لا ينبغي لكندا أن ترحب بمنكري النكبة: احتجاجا على حديث كارولين غليك في تورنتو‏

‏مظاهرة مؤيدة لفلسطين في تورنتو، كندا - (المصدر)‏
‏مظاهرة مؤيدة لفلسطين في تورنتو، كندا - (المصدر)‏
‏‏‏بول سالفاتوري*‏ - (ذا بالستاين كرونيكل) 3/3/2023 ترجمة: علاء الدين أبو زينة في شباط (فبراير)، نظمتُ مظاهرة صغيرة للاحتجاج على حديث أدلت به في تورنتو منكرة النكبة الفلسطينية، المؤلفة الإسرائيلية ‏‏كارولين غليك‏‏. وليس من المفاجئ أن "المؤسسة ‏‏الكندية للتعليم عن معاداة السامية" (CAEF)‏‏ -وغيرها من الجماعات اليمينية القومية المتطرفة الإسرائيلية التي تدعم مثل هذا الإنكار- تنشر زورًا وجهة النظر القائلة بأنه لم يتمّ تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم من أجل إقامة الدولة الإسرائيلية في العام 1948، في حين أنه تم ذبح ما يقرب من 15 ألف فلسطيني لنفس السبب.‏ ومثل غليك، يذهب البعض إلى حد القول بأن الإسرائيليين، وليس الفلسطينيون، هم السكان الأصليون للأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل بشكل غير قانوني. وفي كتابها المليء بالتاريخ المزيف "الحل الإسرائيلي: خطة الدولة الواحدة للسلام في الشرق الأوسط" The Israeli Solution: A One-State Plan for Peace in the Middle East، كتبت غليك:‏ ‏ "إذا اعترفوا (الفلسطينيون) بصحة الجذور اليهودية للمنطقة، فإنهم سيضطرون إلى الاعتراف بأن اليهود، وليس العرب/ الفلسطينيون هم السكان الأصليون للأرض...‏ ‏"بالنسبة للفلسطينيين، حتى الاعتراف الأكثر أساسية بالواقع – أن إسرائيل هي دولة يهودية– يهدد صرح أكاذيبهم بالكامل. يجب على المرء أن يرفض الاعتراف بوجود الشعب اليهودي، كما يقولون، لأنه بمجرد الاعتراف بالشعب اليهودي، فإنك تعترف بالضرورة بتاريخه، وهذا بدوره يتطلب منك الاعتراف بأن اليهود هم الأمة الوحيدة التي كانت أرض إسرائيل وطنًا لها، والشعب الوحيد على الإطلاق الذي كانت القدس عاصمة له".‏ ‏ في المساء الذي نُظمت فيه المظاهرة، كانت هناك عاصفة ثلجية سيئة. وكان الجو باردًا جدًا أيضًا. لم أكن متأكدًا من عدد الناس الذين ربما يحضرون بالضبط. لكن ثلاثة من حلفاء الفلسطينيين جاؤوا حقًا. وباستثنائي، كنا جميعا يهودا. ويبدو أن هذا قد أربك بعض الحاضرين الذين لم يتمكنوا من فهم ذلك، نعم، بعض اليهود لا يدعمون - ويفعلون ذلك محقين- الدولة الإسرائيلية ويتضامنون مع فلسطين، بحكم إنسانيتنا المشتركة.‏ ‏ يجب التأكيد على أنه عندما يتعلق الأمر بمثل هذا التضامن، فإن إنسانيتنا المشتركة أيضًا، التي ينبع منها الدافع الكوني للوقوف ضد الاضطهاد بجميع أشكاله، هي الأكثر أهمية.‏ ‏ لنفس السبب، أجبت أحد حراس الأمن في الحدث عندما استفسر (ساخرًا منا) عما إذا كنتُ يهوديًا: "ما أهمية ذلك"؟ في الحقيقة، إذا كنت تهتم بضمان الكرامة لجميع الناس في هذا العالم، فإنك ستقف إلى جانب فلسطين. إنك لن تقف إلى جانب إسرائيل التي تضطهد الفلسطينيين لمجرد كونهم فلسطينيين.‏ ولا يعتمد اتخاذ هذا الموقف مطلقًا على مسائل الإثنية أو الدين أو العرق. إنه شيء متجذر في -وتعبير عن- الاحترام الحقيقي لكل حياة بشرية. وهذا هو السبب في أن شكوى إسرائيل التي كثيرًا ما يتم الاستشهاد بها، من أن تحديها أو معارضتها هي "معادية للسامية"، هي حجة زائفة تمامًا.