لماذا تريد الجزائر منع الحرب في النيجر؟ ‏

1695812093968258900
‏مهاجرون يتجمعون على الحدود الجزائرية النيجيرية - (أرشيفية)

‏إميلي ميليكين‏‏؛ وجورجيو كافيرو‏ - (ريسبونسيبل ستيتكرافت)19/3/2023

الجزائر تسوِّق خطة لاستعادة الديمقراطية بعد الانقلاب في نيامي ودرء حدوث تدخل عسكري أجنبي‏ في النيجر. وتهدف الخطة المقترحة المكونة من ست نقاط إلى "صياغة ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر من دون استبعاد أي طرف" خلال فترة الستة أشهر، ‏‏وفقًا لكبير‏‏ الدبلوماسيين الجزائريين، الذي أجرى أيضًا اتصالات مع أعضاء المجلس العسكري في النيجر، فضلاً عن القادة المدنيين النيجيريين. ويجب أن تتولى الإشراف على هذه العملية "سلطة مدنية تقودها شخصية توافقية".

                          *   *   *
‏تسبب ‏‏الانقلاب‏‏ العسكري الذي شهدته النيجر في 26 تموز (يوليو)، والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، في خلق وضع مضطرب. ففي حين تهدد فرنسا و"المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس) بالقيام بعمل عسكري ضد "المجلس العسكري" في النيجر تحت ستار حماية المنشآت الدبلوماسية والعسكرية ‏‏الفرنسية‏‏ ‏‏واستعادة‏‏ النظام الدستوري في البلاد، فإن الأزمة تنطوي على خطر التصعيد والتحول إلى صراع إقليمي.‏

اضافة اعلان


لدى كل من جيران النيجر السبعة مجموعة فريدة من المصالح والمنظورات المعلقة بوضع النيجر. وتركز الجزائر، التي تشترك مع النيجر في حدود ‏‏طولها 620‏‏ ميلاً، على تعزيز الاستقرار في البلد الجار والعودة إلى النظام الدستوري، مع منع القوى الأجنبية من انتهاك سيادة البلد.‏


‏تشعر الجزائر بالقلق من إمكانية انسياب عدم الاستقرار وامتداده إلى البلدان المجاورة (بما في ذلك الجزائر نفسها)، وكذلك من المتطرفين العنيفين الذين يستغلون الاضطرابات في النيجر. وما تزال ذكريات الجزائر عن "‏‏العشرية السوداء‏‏" (1991 - 1999)، التي أدى فيها التمرد الجهادي والحملة المضادة التي قادتها الدولة إلى الكثير من إراقة الدماء، حية في أذهان الجزائريين. ولا يوجد جزائري يعتبر السلام والاستقرار في الداخل أمرًا مفروغًا منه.‏


في تصريح لمجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت"، قال غوردون غراي، السفير الأميركي السابق في تونس: "إن مسؤولي الأمن القومي في الجزائر منشغلون مُسبقًا بسبب التوترات المتزايدة مع المغرب إلى الغرب، واستمرار عدم الاستقرار في ليبيا إلى الشرق، وتدهور الوضع الاقتصادي في تونس إلى الشرق أيضًا. وعدم اليقين القادم من الجنوب، أي على طول الحدود مع النيجر، هو تطور إشكالي آخر سيحتاجون إلى التعامل معه".‏


‏في العام 2012، ‏‏سيطرت‏‏ ثلاث جماعات إرهابية جهادية متشددة –"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، و"أنصار الدين"– على ثلثي مالي، بما في ذلك الأراضي المتاخمة للجزائر. ويشعر الجزائريون بالقلق من قدرة هؤلاء المتطرفين المسلحين على تهديد أمن الجزائر.

 

كما زادت ‏‏أزمة الرهائن في عين أميناس‏‏ التي حدثت في العام 2013 من فهم الجزائر لضعفها أمام الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية التي تعمل في البلدان المجاورة. واليوم، لدى المسؤولين الجزائريين مخاوف مماثلة بشأن عدم الاستقرار في النيجر الذي يخلق فرصًا للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" العاملة في ذلك البلد لشن هجمات عبر الحدود في جميع أنحاء المنطقة.‏


كما يشعر المسؤولون الجزائريون بالقلق أيضًا من التأثير المدمر الذي يمكن أن يحدثه الوضع على سكان النيجر ‏‏البالغ عددهم 25 مليون‏‏ نسمة. ولا تشمل العقوبات التي فرضتها "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" على النيجر في أعقاب انقلاب 26 تموز (يوليو) ‏ إعفاءات إنسانية‏‏، وتخشى الحكومة الجزائرية من أن تؤدي الاضطرابات السياسية وتدهور الوضع الاقتصادي في النيجر إلى تدفق اللاجئين إلى الجزائر ودول مجاورة أخرى، مما يزيد من التهديد للاستقرار الإقليمي.‏


