مصطفى شلش* - (أوريان21) 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2022
تمثل استعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب تغييرًا جديدًا في مسار العلاقات التركية - الإسرائيلية، التي كانت تحكمها دائمًا أنقرة بسياساتها الداخلية. كما يعكس هذا التطبيع اضطرابًا في مشهد سياسي إقليمي يتسم بتراجع الحركات الإسلامية التي صعدت بعد انتفاضات العام 2011، لكنه على ما يبدو لا يثير استياء السلطة الفلسطينية.
- * *
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد في 17 آب (أغسطس) أن إسرائيل وتركيا سوف تعيدان استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، بما في ذلك إعادة تعيين السفراء لأول مرة منذ العام 2018، وذلك بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي "أن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا هو عامل مهم للاستقرار الإقليمي، كما ستدعم اقتصاد إسرائيل وتعزز موقفها أمام العالم".
ولتبرير هذا القرار، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مقابلة مع الإذاعة التركية "هابر غلوبال" في 23 آب (أغسطس)، أن السلطة الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، ترحب بتطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل لأن ذلك يساعد أنقرة على دعم القضية الفلسطينية بشكل أفضل. وجاءت تصريحات جاويش أوغلو في الوقت الذي وصل فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة التركية، أنقرة، للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وفي الحقيقة، اعتبر وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، أن التطبيع بين تركيا وإسرائيل خطوة مفيدة للقضية الفلسطينية.
وأضاف المالكي لقناة "سي. إن. إن" التركية في 22 آذار (مارس) 2022: "لم نتفاجأ من الخطوة التركية، ونرحب بها لأنها ستساعد الفلسطينيين".
وكانت ردود الفعل هذه بعيدة كل البعد عما كان قد صدر عن السلطة الفلسطينية في آب (أغسطس) 2020، بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛ حيث أعربت السلطة الفلسطينية في ذلك الحين، عبر المتحدث باسمها نبيل أبوردينة، عن رفضها هذا القرار، مؤكدة أن تلك الخطوة "تنسف" مبادرات السلام العربية، ومطالِبة بالعدول عنها.
حليف تاريخي لإسرائيل
في الواقع، منذ أن أصبح أردوغان رئيسًا للوزراء في تركيا في العام 2002، حدث تحول تدريجي في السياسة الخارجية التركية تجاه فلسطين؛ حيث ساعدته هذه القضية على تلميع صورته في العالمين العربي والإسلامي -حتى أن الكاتب السياسي الفلسطيني، عدنان أبو عامر، تحدث في مقال له بعنوان "أردوغان يكسب قلوب وعقول الفلسطينيين" في آذار (مارس) 2013 عن صور أردوغان التي غزت شوارع قطاع غزة، والمتاجر التي تحمل اسمه، حتى أنه تم تسمية المواليد الجدد باسمه في شهادات الميلاد في المستشفيات الفلسطينية، بل إن الرئيس التركي أصبح يغني الفلسطينيين عن دعم أشقائهم العرب.
لا شك في أن الدعم السياسي والاقتصادي الذي قدمه رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، للفلسطينيين، عزز علاقات تركيا مع كل من السلطة الفلسطينية وحماس. فقد أبرمت تركيا مع السلطة الفلسطينية منذ 2004 اتفاقية تبادل تجاري حر، مكنت تركيا من تصدير بضائعها إلى السوق الفلسطينية (بلغت قيمة البضائع التركية 290 مليون دولار في العام 2013)، وتبلغ قيمة المساعدة التركية السنوية لفلسطين ما بين 10 و20 مليون دولار، ناهيك عن قيادة وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) للمبادرات الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية. وتبني "تيكا" منازل للعائلات التي دمرتها الهجمات الإسرائيلية، وتهدف إلى إنشاء مدرسة في كل بلدة فلسطينية. وأكملت المنظمة بالفعل أكثر من 70 مشروعًا في العقد الماضي في القدس الشرقية. وفي العام 2014، استقبلت إسطنبول مؤتمرًا دوليًا لإعادة بناء قطاع غزة بعد الهجوم الإسرائيلي عليها والذي كان قد خلف أكثر من 2.200 ضحية، وأسهمت خلاله تركيا بمبلغ 200 مليون دولار. كما سعت أنقرة إلى تثمين الإرث العثماني في فلسطين من خلال مبادرات مثل "على خطا عبد الحميد"(1) التي ذهب خلالها وفد من بلدية إسطنبول إلى القدس لتنظيف المعالم العثمانية.
لكن العلاقة لم تكن دائمًا على هذا النحو. ففي العام 1948، بقيت تركيا على الحياد خلال الحرب العربية-الإسرائيلية التي انتهت بالنكبة. وكانت الجمهورية التركية أول دولة إسلامية تعترف بدولة إسرائيل الناشئة في 28 آذار (مارس) 1949، لترسل أنقرة في كانون الثاني (يناير) 1950 الدبلوماسي سيف الله إسين إلى تل أبيب كأول قائم بأعمال تركي في إسرائيل. وخلال الخمسينيات من القرن الماضي، انضمت تركيا إلى الكتلة الغربية للدول التي احتجت على قرار القاهرة القاضي بمنع مرور السفن الإسرائيلية عبر قناة السويس، وافتتح الموساد (وكالة المخابرات الإسرائيلية) مركزًا له على الأراضي التركية في ذلك الحين.