‏ ‏ لم نكن قد وقفنا خارج المكان الذي يستضيف الحدث لفترة طويلة جدًا. أقل من ساعة. ولكن خلال ذلك الوقت بدا أن معظم الناس الذين يحضرون الحدث كانوا يأتون إلينا، وكان هناك الكثير منهم. كان عددهم بالتأكيد يفوق عددنا ويستطيع أي شخص يرانا أن يدرك ذلك على الفور. ويبدو أن هذا قد شجع أولئك الذين عارضوا موقفنا العام المناهض للفصل العنصري في إسرائيل، ناهيك عن معارضة غليك نفسها.‏ ‏ كانت إحدى الطرق التي تجلى بها ذلك هي الطريقة التي خاطبَنا بها الحاضرون في كثير من الأحيان، بالتحديد بالحقد والازدراء. شتمَنا الناس، وأطلقوا علينا أوصافًا مثل "الحثالة" و"الإرهابيين". لم يكن علينا حتى أن نقول أي شيء لهم حتى يهاجمونا بهذه الطريقة. في معظم الأحيان، ظللنا واقفين بصمت أثناء المظاهرة. ولكن، كانت اللافتات التي حملناها تضامنًا مع فلسطين، ضد غليك والقمع الإسرائيلي، كافية لإثارة غضب مهاجمينا.‏ ‏ بمعنى ما، لا شيء من هذا كان مفاجئًا. فـ"المؤسسة الكندية للتعليم عن الهولوكوست" وأولئك الذين يدعمونها معادون للفلسطينيين. وكنا وكأننا نخرب خططهم من خلال الاحتجاج في حدثهم، حيث كانوا يتوقعون رؤية غليك تردد مشاعرهم وأفكارهم التي "تبرر" الأذى الذي تلحقه إسرائيل بالفلسطينيين، من دون أن يتم تذكيرهم بخطأ هذا السلوك. لا أحد يريد أن يعتبر نفسه داعمًا للأذى، ناهيك عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل بشكل روتيني ضد الشعب الفلسطيني.‏ ومع ذلك، كانت هناك لحظتان خلال المظاهرة فاجأتاني، كما ينبغي أن أعترف. الأولى كانت عندما أعربت سيدة عن عدم تصديقها التام -كما لو أنها اكتشفت سرًا مقلقاً بدلاً من إدراك ما هو معروف الآن على نطاق واسع- أن الفصل العنصري الإسرائيلي موجود.‏ ‏ "هل أنتم مجانين"؟ سألتنا، بعد أن لاحظت لافتة مناهضة للفصل العنصري ومعادية لإسرائيل كان أحدنا يحملها. "المدن الوحيدة التي لا تسمح بدخول الآخرين هي المدن العربية التي تقول 'لا يُسمح بدخول اليهود'".‏ ‏ لكن ما يحدث في الواقع هو أن إسرائيل تحظر على الفلسطينيين المغامرة بالتواجد في أي مكان بالقرب من أجزاء معينة من المدن، أو بشكل أعم، في مناطق جغرافية داخل الأراضي المحتلة وخارجها. وكما ‏‏تقول منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية‏‏:‏ ‏ "أدت القيود المفروضة على التنقل داخل الضفة الغربية إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الفصل بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين. تم بناء شبكة من الطرق الرئيسية لخدمة المستوطنين على الأراضي المصادرة من الفلسطينيين. وتمنع إسرائيل الفلسطينيين تمامًا من استخدام نحو 40 كيلومترًا من هذه الطرق، بما في ذلك نحو ثمانية كيلومترات من شارع 443 ونحو سبعة كيلومترات داخل مدينة الخليل، بالقرب من المستوطنات المقامة هناك. وهناك 20 كيلومترًا أخرى من هذا الطرق محظورة جزئيًا على الفلسطينيين".‏ ثمة تذكير حديث واضح بهذا الواقع، شاركه المدافع الفلسطيني عن حقوق الإنسان، عيسى عمرو، في مقابلة مع موقع "‏‏الديمقراطية الآن"!