صلاح الحموري.. سجين القدس وتهمته المقاومة

الأسير الفلسطيني السابق صلاح الحموري - (المصدر)
الأسير الفلسطيني السابق صلاح الحموري - (المصدر)

ينشر موقع "أوريان 21" في سلسلته التي تحتضنها دار النشر "ليبرتاليا" شهادة للمحامي الفلسطيني الفرنسي صلاح الحموري حول السنوات العشر التي قضاها في السجون الإسرائيلية.

اضافة اعلان

 

وقد صدر الكتاب الذي يضم شهادته يوم الخميس 31 آب (أغسطس) 2023 في فرنسا. وهذه ترجمة لنص تقديم الكتاب بإمضاء أرميل لابوري سيفان، التي قامت بجمع وكتابة شهادة صلاح الحموري المهمة.
                      *   *   *
بطاقة الكتاب:
المؤلف: صلاح الحموري.
عنوان الكتاب: "سجين القدس. أسير سياسي في فلسطين المحتلّة".

Prisonnier de Jérusalem. Un détenu politique en Palestine occupée
الناشر: "أوريان 21" ودار "ليبرتاليا" للنشر.
الصفحات: 144 صفحة.

                        *   *   *
بمناسبة إشهار الكتاب، دعت جمعية إعادة إدماج المعتقلين التي تنشط في سجن بوميت، صلاح الحموري لحضور عرض لفيلم فلسطيني (1) والمشاركة في لقاء مع مجموعة صغيرة من السجناء الذين على وشك إنهاء مدة عقوبتهم، لا تتجاوز أعمار معظمهم 25 عامًا.

 

وكان أول سؤال طرحه هؤلاء السجناء الشباب، والذي تمت صياغته بمشاركة نشطة من أحد الحراس، يتعلق بالتأثير المفترض لليهود وسيطرتهم المزعومة على دوائر السلطة في الغرب، وهو ما قد يفسر، وفقًا لهم، تَسَاهُل المجتمع الدولي مع السياسات الإسرائيلية.

 

وكان ردّ صلاح الحموري واضحًا وقويًّا. فمن خلال التذكير، من بين أمور أخرى، بأن المسلمين واليهود والمسيحيين الفلسطينيين كانوا يعيشون في وئام قبل الاستعمار البريطاني، أظهر أنه لا يمكن قبول أي ملاحظات عن معاداة السامية، وأن الإشكال سياسي ويجب أن يظل سياسيا.


على الرغم من ذلك، كانت هناك شرذمة يزعمون أنهم يمثلون اليهود الفرنسيين اتهموه "بنقل كراهية إسرائيل إلى أراضينا" وبـ"تهديد الجالية اليهودية".


يواصل صلاح الحموري، الذي يُدرك تمامًا ضرورة التصدي للجهل، التعبير عن نفسه علنًا. وهو يقوم بذلك في كل مرة بهدوء ودقة ودراية بطرق إيصال الأفكار. سلاحه الكلمة.

 

كان ذلك هو واقع الحال منذ شبابه في القدس، حيث كان مناضلاً في نقابات طلبة الثانوية واتحادات الطلاب. ثم في السجن، حيث انتظمت سنوات احتجازه حول التدريس والمناقشات. وبعدها كمحام يدافع عن حقوق السجناء الفلسطينيين في المحكمة، أو في جمعية لحقوق الإنسان.

 

وأخيرًا، يواصل صلاح اليوم، وهو المنفيُ في أوروبا، الإدلاء بشهادته، يشرح ويخبر من دون الاستسلام للترهيب أو التهديد.


هذا هو ذنبه في نظر السلطات الإسرائيلية ومؤيّديها: رفضه الخضوع لقوانين الاحتلال، ومقاومته لها، والإدلاء بشهادته حولها. ولهذا السبب، تعرّض صلاح للمضايقة والمحاكمة ثم الإدانة، وأصبح سجينًا سياسيًا (في إسرائيل، لا يُقال "سجين سياسي" وإنما "سجين أمني")، وتم إبعاده بعد ذلك.


يعيش صلاح اليوم في المنفى بعيدًا عن بلده. وللحصول على شهادته بعد أسابيع قليلة من وصوله إلى فرنسا، كان من الضروري التغلب على صعوبة إنسانية أساسية، وإقامة علاقة قائمة على الثقة مع شخص تحمّل استنطاقًا مستمرًّا من قبل عملاء الشاباك (الشين بيت) (2).

 

فمن البديهي أنه لا يمكن لإنسان قضى نصف حياته كشخص بالغ في السجن ألا يعاني من آثار لاحقة. كان علي، في كل لقاء عمل معاً، أن أطرح أسئلتي على رجل تعرض للاستنطاق؛ رجل حاولوا كسر قدرته على الثقة في الغير، وحريّته في إظهار مشاعره خارج السجون الإسرائيلية.

 

كان يتعيّن عليّ أن أترجم بطريقة وفيّة خطاب شخص نادرًا ما يتحدث بصيغة المتكلم المفرد، بل يفضل استخدام صيغة الجمع وعبارة "نحن الفلسطينيين".

 

شيئًا فشيئًا، استرجعنا سويًّا تسلسل الأحداث، ووضعناها في إطار أشمل لتاريخ البلاد. ويقدّم هذا الكتاب سردا في شكل الحاضر الدائم، حيث لا يمكن فعلاً محو عشر سنوات قضاها شخص في المعتقل، خاصة وأن العديد من الرفاق الأسرى ما يزالون يقبعون في السجون.

