد.


بحل وتبديد الطبقة العسكرية المحترفة في العراق، والكثير منها ضباط يتمتعون بمهارات أخرى، أنشأ بريمر كادرًا من الحلفاء للجماعة الإرهابية الناشئة حديثًا والتي ستصبح "داعش" لاحقًا.

 

كان أبو مصعب الزرقاوي قد شكل سلف "داعش"، تنظيم "القاعدة في العراق"، وكان عازمًا على تأجيج حرب دموية بين السنة والشيعة لجعل الانتقال إلى الديمقراطية العراقية أمرا لا يمكن الدفاع عنه.

 

وقد هرب هؤلاء العسكريون البعثيون السابقون إلى أحضان هذه المجموعة الإرهابية السنية المتطرفة.

 

وجعل التحالف غير المقدس المكون من "داعش" والبعثيين السابقين من عملية إعادة بناء العراق جحيما حقيقيا على الأرض.

 

واليوم، نحن محظوظون لأن "داعش" لم يعد سوى ظل لذاته السابقة. وعلى الرغم من أن المجموعة ما تزال تشكل تهديدا، إلا أنها لم تقترب من الذروة التي بلغتها ذات يوم عندما ألقى "الخليفة" الراحل أبو عمر البغدادي خطبة من "المسجد الأزرق" في الموصل في 9 حزيران (يونيو) 2014.


ما الذي جعل احتلال العراق، أو أفغانستان إذا كان ذلك يهم، وعملية تحويلهما صعبة إلى هذا الحد؟ كانت حركة طالبان، التي كان يقودها الملا عمر سابقًا، قد آوت أسامة بن لادن، مما أعطى الولايات المتحدة ذريعة حقيقية للغزو بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر).

 

ومع ذلك، على عكس العراق في أعقاب الانسحاب الأميركي، كانت الحكومة المحلية والقوات العسكرية في كابول فاسدة وغير كافية لوقف عودة طالبان، التي عادت إلى السلطة في أفغانستان في العام 2021.

 

وقد غطت "الحرب على الإرهاب" إرثًا سياسيًا بعمر عشرين عامًا، مع نتائج مختلطة للغاية، ومخيبة للآمال بطريقة مؤسفة في أفغانستان. ما الذي منحنا هذا الحس بالغطرسة لمحاولة ذلك، وأين كانت أحكامنا خاطئة؟

 

كانت هناك بعض السوابق التاريخية للنجاح. بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنت الولايات المتحدة من تنصيب أنظمة ديمقراطية عاملة في كل من اليابان وألمانيا الغربية، لكن الظروف السياسية والثقافية في كلا المكانين كانت مختلفة إلى حد كبير عن مثيلاتها في كل من العراق وأفغانستان.

 

كانت كل من اليابان وألمانيا متقدمتين اقتصاديًا وتقنيًا للغاية، وبالتالي كان هناك أشخاص أكفياء يمكن تسليم أدوات السلطة إليهم بعد الحرب. في اليابان، ضمن التجانس العرقي والثقافي درجة توافق أكبر بكثير مما توفر في العراق المستقطب.

 

كانت لدى العراق اللعنة الغريبة المتمثلة في كونه أمة ذات أغلبية شيعية عاشت في ظل دكتاتورية بعثية تديرها الأقلية السنية.

 

وفي ألمانيا، كانت الأمور "مبسطة" إلى حد ما من خلال تقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية، لكن التاريخ يسجل نوع الفشل الكبير الذي عاشه القسم الشرقي في ظل الشيوعية، مقارنة بالقسم الغربي في ظل الديمقراطية والسوق الحرة.

 

لم تكن المؤسسات الاقتصادية والسياسية ولا الشعور بالوحدة الثقافية والدينية حاضرة في العراق أو أفغانستان.

 

وإذن، ما هي الشروط الكافية لترميم بلد وإعادة بنائه؟

 
1. أولاً، لا بد من هزيمة المرض السياسي الذي أصاب البلد هزيمة ساحقة، عسكرياً وعقائدياً.
2. ثانيًا، يجب أن تكون هناك عوامل اقتصادية كافية لإعادة بناء البلد، واللازمة لجعل الخيارات الراديكالية أقل جاذبية.
3. ثالثًا، ينبغي أن يكون هناك إيمان ثقافي يجمع البلاد معًا ويبني التوافق نحو اتجاه جديد للتنمية السياسية والاقتصادية.
4. رابعًا، يجب عدم اتخاذ قرارات استراتيجية تعيق عملية التحوُّل بشدة.


قد تكون هناك بالتأكيد عوامل أساسية أخرى، ولكن لغرض هذه المقالة القصيرة، قد تكون العوامل المذكورة كافية.