‏‏ حيث يروي تعرضه للاعتداء من قبل جندي إسرائيلي (من دون أي استفزاز من طرفه على الإطلاق) حتى بينما كان عمرو حريصًا على عدم السير في المناطق المخصصة بشكل صارم للإسرائيليين.‏ ‏ كان الحدث الثاني المفاجئ هو الالتقاء برجل حضر الحدث، والذي قال لنا، بصراحة ومن دون أي ندم: "هؤلاء الذين يسمون بـ"الفلسطينيين" ليسوا مجموعة عرقية متميزة. إنهم محتلون استعماريون".‏ كنتُ على دراية تامة بالمدافعين عن إسرائيل الذين ينكرون أن الدولة ترتكب جرائم ضد الإنسانية وتضطهد الشعب الفلسطيني.‏ ومع ذلك، حتى التقيتُ بهذا الرجل، لم أكن قد سمعتُ أبدًا الإشارة إلى الفلسطينيين بهذه الطريقة الغرائبية السخيفة (والمهينة للغاية) على أنهم "محتلون استعماريون"، كما لو أن منازلهم- التي يتعرضون باستمرار لخطر الإخلاء غير القانوني منها على يد إسرائيل- كانوا قد استولوا عليها بالقوة. فكرتُ: من أين كان هذا الشخص يحصل على "تاريخه"؟ أين يوجد ما يقوله موثقًا في أي مصدر شرعي؟ منذ متى وهو يصدق هذه الكذبة، ولماذا لم يصححه أحد في المجتمع الكندي، الذي يدافع عن نفسه كمجتمع حر يرحب بتعدد وجهات النظر؟‏ ‏ ثم مرة أخرى نعلم ونستنير جيدًا من خلال تقرير "الأصوات اليهودية المستقلة" المعنون: "كشف ‏‏النقاب عن البرودة: قمع‏‏ التعبير عن فلسطين في كندا" (تأليف شيريل نستل وروان جوديت)، عن أن كندا ليست مكانًا مضيافًا للحديث عن الحقيقة عندما يتعلق الأمر بفلسطين، بما في ذلك في الجامعات التي من المفترض أن تكون نماذج لحرية التعبير والحوار.‏ يذكّرني جهل الرجل بـ‏‏"ريغافيم‏‏"، المجموعة الاستيطانية المؤيدة لإسرائيل التي تقدم التماسًا إلى الحكومة الإسرائيلية تطالب فيه بالإسراع في إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في الضفة الغربية، والتي زارت تورنتو في أواخر العام الماضي لحشد التأييد لمثل هذا الإجرام (كتبت عن تجربتي، في ذلك الوقت، في حضور إحدى ‏‏مناسباتها ثم الاحتجاج على تلك المناسبة،‏‏ ‏‏لهذا المنشور).‏ ‏ مثلما هو الحال مع "ريغافيم"، كانت نظرته للواقع معكوسة بحيث أن الفلسطينيين، وليس الإسرائيليون، هم الذين يمارسون الاحتلال بشكل غير قانوني، أو، كما سمعت في حديث "ريغافيم" الذي ذهبت إليه، "يجثمون" على أرض لا تخصهم. وليس هذا شيئًا منافيًا للعقل فحسب؛ شيئًا يمكننا أن نتجاهله ونرفضه باعتبار أنه يتعارض تمامًا مع الحقيقة بحيث أنه لا يستحق أي اهتمام. إنه بالأحرى شيء يلعب دورًا في الخطاب الإسرائيلي القومي المتطرف أو الصهيوني الأكبر، بالتحديد إنكار أصلانية الفلسطينيين في فلسطين.‏ ‏ إن إقناع الناس بهذا الادعاء، الذي يتضاءل احتمال تصديقه باطراد لأن العالم، لحسن الحظ، يتعلم ويفهم التاريخ الفعلي لفلسطين، يجعل من السهل عليهم رؤية إسرائيل على أنها "الشخص الطيب" أو "الضحية" أو "الطرف المضطهَد" بدلاً من إدراك ما هي حقيقتها فعليًا: قوة استعمارية عاكفة على محو فلسطين. وللأسف، من المنطقي أن يحضر أشخاص مثل الرجل المذكور أحاديث غليك. إن ما يشتركون فيه جميعًا هو المصلحة في نشر المعلومات المضللة على الملأ أو تأييدها لجعل عملية المحو هذه أسهل. فبعد كل شيء، إذا كانت فلسطين هي "المستعمِر"، فعندئذٍ أي عاقل سيحتج على تصرف إسرائيل من أجل "تأمين" نفسها من فلسطين، بالعنف حيثما كان ذلك لازمًا؟