 

على عكس مذكّرات السجناء التي تُكتب لاحقًا، يتعلّق الأمر هنا بحدث ما يزال مستمرًّا. وهذا أحد أسباب عدم تضمين هذا الكتاب بعض المعلومات المتعلقة بأساليب البقاء (على قيد الحياة) للسجناء أو طرق تواصلهم لأنها ما تزال تخص آلاف المعتقلين الفلسطينيين، وكذلك أولئك الذين ما يزالون يتعرضون للاعتقال والسجن كل يوم.

 

يوجد حاليًّا 5.000 سجين سياسي فلسطيني، من بينهم 1.083 في الاعتقال الإداري (أي الاحتجاز من دون تهمة أو محاكمة ولمدة غير معروفة). وفي المجمل، تم سجن أكثر من مليون فلسطيني منذ العام 1948 (3)، من بينهم أسرى القدس الذين يخضعون لقانون خاص يعيد إنتاج النظام المعقد الذي أقامته السلطات الإسرائيلية للتعامل بطرق مختلفة مع فلسطينيي الضفة الغربية، وغزة، والقدس، والمقيمين داخل أراضي 1948 والسوريين في الجولان المحتل.


مثل جميع الفلسطينيين في القدس، لا يحمل صلاح الحموري جنسية فلسطينية، وإنما يحمل فقط تصريح إقامة. لكنه فرنسي من خلال والدته. وهذه الجنسية التي كان يمكن أن تكون ميزة نافعة تحوّلت إلى عبء لأن السلطات الإسرائيلية جعلت قضيته نموذجية بهدف ترهيب السكان الخاضعين للاحتلال في فلسطين وتحدي الدبلوماسية الفرنسية.

 

وهذا هو السبب الذي يجعل من قصته ليس رمزًا للاضطهاد والمضايقات السياسية التي يعاني منها الفلسطينيون فحسب، بل أيضاً إلى الضعف -إن لم نقل الجُبن- الذي تتسم به وزارة الخارجية الفرنسية عندما يتعلق الأمر بالتدخّل في إسرائيل.


بصفتي فرنسية، أي أنني أتشارك مع صلاح هذه المواطنة، لا يسعني إلا أن أعبّر عن استنكاري للطريقة التي تعاملت بها فرنسا مع قضيته. إنني أعرف إسرائيل جيّدًا، لأسباب شخصية.

 

وأعلم أن الصمت هناك هو، من نواحٍ عديدة، وسيلة لتجاهل حقائق الاحتلال والاستيطان، سواء بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم أو للزوار. وللأسف، يسود هذا الصمت أيضًا في إطار العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. كان بإمكان فرنسا -بل وكان ينبغي عليها- حماية صلاح الحموري عندما تعرض للمضايقة من قبل الشرطة والعدالة العسكريتين التابعتين لقوة محتلة، ثم عندما حوكم وسُجن لأكثر من عشر سنوات، منها عدة سنوات قضّاها من دون تهمة أو دليل أو محاكمة.


في مواجهة هذا الصمت الذي يرقى إلى التواطؤ، يشهد صلاح الحموري بلا كلل على ضرورة المقاومة. إنه مثل أشجار الصبّار في القرى الفلسطينية التي دُمّرت في العام 1948، التي تعود لتنمو مرارًا وتكرارًا في تذكير صارخ بالتاريخ لمن تسوّغ له نفسه نسيانه.


*أرميل لابوري سيفان: مترجمة ومدققة لغوية ومؤلفة. تعمل منذ عدة عقود في صناعة أفلام تتعلق بقضايا الشرق الأوسط. نشرت مع المخرج إيال سيفان كتاباً حول المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل  (2016)


هوامش:


(1) إطار "مهرجان سينما فلسطين"، الذي يقدم برنامجا ممتازا للأفلام الفلسطينية كل عام، في منطقة إيل دو فرانس وعاصمتها باريس ومرسيليا.


(2) جهاز الأمن العام الإسرائيلي.


(3) المصدر: "مؤسسة الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.

*صلاح حموري: (ولد في تاريخ 25 أبريل 1985 [1] لأم فرنسية وأب فلسطيني) هو محام فلسطيني-فرنسي وباحث ميداني في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان. [2] تم منع زوجته -وهي فرنسية الجنسية- منذ تاريخ يناير 2016 من دخول إسرائيل أو الضفة الغربية المحتلة لزيارته.

أعتقل حموري العام 2005 بتهمة التخطيط لإغتيال عوفاديا يوسف، مؤسس الحزب اليهودي المتطرف شاس، وهو أيضا الحاخام الأكبر السابق لليهود السفارديون في إسرائيل.

 

وبعد أكثر من 3 سنوات تحت قيد الإعتقال دون منحه أي محاكمة، [4] وبناءً على نصيحة محاميه ، قام صلاح بالإعتراف بالذنب ، رغم إحتجاجه على براءته، في صفقة تسوية قضائية من أجل تجنب عقوبة السجن لمدة 14 عامًا ، وبالتالي حكمت عليه محكمة عسكرية بـمدة 7 سنوات في السجن.[3]


أطلق سراح حموري في صفقة تبادل الأسرى مقابل عودة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط في شهر ديسمبر العام 2011.[5]


وُضِع حموري مرارًا وتكرارًا بصورة إجبارية تحت نظام الإعتقال الإداري - والذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه إنتهاك جسيم لحقوق الإنسان"[6] يعتبر صلاح حموري أسير الفكر والرأي الحر.

 

اقرأ المزيد في ترجمات