شرطة التعبير قادمة إلى وسائل التواصل الاجتماعي

1685879485618635800
تطبيقات التواصل الاجتماعي تخضع لمزيد من التقنين - (أرشيفية)

تقرير خاص* – (الإيكونوميست) 29/5/2023

فيسبوك وتويتر وإنستغرام  في مرمى النيران

اضافة اعلان

 

 

في الأيام الأخيرة، اختار رون ديسانتيس، حاكم فلوريدا ومنافس دونالد ترامب الرئيسي على ترشيح الحزب الجمهوري، الإعلان عن ترشيحه للبيت الأبيض من خلال منصة "تويتر".

 

وقد تحول الحدث الصوتي المبثوث حيًا على الهواء، الذي استضافه مالك الشبكة الاجتماعية، إيلون ماسك، إلى مسرحية هزلية، حيث كافحت خوادم "تويتر" للتعامل مع مئات الآلاف من المستمعين الذين دخلوا المنصة للاستماع إليه. وعندما أصبح بالإمكان سماعه، قال ديسانتيس أنه قرر الإعلان عبر هذه المنصة لأنه، على عكس "الوسائط القديمة"، يعد تويتر "منارة لحرية التعبير".


يحتدم الجدل حول مَن هو الذي يمكنه تحديد ماهية ما يوجد على الإنترنت مرة أخرى على مستوى العالم. ويخضع "تويتر"، الشبكة المفضلة للسياسيين والصحافة، للإدارة الجديدة الزئبقية للسيد ماسك، الذي أعلن نفسه نصيرًا مطلقًا لحرية التعبير، والذي أعاد حسابات مستخدَمين كانوا محظورين سابقًا، مثل دونالد ترامب.

 

ويقال أن "ميتا"، وهي شركة منافسة أكبر، تحضِّر شبكتها النصية الخاصة ليتم إطلاقها هذا الصيف. وتواجه منصات وسائل التواصل الاجتماعي اختبارًا على مدار الثمانية عشر شهرًا القادمة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي أحد أعظم مهرجانات العالم لعرض الغضب والمعلومات المضللة عبر الإنترنت.


إلى هذه المعمعة يقفز السياسيون والقضاة، جالبين معهم المقترحات التنظيمية. ومع وصول الكونغرس إلى طريق مسدود، تقوم المجالس التشريعية للولايات الأميركية ومحاكمها برسم خطوط جديدة حول حدود التعبير.

 

وفي أوروبا، ذهبت الهيئات التشريعية أبعد من ذلك. وتلهم هذه التحركات الحكومات في الأجزاء الأقل ديمقراطية من العالم لكتابة قواعد جديدة خاصة بها. لقد أصبح ما يمكن قوله وسماعه على الإنترنت الآن تحت التدقيق.


لا شك في أن المراقبة البوليسية للميدان العام على الإنترنت هي مهمة شاقة. على الرغم من أن الأمور قد هدأت قليلاً منذ أن ترك السيد ترامب منصبه وتلاشى فيروس كورونا (ومعه موجة المعلومات المضللة المرتبطة به)، فإن أكبر ثلاث منصات للتواصل الاجتماعي في العالم -"فيسبوك"، و"إنستغرام"، اللتين تمتلكهما "ميتا"، و"يوتيوب" التي تمتلكها "غوغل"- قامت بإزالة أو حظر 11.4 مليار من المشاركات ومقاطع الفيديو وتعليقات المستخدمين. وعادة ما تتعامل الفلاتر الآلية مع الجزء الأكبر منها، لكن "ميتا" و"غوغل" تستخدمان أيضًا أكثر من 40.000 مراجع محتوى يعملون بينهما.


وليس معظم هذه التحركات من التدبير المنزلي مثيرة للجدل: كانت 90 في المائة من المنشورات التي حذفها "فيسبوك"، أكبر الشبكات، في العام الماضي مجرد بريد عشوائي. لكن العديد من القرارات المتبقية الخاصة بمراقبة اعتدال المحتوى صعبة.

 

في الربع الأخير، أزال "فيسبوك" -أو حظر- 10.7 مليون منشور اعتبرها كلامًا يحض على الكراهية، و6.9 مليون منشور اعتبرها تنمرًا، وكلاهما مفهومان حولهما مجال للخلاف. وإذا أخذنا معضلة أخيرة كمثال، فقد أمرت "ميتا" مؤخرًا بإجراء مراجعة لما إذا كانت مفرطة الحماس في مراقبتها للكلمة العربية "شهيد"، التي تُترجم عمومًا إلى كلمة "martyr" الإنجليزية -وإنما التي يمكن أن يتغير معناها وفقًا للسياقات المختلفة. وقد تُرك للمنصات في الغالب العثور على طرق للخروج من مثل هذه المآزق بنفسها.