‏ ‏ علمتني دراسة الفلسفة -ليس الطرق المختلفة للنظر إلى العالم فحسب، وإنما غرست في داخلي موقفًا معينًا جسده سقراط كلاسيكيًا: إياك أن تفترض أبدًا أنك تعرف دائمًا، وكُن صادقًا مع نفسك بشأن جهلك الخاص. ويمكن أن يكون هذا الموقف بالتأكيد صعبًا بالنسبة لنا. ليس من السهل التفكير، لوقت طويل على الأقل، في كم من الفجوات تعتور معرفتنا، ونتمسك بمعتقدات خاطئة (ربما نطرحها ذات يوم، محرَجين، بعد أن نصبح أكثر استنارة) ونفخر بامتلاك الوصول إلى "الحقيقة" -المعقدة للغاية بالنسبة للآخرين- لكنها في الواقع خاطئة أو مجرد أسطورة.‏ إن ‏الانخراط في التفكير العميق الذي يساعدنا على إدراك هذا هو شيء جيد، لأنه يسمح لنا بالوصول إلى فهم أفضل لمحدوديتنا الفكرية. ومع ذلك، عندما تقوم بتوجيه مثل هذا النشاط أو بتحديد محتواه جهات فاعلة غير شريفة، مثل غليك التي تشوه الحقيقة حول فلسطين وإسرائيل على حد سواء، فإنه قد يتم إقناعنا بقبول وجهات نظر خاطئة -مما يدفعنا بعيدًا عن الفهم، سواء كانت المحدوديات المذكورة أو غير ذلك، ويجلبنا أقرب إلى الباطل.‏ كان في هذا الاتجاه، كما أعتقد، حيث كانت إحدى الحاضرين في الحدث تحاول توجيه بعض زملائي المتظاهرين. سألَتهم عما إذا كانوا على استعداد لحضور الحدث و"تعلُّم" ما لم يكونوا يعرفونه في السابق. وكانت امرأة أخرى قد طرحت سؤالاً مشابهًا على زميل متظاهر آخر في ‏‏احتجاج إيروين كوتلر**‏‏ الذي كنتُ قد نظمته قبل عدة أسابيع.‏ ‏ الافتراض هنا هو أننا، كمؤيدين للفلسطينيين، جاهلون بطريقة ما، وأن الحقيقة حول فلسطين وإسرائيل على حد سواء يمكن العثور عليها داخل المكان الذي يدعوننا إليه، حيث تمتنع الأحداث (محاضرة، عرض فيلم يتبعه حوار على طريقة سؤال وجواب، وما إلى ذلك) تمامًا عن مناقشة تاريخ فلسطين -أو، إذا ما تم طرحه، فإما تشويهه أو إنكاره.‏ بدا الأمر كما لو أننا، من الناحية الدينية، في حاجة إلى "الخلاص" من كوننا مؤيدين للفلسطينيين- كنتيجة لعدم دراستنا ما يكفي من النسخة الصهيونية للتاريخ التي تؤطر الفلسطينيين على أنهم "غير متحضرين"، و"إرهابيين"، وتأطير مؤيديهم على أنهم بالضرورة "معادون للسامية".‏ ‏ لا يهم المبشر الصهيوني أن المرء ربما يكون على دراية جيدة بالحقائق، وفقًا لما قامت بتوثيقه الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية ذات المصداقية في جميع أنحاء العالم، والتي تشير مباشرة إلى إجرام إسرائيل. بالنسبة لهم، لا يمكن لإسرائيل أن تفشل أبدًا في أن تكون "جيدة"، وفلسطين "سيئة". هذه القسمة تحكم الكثير من تفكيرهم، وبنفس الطريقة، تكون السبب في أنهم ينظرون إلينا، كحلفاء صريحين لفلسطين، على أننا خاطئون. سيكون الفلسطيني وحليفه دائمًا "مشكلة" بالنسبة لهم، لأنهم يعززون الوعي بالحقائق المادية (مثل تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم) وليس التصورات الوهمية (على سبيل المثال، الحديث عن الإسرائيليين كسكان أصليين في المناطق الجغرافية التي يحتلونها بشكل غير قانوني). ومن المثير للاهتمام أن وجهة النظر غير العلمية هذه تتوافق بشكل جيد مع عقلية السيدة التي دعت المتظاهرين إلى حضور الحدث. لقد أخبرتهم بأنهم يتلقون التطعيم ضد "كوفيد- 19" كـ"دليل" على صغر عقولهم.