الهولُ.. الهول‏!

"أغنية الجلاد"، للفنان "مستر فيش" – (المصدر)‏
"أغنية الجلاد"، للفنان "مستر فيش" – (المصدر)‏

‏كريس هيدجز*‏ - (تقرير كريس هيدجز) 11/11/2023 
‏توسعت هجمات الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي تقتل مئات الفلسطينيين يوميا، بمن فيهم نحو 160 طفلاً لتشمل قصف المستشفيات المتبقية في غزة.‏

*   *   *
‏الدوحة، قطر. أجلس في استوديو قناة "الجزيرة" العربية، وأشاهد بثًا مباشرًا من مدينة غزة. وقد اضطر مراسل "الجزيرة" في شمال القطاع، بسبب القصف الإسرائيلي المكثف، إلى الجلاء والانتقال إلى جنوب غزة، وترك كاميرته وراءه بعد أن دربها على تصوير "مستشفى ‏‏الشفاء"‏‏؛ أكبر مجمع طبي في غزة.

اضافة اعلان

 

الوقت ليل. والدبابات الإسرائيلية تطلق النار مباشرة باتجاه مجمع المستشفى. ثمة ومضات حمراء أفقية طويلة، وهجوم متعمد على مستشفى. جريمة حرب متعمدة. مذبحة مقصودة لأكثر المدنيين ضعفًا، بمن فيهم المرضى والرضع. ثم تتلاشى التغذية الإخبارية.‏


نجلس أمام الشاشات. ويلفنا الصمت. نحن نعرف ما يعنيه هذا. لا طاقة. لا كهرباء. لا ماء. لا إنترنت. لا إمدادات طبية. كل رضيع في الحاضنات سيموت. كل مريض يحتاج غسيل كلى سيموت.

 

كل مريض في وحدة العناية الحثيثة سيموت. كل من يحتاج إلى الأكسجين سيموت. كل من يحتاج إلى جراحة طارئة سيموت.

 

وماذا سيحدث لـ50.000 شخص الذين أخرجهم القصف المتواصل من منازلهم ولجأوا إلى حرم المستشفى؟ نعرف الإجابة عن هذا أيضًا. الكثير منهم هم، أيضًا، سيموتون.‏


‏ما مِن كلمات يمكن أن تعبر عما ‏‏نشهده‏‏. في هذه الأسابيع الخمسة من الرعب الهائل، هذه واحدة من ذُرى الهول. لامبالاة أوروبا سيئة بما يكفي.

 

والتواطؤ النشط من جانب الولايات المتحدة لا يمكن فهمه. لا شيء يبرر هذا. لا شيء. وسوف يُسجَّل جو بايدن في التاريخ كشريك متواطئ في ‏‏هذه الإبادة الجماعية‏‏. وأدعو الله أن تطارده أشباح آلاف الأطفال الذين شارك في قتلهم لبقية حياته. 


تبعث إسرائيل والولايات المتحدة اليوم برسالة مخيفة إلى بقية العالم؛ أن القانون الدولي والإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف، هي كلها حبر على ورق وبلا معنى. إنها لم تطبَّق في العراق. وهي لا تُطبق الآن في غزة.

 

سوف ندمرُ أحياءكم ومدنكم بالقنابل والصواريخ. سوف نقتل عمدًا النساء والأطفال والشيوخ والمرضى. سوف نضرِب الحصارات لهندسة المجاعة وانتشار الأمراض المعدية.

 

أنتم، "السلالات الأقل شأنًا" في الأرض، بلا أهمية. بالنسبة لنا أنتم حشرات ينبغي سحقها. لدينا كل شيء. وإذا حاولتم أخذ أي شيء منا، فسوف نقتلكُم. ولن يحاسبنا أحد أبدًا.‏


‏نحن لسنا مكروهين بسبب قيمنا. إننا مكروهون لأنه ليست لدينا قيم. نحن مكروهون لأن القواعد تنطبق فقط على الآخرين، وليس علينا.

 

نحن مكروهون لأننا ادعينا لأنفسنا، بغير حق، الحق في ارتكاب المذابح العشوائية. نحن مكروهون لأننا وحشيون بلا قلب. نحن مكروهون لأننا منافقون، نتحدث عن حماية المدنيين وسيادة القانون والإنسانية بينما نقضي على حياة مئات الأشخاص في غزة يوميا، بمن فيهم 160‏ ‏طفلاً.‏


‏ردت إسرائيل بسخط وغضب أخلاقي عندما اتُّهمت بقصف مستشفى الأهلي العربي المسيحي في غزة، الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى. زعمَت إسرائيل أن الانفجار نجم عن فشل صاروخ أطلقته "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين".

 

لا يوجد شيء في ترسانة "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" يمكن أن يماثل القوة التفجيرية الهائلة للصاروخ الذي أصاب المستشفى.