مع ذلك، دخل السياسيون الآن على الخط. في أميركا، يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الشبكات الاجتماعية تقوم بعمل رديء بشأن مراقبة المحتوى، وأن الوقت قد حان لتغيير القسم 230 من "قانون آداب الاتصالات"، الذي يحمي المنصات عبر الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون (مع استثناءات مثل المحتوى المرتبط بالاتجار بالجنس). لكنهم يختلفون تمامًا حول ما يجب فعله حيال ذلك


الديمقراطيون، الذين يتهمون أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا بإذكاء الغضب والمعلومات المضللة مقابل النقرات، يريدون من المنصات إزالة المزيد من المحتوى. والجمهوريون يعتقدون أن هيئات الإيقاظ المناهضة المتطفلة في كاليفورنيا تخنق المحافظين، ويريدون من المنصات أن تزيل قدرًا أقل من المحتوى. (يشك الناخبون في أن شركات التكنولوجيا تفضل وجهات النظر الليبرالية على المحافظة بنسبة ثلاثة إلى واحد، وفقًا لـ"مركز بيو للأبحاث"، وهو مؤسسة فكرية أميركية). والنتيجة، مأزق في الكونغرس.

 

كانت قد أتيحت للمحكمة العليا الفرصة للتلاعب بالقِسم 230. ولكن في 18 أيار (مايو)، في حكمها الذي صدر في قضيتين متشابهتين تتعلقان بـ"يوتيوب" و"تويتر"، اللذين كانا قد استضافا محتوى حمَّله إرهابيون، لم تقم بتغيير الوضع الراهن، رافضة الفكرة القائلة بأن منصات الإنترنت مسؤولة عن الجرائم التي يرتكبها مستخدموها. ووصفت "نِت تشويس"، وهي مجموعة ضغط متعلقة بالتكنولوجيا، القرار بأنه "فوز كبير لحرية التعبير على الإنترنت". ويبدو القسم 230 بأمان في الوقت الحالي.

 

بينما لا يحالفهم الحظ على المستوى الفيدرالي، يركز الإصلاحيون من اليسار واليمين على الولايات. وقد أصدرت كاليفورنيا العام الماضي قانونًا يجبر شركات التكنولوجيا على جمع بيانات أقل من الأطفال، من بين أمور أخرى.

 

وأقرت عدة ولايات أو اقترحت قوانين تطالب من تقل أعمارهم عن 18 عامًا بالحصول على إذن والديهم قبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وفي 17 أيار (مايو)، حظرت مونتانا تطبيق "تِك توك" تمامًا، بسبب ملكيته الصينية (يقاضي "تِك توك" الولاية ومن المتوقع أن يكسب الدعوى).


أما الأمر الأكثر إثارة للجدل، فهو أن ولايتي فلوريدا وتكساس، وكلتاهما خاضعة لسيطرة الجمهوريين، أصدرتا في العام 2021 قوانين تقيد قدرة الشبكات الاجتماعية على مراقبة الخطاب السياسي.

 

وقد أيدت المحاكم قانون تكساس وألغت قانون فلوريدا، مما مهد الطريق للعودة إلى المحكمة العليا التي من المتوقع أن تنظر في هذه القضايا في وقت لاحق من هذا العام.

 

وتقول إيفلين دويك من جامعة ستانفورد: "إذا فتحت المحكمة الباب للتنظيم في هذا المجال، فإن العديد من (الولايات) ستغتنم هذه الفرصة".


سيكون لدى هذه المحاكم نموذجان عبر المحيط الأطلسي لتسترشد بهما. سيبدأ العمل بـ"قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي"، الذي تم إقراره في تموز (يوليو) 2022، في العام المقبل. من المتوقع أن يتم سن "قانون السلامة على الإنترنت" البريطاني، الذي استغرق إعداده أربع سنوات، في وقت لاحق من هذا العام.

 

وكلاهما يتخذ نهجًا مختلفًا عن أميركا. بدلاً من تغيير مَن يتحمل المسؤولية عن المحتوى عبر الإنترنت (السؤال الحاضر في صميم نقاش القسم 230)، يلزم القانونان المنصات بنوع من العناية الفائقة الواجبة لتقليل المحتوى السيئ إلى أدنى حد ممكن.


يتطلب "قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي" في أوروبا من المنصات الرئيسية على الإنترنت إعداد عمليات للتعامل مع الشكاوى ويطلب منها إخبار المستخدمين بكيفية عمل خوارزمياتها، مما يسمح لهم بتغيير التوصيات التي يتلقونها.