‏ ‏تنطوي الدعوات مثل تلك التي وجهتها هذه السيدة على عنصر غرائبي أيضًا. إنها شبيهة بشخص مدان -من خلال إجراءات محكمة عادلة فعلًا وبأدلة موثوقة للغاية– لكنه يطلب من الآخرين الامتناع عن الحكم عليه، كما لو كانت الحقيقة حول ما فعله، وشخصيته الأخلاقية، والجريمة التي ارتكبها، وما إلى ذلك لم تخرج إلى دائرة الضوء مسبقًا أثناء الإجراءات. لماذا يحتاج أي أحد لديه معرفة بمثل هذه الحقائق إلى تعليق الحكم؟ ما هي الوظيفة أو الغرض الذي يمكن أن يخدمه ذلك، سوى محاولة المدانين- إذا أتيحت لهم الفرصة- إقناع جمهورهم بتبني سرد قائم على الأكاذيب والمعلومات المشكوك فيها واللا-حقائق؟‏ إن السماح لحديث غليك والمناسبات المماثلة التي يدلي فيها آخرون بأحاديث مشابهة بأن تقام في تورنتو علنًا وعلى الملأ، من دون أي اهتمام إعلامي رئيسي بملاحظتها، يقول إن المدينة، أولاً، ما تزال غير آمنة للفلسطينيين، وثانيًا، أنها المكان حيث يتم التسامح مع العنصرية المعادية للفلسطينيين. تخيل لو أن غليك كانت منكرة للهولوكوست بدلًا من أن تكون منكرة للنكبة. لا شك في أنها كانت ستدان من قبل وسائل الإعلام الرئيسية، والمسؤولين المنتخبين، وسوف يُنتقد المكان الذي استضافها بشدة– وعن حق. يجب أن نأخذ إنكار الهولوكوست على محمل الجد لأنه يشجع المعادين للسامية والأيديولوجيين النازيين. ليس هناك بالتأكيد مكان لذلك على الإطلاق.‏ وينبغي أيضًا أن يُؤخذ إنكار النكبة بنفس الجدية التي يؤخذ بها إنكار الهولوكوست. ومع ذلك، نادرًا ما نرى مثل ذلك. على سبيل المثال، نادرًا ما تتحدث وسائل الإعلام الرئيسية عن إنكار النكبة، وتواصل مجموعات مثل "المؤسسة الكندية للتعليم عن الهولوكوست" تأييد هذا الإنكار من خلال ما تنشره على موقعها على الإنترنت، فضلاً عن الأحداث العامة التي تستضيفها علنًا.‏ ‏ وهذا يشجع العنصريين المعادين للفلسطينيين -سواء كانوا صهاينة أو مسيحيين إنجيليين، أو أيًا يكُن الذي لديك- على الترويج لرؤية للعالم حيث الإرث المستمر للنكبة، من القصف الإسرائيلي وحصار غزة إلى تدمير الدولة للزراعة الفلسطينية وإخلاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، هو ببساطة شيء "خيالي" (ناهيك عن كونه إجراميا). ‏ وهذا أكثر من مجرد كذبة قاسية. إن التقليل من شأن معاناة الناس إلى الحد الذي ترفض فيه الاعتراف بحدوثها، مع العلم جيدًا بأنها تحدث، وعلى يد قوة قمعية، يعني في الوقت نفسه احتقارهم وتجريدهم من إنسانيتهم.‏ ‏ إذا كانت كندا صادقة في نية المساعدة على تحقيق العدالة للفلسطينيين، فعليها أن تلتزم بتمويل وسائل الإعلام العامة التي تغطي بشكل روتيني اتجاهات إنكار النكبة. ويشمل ذلك بالطبع الأحداث، مثل مشاركة غليك في تورنتو، التي تضم مروجي هذا الخطاب، بينما تسلط الضوء (بشكل أكثر عمومية) على العنصرية المدمرة ضد الفلسطينيين التي تحفزهم. وفي الوقت الحاضر، هذا شيء تفشل هيئة الإذاعة الكندية (CBC)، محبوبة الليبراليين و"التقدميين"، في القيام به -على الرغم من كونها المصدر الإعلامي الرئيسي الممول من القطاع العام في كندا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن من المصلحة العامة الكندية معرفة أن إنكار النكبة ينتشر في مناطق معينة من المجتمع الكندي، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الجزء الشمالي من تورنتو، حيث كنت أكتب عنه. ومثل هذا الإنكار يضر من دون داع بأي مجتمع لائق، ولذلك يحق للكنديين معرفة أين يوجد حتى يتمكنوا من تحديه بشكل صحيح ومنعه من إلحاق المزيد من الضرر.