‏وتتجاوز مخاوف الجزائر بشأن أزمة النيجر خطر الإرهاب والكوارث الإنسانية المتفاقمة. فعلى الرغم من أن الجزائر تؤيد استعادة النظام الدستوري في النيجر، إلا أنها تعارض بشدة التدخل العسكري من قبل القوات الأجنبية.‏


وفي حديث مع مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت"، قال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال إفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية: "تعارض الجزائر جميع أنواع التدخل الخارجي في منطقة شمال إفريقيا والساحل، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا. الجزائر تتمسك بمبدأ السيادة وتعتبر أي وجود أجنبي في جوارها تعديًا على سيادة البلدان المحلية، بغض النظر عن طبيعة التدخل أو الوجود الأجنبي".‏


‏وأضاف فابياني: "بالنسبة للجزائر، سيكون التدخل العسكري في النيجر كارثة. ويشير الجزائريون إلى أن التدخلات السابقة في ليبيا ومالي فاقمت المشاكل الموجودة في البلدين مسبقًا بدلاً من حلها. إن هذه العمليات لها تأثير سياسي وأمني كبير، مع تداعيات يمكن أن يستمر الشعور بها لعقود".‏


بهذا المعنى، تحتل الجزائر موقعًا فريدًا بطريقة ما –على خلاف مع تهديد كل من فرنسا و"المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" بشن حملة عسكرية لتقويض الانقلاب في النيجر من جهة، ‏‏وتعهد‏‏ بوركينا فاسو ومالي بمساعدة المجلس العسكري في النيجر عسكريًا إذا هاجمت "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" من جهة أخرى.‏


‏وبما أن الجزائر تعتبر نفسها ذات ثقل إقليمي، فإن حساسياتها ومبادئها توجه السياسة الخارجية للبلاد. وبعد أن كانت الجزائر مستعمرة فرنسية قبل خوض حرب من أجل الاستقلال (1954-1962)، ينظر الجزائريون إلى السيادة الوطنية على أنها مقدسة. ويساعد هذا التاريخ المرء على فهم معارضة الدولة الواقعة في شمال إفريقيا السابقة للتدخلات الأجنبية في ليبيا والعراق ومالي وسورية.‏


بينما تنظر إلى نفسها باعتبارها طليعة في القضايا القومية العربية والمناهضة للإمبريالية، والأفريقية، سوف تعارض الجزائر على الدوام التدخل العسكري الغربي (وخاصة الفرنسي) في أفريقيا أو الشرق الأوسط أو في أي مكان في الجنوب العالمي. وفي حين أن العديد من الدول تتطور في استراتيجيات سياستها الخارجية، ظل التزام الجزائر الراسخ ببعض المبادئ والمفاهيم والمؤسسات ثابتًا على مر العقود، مما يجعل موقف الجزائر من النيجر متوقعًا ومميزًا.‏


‏وفي هذا السياق، تلعب الجزائر دورًا رائدًا في الدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة النيجرية يكون من شأنه أن يمنع أي تدخل عسكري خارجي. وفي الشهر الماضي، ‏‏زار‏‏ وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، ثلاث دول أعضاء في "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" –نيجيريا، وبنين، وغانا- بناء على تكليف من الرئيس عبد المجيد تبون. وبعد الزيارات، ‏‏اقترح‏‏ عطاف خطة انتقالية مدتها ستة أشهر لإعادة الحكم المدني والديمقراطية إلى النيجر.‏


‏وشدد عطاف على‏‏ معارضة الجزائر للتدخل العسكري الأجنبي، وأكد أنه سيتم منع الجهات الفاعلة الخارجية من عبور المجال الجوي الجزائري كجزء من أي تدخل. وتهدف الخطة المقترحة المكونة من ست نقاط إلى "صياغة ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر من دون استبعاد أي طرف" خلال فترة الستة أشهر، ‏‏وفقًا لكبير‏‏ الدبلوماسيين الجزائريين، الذي أجرى أيضًا اتصالات مع أعضاء المجلس العسكري في النيجر، فضلاً عن القادة المدنيين النيجيريين. ويجب أن تتولى الإشراف على هذه العملية "سلطة مدنية تقودها شخصية توافقية".‏


‏قبل أن يعلن عطاف عن الخطة التي تقترحها الجزائر، وضعت القيادة العسكرية في النيجر، بدعم من بوركينا فاسو ومالي، خطتها الخاصة المختلفة تمامًا. فقد دعا المجلس العسكري إلى فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لاستعادة النظام الدستوري. وقد ‏‏رفضت‏‏ "الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" تلك الخطة على الفور، مؤكدة أن ثلاث سنوات هي فترة أطول مما ينبغي. حتى أن بعض الأعضاء وصفوا اقتراح المجلس العسكري بأنه "استفزاز".‏


وتأمل الجزائر أن يقدم اقتراحها أرضية مشتركة تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، ولكنها تؤدي أيضًا إلى استعادة الديمقراطية في النيجر مع منع أي عمل عسكري ضد البلد غير الساحلي والخاضع للعقوبات.‏


