جون وايتبيك *
(ذا بالستاين كرونيكل) 22/2/2012
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كانت هناك نشوة ظاهرة، مرئية ومسموعة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر) عندما أعلنتَ طلب فلسطين الحصول على عضوية الأمم المتحدة، وكذلك في مقر اليونيسكو في باريس في تشرين الأول (أكتوبر) عندما تم قبول فلسطين كدولة عضو، وفي اليونسكو مرة أخرى في كانون الأول (ديسمبر) عندما تم رفع العلم الفلسطيني رسمياً بحضوركم شخصيا (وبحضوري).
ومنذئذ، لا شيء...
من المفهوم أنك اتفقت مع اللجنة الرباعية على تجميد المبادرات الدبلوماسية الخاصة بإقامة دولة فلسطين حتى يوم 26 كانون الثاني (يناير) من إجل إتاحة الفرصة أمام محاولة أخيرة لبدء مفاوضات ذات مغزى مع إسرائيل. وكما كان متوقعاً، فشل هذا الجهد. ومع ذلك، مرّ يوم 26 كانون الثاني (يناير) منذ وقت طويل. ومع ذلك، لا شيء...
وقد تشاركتُ معكم المفاجأة في أنكم، مع وجود تسعة من الدول في مجلس الأمن الدولي التي قدمت فعلاً اعترافاً دبلوماسياً بدولة فلسطين، لم تستطيعوا حتى حشد تلك الأصوات التسعة الإيجابية لصالح القبول بفلسطين كدولة عضو، واللازمة لإجبار الولايات المتحدة على الاختيار بين استخدام حق النقض (وهو ما كان ليثير غضب العالم المسلم وجزء كبير من البشرية)، وبين الامتناع عن التصويت (الذي سيغضب إسرائيل ومناصريها من الأميركيين).
ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن انقلاب الأعضاء الخمسة غير الدائمين في 1 كانون الثاني (يناير) قد غير من واقع وجود الأصوات الثمانية الإيجابية، فإن هذا لا يعني أنه ليس هناك ما يمكن أن تفعله فلسطين، بطريقة بناءة، من أجل استعادة المبادرة والزخم الإيجابي اللذين تحققا في الخريف الماضي.
كان بوسعكم المضي فوراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل الحصول على تصويت كاسح لرفع مكانة فلسطين من "كيان مراقب" إلى "دولة مراقبة". ومن الجدير بالإشارة أن العضوية في الأمم المتحدة وفي اليونسكو تظل متطابقة إلى حد كبير، وهناك 14 دولة فقط هي التي صوتت ضد قبول فلسطين كدولة عضو في اليونسكو. ومنطقياً، يجب أن تعارض دول أقل منح مكانة "الدولة المراقبة" لفلسطين في الأمم المتحدة.
ومباشرة بعد الحصول على تأكيد "مكانة الدولة" لفلسطين في الأمم المتحدة، كان بوسعكم الإدلاء ببيان رسمي –وتاريخي- يحتوى على العناصر الثلاثة التالية على الأقل:
(أ) الإعلان عن دمج أو استيعاب السلطة الفلسطينية في دولة فلسطين؛
(ب) تقديم تعهد من دولة فلسطين، بأنها ستسعى خلال فترة سنة واحدة وبحسن نية، للتوصل إلى اتفاق نهائي مع دولة إسرائيل على جميع الأمور اللازمة لإنهاء الاحتلال على أساس حل الدولتين، وإلى تولي وتنفيذ كافة المهام والحقوق والالتزامات والتعهدات التي كانت السلطة الفلسطينية تقوم بها سابقاً بموجب الاتفاقات القائمة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل، بما في ذلك التعاون الأمني إذا كانت دولة إسرائيل مستعدة للتعاون مع دولة فلسطين، و:
(ج) الالتزام من جانب دولة فلسطين، في حال لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي مع دولة إسرائيل على جميع السبل التي تفضي إلى إنهاء الاحتلال على أساس الدولتين في غضون هذه الفترة خلال عام، بأن تقوم الحكومة بالتشاور مع الشعب الفلسطيني عن طريق الاستفتاء حول ما إذا كانوا يفضلون الاستمرار في السعي لإنهاء الاحتلال من خلال التقسيم، وبدولة فلسطينية ذات سيادة على 22٪ فقط من أراضي فلسطين التاريخية، أو السعي من الآن فصاعداً إلى تحقيق المواطنة -مع كامل الحقوق التي تكفلها المواطنة- في دولة ديمقراطية واحدة في كل فلسطين التاريخية، والتي تكون خالية من أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الأصل، وبحقوق متساوية للجميع.