 

وقد سمع أولئك منا الذين غطوا غزة هذا المجاز الإسرائيلي مرات عديدة، وهو مثير للسخرية. إنهم يلومون دائمًا "حماس" والفلسطينيين على جرائم الحرب التي ارتكبوها هم، ويحاولون الآن قول أن المستشفيات هي مراكز قيادة تابعة لـ"حماس"، وهي بذلك أهداف مشروعة. وهم لا يقدمون أي أدلة على الإطلاق. الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية ‏‏يكذبان‏‏ مثلما يتنفسان.‏


أصدرت منظمة "أطباء بلا حدود"، التي يعمل موظفوها في "مستشفى الشفاء"، بيانًا قالت فيه إن المرضى والأطباء والممرضين "محاصرون في المستشفيات تحت النار". ودعت "الحكومة الإسرائيلية إلى وقف هذا الهجوم الذي لا يلين على النظام الصحي في غزة".‏
وأضاف البيان: "خلال الساعات الـ24 الماضية، تعرضت المستشفيات في غزة لقصف غير متوقف. وتعرَّض ’مجمع مستشفى الشفاء الطبي‘، وهو أكبر مرفق صحي حيث ما يزال يعمل موظفو ’منظمة أطباء بلا حدود‘، للقصف عدة مرات، بما في ذلك أقسام الولادة والعيادات الخارجية، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى.

 

الأعمال العدائية حول المستشفى لم تتوقف. وما تزال فرق ’أطباء بلا حدود‘ ومئات المرضى داخل مستشفى الشفاء. تكرر منظمة ’أطباء بلا حدود‘ دعواتها العاجلة إلى وقف الهجمات على المستشفيات، وإلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المرافق والطواقم الطبية والمرضى".‏


تحاصر القوات الإسرائيلية والدبابات ثلاثة مستشفيات أخرى في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، في ما قال طبيب لقناة "الجزيرة" إنه "يوم حربٍ ضد المستشفيات".

 

وبحسب ما ورد، فقد "المستشفى الإندونيسي" الكهرباء أيضًا. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن 20 من أصل 36 مستشفى في غزة لم تعد تعمل.‏


‏‏إن وحشية إسرائيل وواشنطن وحرصهما على المصلحة الذاتية فقط توقف الأنفاس. ليس ثمة اختلافات في النية.

 

واشنطن تريد أن يتم الأمر بسرعة فحسب. ممرات إنسانية؟ توقف للقصف؟ هذه وسائل لتسهيل الإخلاء الكلي للسكان من شمال غزة. حفنة من شاحنات المساعدات المسموح لها بعبور الحدود في رفح مع مصر؟ وسيلة تحايل تتعلق بالعلاقات العامة.

 

ثمة هدف واحد، وواحد فقط -القتل، القتل، القتل. وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل. كل ما يتحدث عنه مسؤولو بايدن الآن هو ما سيحدث بعد ذلك بمجرد أن تنتهي إسرائيل‏‏ من ‏‏تدميرها‏‏ لغزة. إنهم يعلمون أن المذابح الإسرائيلية لن تنتهي إلى أن يعيش سكان غزة في العراء من دون مأوى في الجزء الجنوبي من القطاع، ويموتون بسبب نقص الغذاء والماء والرعاية الطبية. 


‏كانت غزة قبل التوغل البري الإسرائيلي واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان على هذا الكوكب. ولك أن تتخيل ما سيحدث مع 1.1 مليون من سكان غزة القادمين من الشمال عندما يصبحون مكدسين فوق أكثر من مليون إنسان في الجنوب.

 

تخيل فقط ما سيحدث عندما تصبح الأمراض المعدية مثل الكوليرا وباء. تخيل ويلات ‏‏المجاعة‏‏. سوف يتزايد الضغط لفعل شيء ما. وتأمل إسرائيل أن يكون هذا الشيء هو دفع الفلسطينيين عبر الحدود إلى سيناء في مصر.

 

وبمجرد أن يصبحوا هناك، فإنهم لن يعودوا أبدًا. سوف يكون التطهير العرقي الإسرائيلي لغزة كاملاً. وبعده سيبدأ التطهير العرقي للضفة الغربية.‏


هذا هو حلم إسرائيل المجنون. ولتحقيق ذلك، سيجعلون غزة غير صالحة للسكن.‏


‏اسأل نفسك، لو كنت فلسطينيا في غزة وحصلت على سلاح، ماذا ستفعل؟ إذا قتلَت إسرائيل عائلتك، كيف سيكون رد فعلك؟ لماذا تهتمون بالقانون الدولي أو الإنساني عندما تعلمون أنه ينطبق فقط على المظلومين وليس على الظالمين؟ إذا كان الإرهاب هو ‏‏اللغة‏‏ الوحيدة التي ‏‏ تستخدمها إسرائيل للتواصل؛ واللغة الوحيدة التي تفهمها على ما يبدو، ألن ترد عليها بالإرهاب؟


إن عربدة الموت الإسرائيلية هذه لن تسحق "حماس". فـ"حماس" فكرة. وهذه الفكرة تتغذى على دماء الشهداء. وإسرائيل تزود "حماس" منها بإمدادات وفيرة.‏

*كريس هيدجز Chris Hedges: هو صحفي حائز على جائزة "بوليتزر" للصحافة. كان مراسلاً أجنبيًا لمدة 15 عامًا لصحيفة "‏‏نيويورك تايمز"‏، حيث شغل منصب مدير مكتب الشرق الأوسط ورئيس مكتب البلقان للصحيفة. عمل سابقا في الخارج مراسلاً صحفيًا لصحف "‏‏دالاس مورنينغ نيوز"،‏‏ ‏‏و"كريستيان ساينس مونيتور"، و"راديو الإذاعة الوطنية". وهو مضيف البرنامج الحواري "‏‏تقرير كريس هيدجز".‏

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

المعروض على سكان غزة ليس خيارا