 

بالنظر أعلاه، فإن قرار بول بريمر في 23 أيار (مايو) ينتهك الاقتراح الأخير، ومع ذلك لم تكن لديه أي وسيلة لمعرفة ذلك في ذلك الوقت. وبقدر ما قد يكون قراره قد بدا منطقيًا في ذلك الوقت، فقد كان خطأ فادحًا مؤسفًا لدى تأمله الآن.

 

ولا يمكن إلقاء اللوم كله على هذا العنصر بالذات لأنه، بالإضافة إليه، يمكن للمرء أن يجادل بأن العديد من العوامل الأخرى لم تكن متوافقة أيضًا. لم يكن تنظيم القاعدة قد هُزم أيديولوجياً، لأن الزرقاوي أعطى ولاءه للتنظيم في العام 2003 (العامل الأول).

 

ومن المؤكد أنه لم يكن هناك هناك في العراق الرابط الثقافي والوحدة اللازمين لإعادة التوحيد السريع والإجماع على المسير في اتجاه جديد (العامل 3).

 

وما هو الاقتصاد (العامل الثاني) الذي كان لدى العراق في ذلك الوقت لإعادة الناس إلى العمل وتحويل انتباههم عن الانخراط في القتال؟


إذا كان ثمة ظروف يمكن فيها أن يكون تطبيق نظرية "الحرب العادلة" -أو حيث تكون المقاومة اللاعنفية (كما كان الحال مع غاندي أو مارتن لوثر كينغ جونيور) أكثر ملاءمة، فيجب أن يكون هناك أيضًا إحساس أكبر بشأن ما يَبني، وما يعيد بناء أمه.

 

وكان بالإمكان تصميم العديد من العوامل المذكورة أعلاه لفحص الصحة والحيوية السياسيتين لأي دولة، وليس فقط تلك التي كان لديها نظام غير عادل تمت الإطاحة به.

 

وفي ما يتعلق بالعامل 3، "المعتقد الثقافي السائد الذي يجمع البلاد معًا ويبني الإجماع"، كان للأسف موضع تساؤل في هذه الأمة.

 

مع وجود مؤيدي ترامب المتحمسين على أحد طرفي الطيف والأجندة الليبرالية المستقطبة على الجهة الأخرى، فإن النسيج السياسي للولايات المتحدة متوتر وتحت الضغط.

 

ويأمل كل من يحب أميركا في أن تكون لديه الكلمات والأفعال التي تجمعنا معًا حول إجماع أكثر قابلية للتطبيق.


بعد عشرين عامًا من قرار بريمر، نجد أنفسنا مرة أخرى في مياه مضطربة مماثلة. ثمة تيارات أمل، ولكن هناك أيضًا تيارات مقلقة من الفوضى والتنافر.

 

إن فهم علامات العصر والقراءة الجادة للمناخ السياسي هي مهمة لا تنتهي أبدًا. ففي نهاية المطاف، السياسة هي صراع من أجل العدالة، وضد الظلم، والتي تتأرجح في مهب رياح القوة والحقيقة.

 

وبينما نضع في اعتبارنا العديد من النعم التي لدينا، فمن المريح أن ينام المرء في دولة ما تزال تنطوي على الكثير من الوعد. 


ومع ذلك، إذا أغلقنا أعيننا عن المخاطر المستمرة، فإن مهام استعادة النوايا الحسنة والمؤسسات السياسية/ الاقتصادية التي تحافظ على الديمقراطية، تكون أشبه بدعوة إلى إعادة إحياء كابوس.

 

للمضي قدمًا، يجب أن نعلم أن الأمة لا تقتصر فقط على السياسة أو الاقتصاد، على الرغم من أن صحة هذه الأمور ضرورية. إن صحة الأمة تُقاس أيضًا بوجود إجماع محتمل على حسن النية، وأن يكون الطريق إلى الأمام منطويًا على توحدينا حول الثقة بالآخر والثقة بالنفس.


*جيمس ل. رويل James L. Rowell: أستاذ حاصل على درجة الدكتوراه في الدين من جامعة بيتسبيرغ. كان مدرسًا متفرغًا لأديان العالم في كلية فلاجلر منذ العام 2006.

 

وهو مؤلف كتاب "فهم المقدّس"، وهو كتاب عن الأديان العالمية المقارنة، وكذلك "غاندي وبن لادن: الدين في أقصى حدوده". تركز اهتماماته في الأخلاق الدينية المقارنة على شخصيات مثل غاندي، ومارتن لوثر كينغ جونيور، ورينهولد نيبور وعبد الغفار خان.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

Iraq, Afghanistan, and America – 20 Years Later

 

اقرأ المزيد في ترجمات