‏ ‏ إن الصمت المحيط بإنكار النكبة لا يقلل من شأن التاريخ الفلسطيني فحسب، بل يؤثر على الكيفية التي يتردد بها صدى النكبة اليوم، من خلال المعاناة التي لا معنى لها والموت والصدمة لعدد لا يحصى من الفلسطينيين –كل ذلك على أيدي الدولة الإسرائيلية. لا يمكن السماح لوسائل الإعلام العامة بإبقاء ذلك في الظلام، وهي التي يتمثل دورها، في جزء كبير منه، في تقديم صورة شاملة للعالم الذي نعيش فيه، مهما كانت وسائل الإعلام التجارية أو الخاصة قاصرة عن ذلك.‏ عندما يتعلق الأمر بإنكار النكبة، فإن هذه الصورة بالتأكيد لن تتملق أمثال غليك. لكن هذا شيء جيد. ليست ثمة حقيقة في العنصرية المعادية للفلسطينيين.‏ ثمة الكراهية، فحسب.‏ *بول سالفاتوري Paul Salvatori: صحفي مقيم في تورنتو وناشط مجتمعي وفنان. يتضمن الكثير من عمله حول فلسطين التثقيف العام، مثل سلسلة المقابلات التي أنشأها مؤخرًا، "فلسطين في المنظور" (‏‏بودكاست الغرفة المظلمة‏‏)، حيث يتحدث مع الكتاب والعلماء والناشطين. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Canada Should Not Be Welcoming Nakba Deniers: Protesting Caroline Glick’s Talk in Toronto [caption id="attachment_1323178" align="alignnone" width="750"]الطريق 4370 أو الطريق 4370 أو "طريق الأبارتيد" لليهود حصرياً في الضفة الغربية المحتلة - (أرشيفية)[/caption] هامش المترجم: ‏ ** مظاهرة نظمها مؤخرًا باول سالفاتوري خارج مسرح تورنتو، للاحتجاج على عرض فيلم وثائقي غير أمين - ‏‏أول من يقف: ‏‏حالات وأسباب إيروين كوتلر‏‏ - الذي كان يُعرض في الداخل.‏ وكان الوثائقي عن وزير العدل السابق والنائب العام لكندا، الأستاذ والمحامي إيروين كوتلر، أحد منكري النكبة الفلسطينية. ومع ذلك، يقدم الفيلم كوتلر على أنه "بطل" لحقوق الإنسان، وهو ما لا يمكن أن يكون عليه أي منكر للنكبة. لسنوات كان كولتر يروج للرأي القائل بأن النكبة، كما يفهمها المؤرخون في جميع أنحاء العالم ويعترف بها رسميا ‏‏قرار الأمم المتحدة‏‏ العام الماضي، هي في الواقع خيال.‏ وبقيامه بذلك، فهو جزء من ثقافة فرعية عالمية أكبر، إذا صح التعبير، من العنصريين، الذين يسعون إما إلى التقليل من خطورة النكبة أو، مثل كوتلر، محوها كحقيقة تاريخية. وفي المقابل، فإنهم يستخفون بشكل مؤسف بإرث المعاناة والصدمات الفلسطينية الناجمة عن النكبة نفسها، والتي -كما نرى على وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا– ما تزال مستمرة من خلال التطهير العرقي العنيف الذي تقوم به إسرائيل ضد فلسطين، والذي يتم تنفيذه مع الإفلات من العقاب (على سبيل المثال، عدم فرض عقوبات على إسرائيل من قبل القوى الغربية).‏ اقرأ المزيد من ترجمات
[caption id="attachment_1323175" align="alignnone" width="750"]‏الكاتبة الإسرائيلية العنصرية كارولين غليك - (المصدر)‏ ‏الكاتبة الإسرائيلية العنصرية كارولين غليك - (المصدر)‏[/caption]اضافة اعلان