بول آر. بيلار* - (رسبونسيبل ستيتكرافت) 1/8/2024
تعكس الاغتيالات الإسرائيلية العابرة للحدود غضباً وطنياً يعبر عن نفسه بلا توقف في شكل مذبحة غزة -ورغبة نتنياهو في إبقاء الحرب مستمرة إلى الأبد.
* * *
عملية اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في إيران، التي من شبه المؤكد أنها من فعل إسرائيل أو عناصر تعمل نيابة عن إسرائيل، لن يكون لها أي آثار إيجابية على الإطلاق -بما في ذلك على أمن إسرائيل نفسها.
بدلًا من تحقيق أي شيء، لن يؤدي الاغتيال إلا إلى زيادة الاحتمال الكبير مسبقًا لمزيد من الحرب والموت والدمار في الشرق الأوسط.
سوف يشعر النظام الإيراني بأنه ملزم بالرد، حتى على الرغم من أن ضحية الاغتيال لم يكن إيرانياً. فقد وقع الهجوم في قلب إيران، ويشكل قتل زائر أجنبي موجود في البلد لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إحراجاً شديداً لطهران.
سوف يزن صانعو القرار الإيرانيون الاعتبارات المتضاربة في اختيار كيفية الرد. وأحد الأدلة على طريقة تفكيرهم هو رد إيران على الهجوم الإسرائيلي على المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق في نيسان (أبريل). وكان ذلك الرد الإيراني الذي تمثل في إطلاق وابل من الصواريخ والطائرات من دون طيار على إسرائيل كبيراً، ولكنه مصمم لتقليل الضرر الذي يلحق بإسرائيل، وبالتالي تقليل أي مبرر لإسرائيل لتقوم بمزيد من التصعيد.
لن يكون الرد الإيراني على الاغتيال الأخير هو نفس الرد السابق بالضرورة، لكن النظام قد يبحث مرة أخرى عن طرق لإرسال رسالة قوية مع الحد من خطر التصعيد أيضًا.
أصبح من الممارسات الإسرائيلية المعيارية التعامل مع أي عمل مسلح ضد إسرائيل كما لو أنه كان عدواناً غير مبرر بدلاً من كونه مدفوعاً بالانتقام من شيء فعلته إسرائيل نفسها. وبالتالي، يمكن توقع أن إسرائيل سترد، بغض النظر عن كيفية رد إيران هذه المرة، بأعمال عنف إضافية.
وسوف تنطوي هذه المعاملة بالمثل، على الرغم من الجهود التي يبذلها هذا الطرف أو ذاك للحد من التصعيد، على خطر الخروج عن السيطرة.
لطالما ركز سجل إسرائيل الطويل من الاغتيالات، فضلاً عن أعمال التخريب الأخرى في إيران في الماضي على العلماء النوويين الإيرانيين. ولم تفعل تلك الاغتيالات، على النقيض من التدابير الدبلوماسية، أي شيء لمنع البرنامج النووي الإيراني من التقدم إلى وضعه الحالي حيث أصبح على عتبة امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي.
وبالمثل، لن يفعل اغتيال هنية أي شيء للحد من عنف حماس ضد الإسرائيليين، سواء في قطاع غزة أو في أي مكان آخر. كان هنية شخصية سياسية، وعاش في المنفى في السنوات الأخيرة وبدا أن له تأثيراً ضئيلاً -أو معدوماً- على الأنشطة العسكرية لعناصر حماس في غزة، أو حتى معرفة بها.
وسيكون التأثير الفوري الرئيسي للاغتيال هو عرقلة المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، بسبب كل من دور هنية الشخصي في الدبلوماسية المعنية، والزيادة العامة في منسوب التوتر والعداء في البيئة المحيطة بالدبلوماسية.
يبدو أن هذا الفصل الأخير في تاريخ إسرائيل الطويل من الاغتيالات، السرية والعلنية على حد سواء، قد دخل مؤخراً في وضع الطيار الآلي المروع، حيث يتم ضرب أهداف الاغتيال من دون أي اعتبار على ما يبدو للعواقب التي تؤثر -ليس على أمن الأجانب فقط، ولكن على أمن الإسرائيليين أنفسهم أيضاً.
وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في ما يتعلق بالأهداف في حماس، ولكن أيضاً، وسط تصاعد التوترات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، الأهداف في حزب الله.
تجلت الحكة التي تحرض على ضغط زناد الاغتيال الإسرائيلي بعد أن أصاب صاروخ ملعباً لكرة القدم قبل بضعة أيام وقتل 12 شخصاً -ليسوا إسرائيليين في ما يعترف به العالم على أنه إسرائيل، وإنما دروز في قرية في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
ويتمتع نفي حزب الله القوي لمسؤوليته عن الحادث بمصداقية، نظراً إلى صعوبة تخيل أي دافع محتمل يجعل حزب الله يستهدف الدروز في مناطق سورية المحتلة.
معظم الدروز في مرتفعات الجولان مواطنون سوريون، على الرغم من سنوات الاحتلال الإسرائيلي. ولذلك، بدلاً من أن يكون هجوماً متعمداً شنه حزب الله، ربما يكون الصاروخ القاتل إما من ذخائر حزب الله ضل طريقه بسبب خطأ في التوجيه، أو هو، على الأرجح، صاروخ اعتراضي إسرائيلي من طراز "القبة الحديدية" أخطأ هدفه الجوي.
ولكن، وعلى الرغم من كل الشكوك، كان الرد الإسرائيلي التلقائي هو قتل شخصية أخرى في حزب الله، وهذه المرة بهجوم جوي في حي مكتظ بالسكان في بيروت أسفر أيضاً عن مقتل ثلاثة مدنيين من المارة وإصابة عشرات آخرين.
وكما هو الحال مع عمليات الاغتيال ضد حماس، لن يفعل هذا القتل شيئاً للحد من قدرة حزب الله أو رغبته في إلحاق الضرر بالإسرائيليين. ولن يؤدي إلا إلى جعل الأمور أصعب على الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار على الحدود الإسرائيلية اللبنانية ومنع نشوب حرب شاملة.
يعكس اللجوء الإسرائيلي شبه التلقائي إلى الاغتيال غير الفعال في جزء منه نوعاً من الغضب الوطني الذي عبر عن نفسه بلا توقف في المذابح والمعاناة الجماعية في قطاع غزة خلال الأشهر التسعة الماضية.
ولكن، قد يكون هناك أيضاً عنصر محسوب أكثر يتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ بالتحديد بدوافعه الشخصية للإبقاء على حرب من نوع ما جارية في محاولته الهروب من مشاكله السياسية والقانونية، سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة أم لا.
على الرغم من المؤشرات السابقة على ميل إسرائيل إلى عدم التصعيد مباشرة إلى حرب شاملة مع حزب الله أو إيران، فإن جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران ربما يكون هدفاً لنتنياهو.
وسيكون من شأن ذلك أن يخدم الأغراض المتعددة التي خدمها دائماً الترويج الإسرائيلي المستمر للعداء تجاه إيران -بما في ذلك تحويل الانتباه عن تصرفات إسرائيل في غزة والأماكن الأخرى- بينما تُدفع إلى الولايات المتحدة إلى الاضطلاع بالجهد العسكري الثقيل، مع كل التكاليف والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك.
وسواء حقق نتنياهو هذا الهدف أم لا، فإن الإجراء الأخير الذي اتخذته إسرائيل يعزز مكانتها كواحدة من أكثر الدول نشاطاً في ارتكاب الأعمال الإرهابية في الشرق الأوسط (كان اغتيال الزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، عملاً من أعمال الإرهاب الدولي وفقاً لتعريف أميركي رسمي)، ومصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار الإقليمي.
*بول ر. بيلار Paul R. Pillar: زميل أقدم غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، وزميل غير مقيم في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول.
وهو أيضاً زميل مشارك في مركز جنيف للسياسة الأمنية. خدم لمدة 28 عاماً في وكالة المخابرات المركزية (CIA)، من العام 1977 إلى العام 2005. كان أستاذاً زائراً في جامعة جورج تاون من العام 2005 إلى العام 2012.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trigger happy Israel and its thirst for revenge
اقرأ المزيد في ترجمات:
العالم يدخل بسرعة عصر "الانتقام"