إذا تبقى هناك أي أمل في تحقيق لائق ومحترم لحل الدولتين على الأرض فعلاً، فإن طريقة عرض القضية والاختيار، سواء أمام إسرائيل أو أمام مؤيديها الغربيين، يجب أن يستند بهذه الطريقة إلى حفز وبذل أكثر الجهود التي يمكن تخيلها كثافة من أجل تحقيقه. وحتى لو تمّ عرض هذه القضية والخيار بهذه الطريقة، وتبيّن أن تحقيق حل دولتين لائق هو أمر مستحيل، فإن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بعد أن يكونا قد تصرفاً بشكل معقول ومسؤول، سوف يقفان بثبات على أرض أخلاقية عالية، مستعدّين لتحويل هدفهما إلى البديل الوحيد اللائق الآخر، بالحد الأقصى الممكن تصوره من تعاطف ودعم بقية أفراد الجنس البشري.
خلال هذه السنة حاسمة، يمكنك أن تسعى أيضاً إلى التقدم بطلب للقبول بدولة فلسطين، على التوالي، من عدة وكالات أخرى مختارة بعناية من وكالات الأمم المتحدة، مثل المنظمة العالمية للملكية؛ ومنظمة الصحة العالمية؛ والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وربما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحتى الكومنولث، وسوف يكون اختيار تلك الأهداف بنّاء من النواحي العملية الاستراتيجية، بقدر ما سيكون نجاحه مرجحاً على حد سواء.
يمكنك أن تترك مجلس الأمن ينتظر، مفتوحاً دائماً على احتمال دعوته للتصويت في لحظة من اختيارك، ربما بعد حدوث تغير الحكومة في إحدى الدول الأعضاء. وفي هذا السياق، لا بدّ أنك لاحظت أن فرنسوا هولاند، الذي ترشحه الاستطلاعات ليكون الرئيس الفرنسي القادم في شهر أيار (مايو)، ضمّن في كتيب حملته الانتخابية "التزاماتي الـ 60 لفرنسا" التعهد التالي: "سوف أدعم اعترافاً دولياً بالدولة الفلسطينية".
وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تتوقف حكومتك عن إصدار جوازات سفر باسم "السلطة الفلسطينية،" والشروع في إصدار جوازات سفر باسم "دولة فلسطين".
من خلال المضي في هذا الطريق، سوف تؤكدون على وجود وحقيقة الدولة بطرق متعددة، من خلال تكريس سلسلة ثابتة ومتعاقبة من مظاهر الدولة، بينما تقومون في الوقت نفسه ببناء سجل ملموس من "النجاحات"، متجنبين أي "فشل" يمكن التقاطه، محافظين على إبقاء إقامة دولة فلسطين والحاجة الماسة لوضع حد للاحتلال في مركز "الصدارة" من اهتمام العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصويتاً ساحقاً في الجمعية العامة لدعم منح "مكانة الدولة" لفلسطين، إلى جانب وجود سلسلة متعاقبة بثبات من "الحقائق على الأرض" من مظاهر الدولة، سوف تجعل من الصعب على أعضاء مجلس الأمن مقاومة أو منع منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة في الوقت الذي ترونه مناسباً، والذي يمكن اغتنامه للمطالبة بتلك العضوية.
كما هو الحال دائما، أتمنى لكم الشجاعة والحكمة في استغلال فرصة المبادرة، ووضع الأجندة المناسبة من أجل تحقيق قدر من العدالة والمستقبل اللائق للشعب الفلسطيني في نهاية المطاف.
مع بالغ الاحترام
جون وايتبيك
*محام دولي كان يقدم المشورة والنصح للفريق الفلسطيني المفاوض خلال المفاوضات مع إسرائيل.
*نشرت هذه الرسالة تحت عنوان: An Open Letter to President Abbas
ala.zeineh@alghad.jo