 

وسيتم السماح للمنصات الأصغر، التي تم تعريفها على أنها تلك التي تضم أقل من 45 مليون مستخدم في الاتحاد الأوروبي، بالتخلي عن بعض هذه الالتزامات للحيلولة دون غرقها في الروتين (يحذر بعض المنافسين الكبار من أن هذا قد يجعلها ملاذًا للمواد الضارة). أما بالنسبة لتلك المنصات الكبيرة بما يكفي للتأهل للإشراف الكامل، فيمثل "قانون الخدمات الرقمية عبئًا ماليًا كبيرًا"، كما يقول فلوريان رايلينغ، من شركة القانون "كليفورد تشانس".

 

وهناك تذمر في واشنطن من أنه من بين 19 منصة حددها الاتحاد الأوروبي حتى الآن للتدقيق الأكثر كثافة، هناك منصة واحدة فقط أوروبية –"زالاندو" Zalando، وهو موقع تجارة إلكترونية ألماني.


قد يكون موقع "تويتر"، الذي خفض عدد موظفيه بنحو 80 في المائة منذ تولى السيد ماسك منصبه في تشرين الأول (أكتوبر)، أحد تلك المنصات التي تكافح من أجل تلبية متطلبات "قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي".

 

ويبدو أن السيد ماسك قد أخذ الراية من مارك زوكربيرغ، رئيس "ميتا"، كأعظم شرير في عالم وسائل التواصل الاجتماعي في نظر البعض. في 26 أيار (مايو)، كتب المفوض الأوروبي، تييري بريتون، على "تويتر" أن "تويتر" انسحب من مدونة السلوك الطوعية للاتحاد الأوروبي ضد المعلومات المضللة. وأضاف: "يمكنك الهروب، ولكن لا يمكنك الاختباء".


تتخذ الجهود التشريعية الموازية التي تبذلها بريطانيا شكلاً يجعلها أبعد مدى. وقد تم وضع "مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت" في العام 2019 بعد انتحار شاب يبلغ من العمر 14 عامًا كان قد تناول مواد مسببة للاكتئاب حسب وصفة موصى بها خوارزميًا.

 

وبعد أربعة رؤساء وزراء، تضاعف طول نص مشروع القانون تقريبًا. وتصف شركة تكنولوجيا أميركية هذه المسودة بأنها "واحدة من أعقد مشاريع القوانين التي نواجهها في أي مكان في العالم".


يذهب هذا القانون المقترح أبعد من مطلب الاتحاد الأوروبي فضفاض الصياغة للمنصات بفحص المواد بشكل استباقي. وتقوم الشبكات الاجتماعية الكبيرة بالفعل بفحص مقاطع الفيديو بحثًا عن مطابقات ذات محتوى معروف عن إساءة معاملة الأطفال.

 

ولكن يصعب اكتشاف الجرائم الأكثر دقة، مثل التحريض على العنف، تلقائيًا. ويعني حجم بعض المنصات –يحمّل "يوتيوب" 500 ساعة من الفيديو في الدقيقة- أن شرطًا صارمًا يفرض مشاهدة المحتوى مسبقًا ربما يقلل كمية المواد الجديدة التي يتم تحميلها.


كما هو الحال في أميركا، يشعر المحافظون البريطانيون بالقلق من الإفراط في مراقبة محتوى الآراء اليمينية. ولذلك يفرض مشروع القانون واجب ضمان أن المراقبة "(تطبق) بنفس الطريقة على مجموعة واسعة من الآراء السياسية".

 

وبالمثل، وعد الاتحاد الأوروبي "بحماية وسائل الإعلام من الإزالة غير المبررة لمحتواها عبر الإنترنت" كجزء من قانون حرية الإعلام الأوروبي المرتقب، ردًا على القمع ضد الصحافة الذي يُمارَس في دول أعضاء في الاتحاد مثل المجر وبولندا.


أما الجزء الأكثر إثارة للجدل في مشروع قانون بريطانيا، وهو مطلب يحدد المحتوى "القانوني ولكنه ضار" (على سبيل المثال، المواد التي تشجع على اضطرابات الأكل)، فقد تم إسقاطه عندما يتعلق الأمر بالراشدين.

 

ولكن ما يزال هناك واجب الحد من توافرها للأطفال، وهو ما يعني الحاجة إلى تحقق واسع النطاق من الأعمار. وتقول شركات التكنولوجيا أن بإمكانها تخمين أعمار المستخدمين من أشياء مثل سجل البحث وحركات الماوس، لكن الواجب الصارم للتحقق من عمر المستخدمين قد يهدد إخفاء الهوية.