‏ولحسن حظ الجزائر، هناك دعم دولي متزايد من الحكومات الأجنبية، مثل ‏‏إيطاليا‏‏، لجهود ‏‏الوساطة‏‏ التي تبذلها مع اشتداد المواجهة بشأن النيجر. وقال فابياني بهذا الصدد: "إذا نجحت هذه الجهود الدبلوماسية، فإنها يمكن أن تعزز دور الجزائر في منطقة الساحل، وهو أحد أهداف الجزائر على المدى الطويل في المنطقة".‏


‏ما يزال على واشنطن أن تتخذ موقفًا من خطة الجزائر، وقد اتبعت بشكل عام نهجًا أكثر حذرًا من باريس، ‏‏وهو ما شكل مصدرًا للتوتر‏ بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.

 

‏‏وعلى الرغم من المهمة المبكرة غير الناجحة التي اضطلعت بها مسؤولة كبيرة في وزارة الخارجية‏‏ الأميركية لإشراك المجلس العسكري في النيجر، رفضت الولايات المتحدة ‏‏حتى الآن وصف الإطاحة ببازوم بأنها "انقلاب"،‏‏ وهو قرار قانوني سوف يتطلب اتخاذه من الولايات المتحدة إنهاء المساعدات العسكرية لنيامي، التي كانت شريكًا رئيسيًا في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لسنوات.‏


‏وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لهذه المجلة: "ما تزال الولايات المتحدة تركز على الجهود الدبلوماسية للتقدم نحو حل سلمي للحفاظ على الديمقراطية التي تحققت في النيجر بشق الأنفس. كلنا نريد نهاية سلمية لهذه الأزمة والحفاظ على النظام الدستوري".


‏بالنظر قدما، يدرك المسؤولون في الجزائر أنه يجب عليهم التعامل مع الأزمة النيجرية بطريقة براغماتية مع القبول بمحددات نفوذ بلدهم في نيامي. وقد أوضح فابياني أن صناع السياسة الجزائريين "يعملون على تقصير الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية"، وأن الجزائر "تعتقد أنه من الصعب تقويض الانقلاب"، مما يجعل مسؤوليها يعتقدون بأن "أسرع طريق للخروج من هذا المأزق هو تسريع المرحلة الانتقالية التي أعلنها المجلس العسكري، وضمان سلامة بازوم الشخصية". ومع ذلك، من غير الواضح أي نفوذ تتمتع به الجزائر لتحقيق ذلك، والأهم من ذلك، مدى استعداد السلطات العسكرية النيجرية للاستماع، بالنظر إلى الاستقطاب الإقليمي حول هذه القضية".‏


وقالت داليا غانم، كبيرة محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية"، لهذه المجلة: "اليوم، الجزائر لا تريد استعداء المجلس العسكري في النيجر، ولا تريد أن تدفع من أجل تدخل عسكري.

 

ومع ذلك، علمت الجزائر أن موقف عدم التدخل هذا لم يعد فعالاً لأنه يترك الباب مفتوحًا أمام التدخل الأجنبي كما كان الحال في ليبيا. وبالتالي، فإن [قيادة] البلاد عالقة بين عقيدة قديمة من جهة، والحقائق الإقليمية الجديدة من جهة أخرى. لم يكن أمام البلد [خيار] آخر سوى تحقيق أقصى قدر من الأمن على حدوده، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون اتخاذ خيارات صعبة".‏


‏في نظر الجمهور، سوف تواصل الجزائر استثمار الطاقة الدبلوماسية في خطتها الانتقالية لمدة ستة أشهر. ومع ذلك، وكما قال غراي لهذه المجلة: "وراء الكواليس، ستبحث الجزائر عن طرق للتعاون مع المجلس العسكري في النيجر من أجل ضمان أمن حدودها الجنوبية".‏


‏*إميلي ميليكين Emily Milliken: محللة لشؤون الشرق الأوسط متخصصة في شؤون اليمن وليبيا والمصالح الخليجية. تشغل حاليًا منصب نائب الرئيس الأول والمحلل الرئيسي في Askari Associates, LLC. تُنشر أعمالها في كل من وسائل الإعلام الأميركية والدولية، بما في ذلك: الجزيرة، و"ذا هيل"، و"ناشيونال إنترست"، و"نيوزويك"، و"ديفنس وان"، و"المونيتور"، و"نيو أراب" و"عرب نيوز" وغيرها.‏


*‏‏جورجيو كافيرو Giorgio Cafiero: الرئيس التنفيذي ومؤسس Gulf State Analytics، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها في واشنطن العاصمة. وهو أيضا أستاذ مساعد في جامعة جورج تاون، وزميل مساعد في مشروع الأمن الأميركي.‏


*نشر هذا المقال تحت عنوان:

 

Why Algeria wants to prevent war in Niger

 

اقرأ المزيد في ترجمات