يشك البعض في أن سبب اعتراض المنصات الحقيقي هو الكلفة. يقول كيلي بلير، كبير مسؤولي العمليات في "أونلي فانز" OnlyFans، وهي منصة تتمحور حول المواد الإباحية والتي تتحقق من عمر مستخدميها ولا ترى لماذا لا يفعل الآخرون الشيء نفسه: "لا أعتقد بأن فكرة (هذا صعب ويكلف نقودًا) تشكل عذرًا".

 

لكنّ بعض المنصات تبقى عنيدة في رفض تغيير رأيها. وتقول مؤسسة "ويكيميديا"، التي تدير موسوعة "ويكيبيديا"، أنها لا تنوي التحقق من عمر المستخدمين.


كلما كانت القواعد أكثر صرامة في ولايات قضائية مثل بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، زاد احتمال أن تلجأ شركات التكنولوجيا العملاقة إلى تقديم خدمات مختلفة هناك بدلاً من تطبيق نفس القواعد في جميع أنحاء العالم. بل إن بعضها يمكن أن تنسحب.

 

ويقول "واتسآب"، تطبيق المراسلة الذي تملكه "ميتا" أنه غير مستعد لكسر تشفيره الكامل للمحادثات من- طرف- إلى- طرف لتلبية مطلب في قانون بريطاني يقضي بأن تقوم الشركات بفحص الرسائل الخاصة بحثًا عن إساءة معاملة الأطفال.

 

وقد لا يصل الأمر إلى هنا: سيسمح مشروع القانون لـ"أوفكوم" (مكتب تنظيم الاتصالات في بريطانيا) بالمطالبة بالبيانات فقط في الحالات التي يحدد فيها أن مثل هذا الإجراء يكون متناسبًا.

 

ومع ذلك، أصبحت التهديدات بحزم الحقائب والرحيل أكثر شيوعًا. في 24 أيار (مايو)، قال سام ألتمان، رئيس شركة "أوبن إيه آي"، أنه سيفكر في مغادرة الاتحاد الأوروبي إذا ذهب تنظيم الاتحاد للذكاء الاصطناعي شوطًا بعيدًا جدًا (ثم تراجع عن تصريحاته لاحقًا).

 

تأثيرات الشبكة


سواء استخدمت بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي النطاق الكامل لسلطاتهما الجديدة أم لا، فإنهما يشكلان سابقة مفيدة للدول التي قد تستخدمها بحرية. وفقًا لـ"مؤسسة الحدود الإلكترونية"، وهي مجموعة للحريات المدنية، فإن مشروع القانون البريطاني، الذي يقترح سجن المديرين التنفيذيين للشركات التي تنتهك القواعد، هو "مخطط للقمع في جميع أنحاء العالم".

 

ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين الأميركيين، منتقدًا، أن ادعاء بريطانيا بأنها "رائدة عالميًا" في مجال التكنولوجيا صحيح فقط من حيث أنها تفتح طريقًا للأنظمة غير الديمقراطية لتمرير قوانينها القمعية الخاصة بها.


وهي ليست في حاجة إلى الكثير من التشجيع. فقد أمرت تركيا موقع "تويتر" بفرض رقابة على المعلومات أثناء انتخاباتها الأخيرة؛ وامتثل المتحمس لحرية التعبير، السيد ماسك، لهذا الأمر.

 

واقترحت البرازيل "قانون الأخبار الكاذبة" الذي من شأنه أن يعاقب الشبكات الاجتماعية لفشلها في تحديد المعلومات المضللة. وعلى غرار التشريعات الأوروبية، أُطلق عليه اسم "قانون الخدمات الرقمية للمناطق الاستوائية".

 

ومن المقرر أن تنشر الهند مشروع قانونًا لتنظيم الإنترنت في حزيران (يونيو)، والذي يقال إنه سيجعل المنصات مسؤولة عن محتوى المستخدمين إذا لم توافق على تحديد هؤلاء المستخدمين وتعقُّبهم عند توجيهها إلى ذلك.


يتمثل التأثير الدولي للاقتراحات البريطانية والأوروبية في إثراء النقاش الدائر في أميركا. يقول ماثيو برنس، رئيس شركة "كلاودفلير" الأميركية للتبادل عبر الإنترنت: "بغض النظر عن مدى اعتقادك بأن الشبكات الاجتماعية تفسد السياسة الأميركية، فإنها كانت مزعزعة بشكل لا يصدق للأنظمة الأخرى التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة".

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: the-speech-police-are-coming-for-social-media