خلال حقبة الحرب الباردة، أدت عضوية تركيا في الناتو (1952) إلى اتباع سياسة مباشرة ضد فلسطين، خصوصًا وأن القضية الفلسطينية ارتبطت مع برامج الأحزاب اليسارية التركية، وكذلك مع الحركات الانفصالية الكردية. بل إن رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، دعا أثناء زيارته للولايات المتحدة في العام 1954، الدول العربية، إلى الاعتراف بإسرائيل.
وعلاوة على ذلك، وبسبب العلاقات العميقة مع الجيش الأميركي، اتبعت المؤسسة العسكرية التركية نهجًا أكثر براغماتية وطورت تدريجيًا علاقات قوية مع كبار الضباط في إسرائيل للتعامل مع خطر ظهور حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي نشط في معسكرات تدريب في سهل البقاع في لبنان، مستفيدًا من علاقات اليساريين الأكراد مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال الثمانينيات.
وصلت العلاقات التركية الفلسطينية إلى الحضيض في بداية التسعينيات عندما وقع الجيش التركي عقود دفاع عديدة وغير مسبوقة مع تل أبيب. ومن المثير للاهتمام أن بعض هذه الاتفاقيات قام بالتوقيع عليها "حزب الرفاه الإسلامي" في التسعينيات، الذي كان أردوغان تابعًا له وترشح على قوائمه ليصبح رئيسًا لبلدية إسطنبول.
ومع ذلك، عادت العلاقات التركية مع فلسطين قبل صعود "حزب العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان، فيما يعود إلى رغبة أنقرة في البحث عن حصة اقتصادية من نواتج "اتفاقيات أوسلو". وقد انعقد المؤتمر الاقتصادي الأول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 1994 في العاصمة المغربية، "الدار البيضاء"، وكان هناك تصور لدى رئيسة الوزراء التركية آنذاك، تانسو تشيلر، بضرورة الاستفادة اقتصاديًا من الفلسطينيين وداعميهم في الخليج العربي (خصوصًا السعوديين والكويتيين)، كما تتم الاستفادة من الإسرائيليين. وقد اتخذ رئيس الوزراء، بولنت أجاويد، خطوات نحو الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل محادثات كامب ديفيد في العام 2000. واقترحت أنقرة أن يتقاسم الإسرائيليون والفلسطينيون السيادة على الحرم الشريف. وأكدت الحكومة التركية دعمها حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، أقنعت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، بتأجيل خططه لإعلان الاستقلال في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في أيلول (سبتمبر) 2000.
وسيلة لدعم السياسة الداخلية
تزامنت السنوات الأولى من صعود رجب طيب أردوغان إلى السلطة مع اتساع الانقسام بين حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة "فتح"، فضلاً عن المنعرج اليميني الذي اتخذته الساحة السياسة الإسرائيلية. وأدت هذه التغييرات الهيكلية إلى سعي تركيا إلى القيام بدور نشط كحامية للمصالح الفلسطينية.
وهكذا، أطلق وزير الخارجية التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو، حملة دبلوماسية لإقناع واشنطن بأنه يجب أن يُنظر إلى فوز حماس في انتخابات العام 2006 على أنه فرصة وليس تهديدًا مقلقًا -حيث كانت أنقرة ترغب بالتأثير على قادة حماس للانخراط في النظام الدولي، ووضع حد لعلاقاتهم مع إيران وسورية. وهدف حزب العدالة والتنمية آنذاك إلى الحفاظ على العلاقات الدافئة بين جميع أطراف النزاع، واستضافت تركيا قمة مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية، كانت نقطة التوتر في العلاقات التركية-الإسرائيلية متعلقة بالسياسات "الوطنية القومية على الصعيد الداخلي" بين أنقرة وتل أبيب، وليس بسبب السياسات المؤيدة للإسلاميين أو تحرير فلسطين، كما يعتقد البعض. وقد استغلت أنقرة الغارة الإسرائيلية على سفينة في أسطول المساعدات المدنية التركية المتجه إلى غزة "مافي مرمرة"، التي قُتل على متنها تسعة ناشطين أتراك في أيار (مايو) 2010 للترويج لسياساتها الجديدة التي تقوم على وحدة المسلمين ودعم القضية الفلسطينية، لتعزيز دعم أردوغان السياسي في الداخل وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي.
ثم يأتي العام 2013، وتندلع احتجاجات "غيزي بارك" في إسطنبول، حيث واجه أردوغان استياءً داخليًا متزايدًا، ومزاعم بالفساد مثل تلك التي أحاطت ببلال أردوغان بتهم سوء استغلال نفوذ والده، إضافة إلى ضغوط دولية بسبب الإجراءات الاستبدادية لحزب العدالة والتنمية. وقُتل خلال قمع تلك التظاهرات ما لا يقل عن خمسة أشخاص وأصيب أكثر من 8 آلاف شخص بجروح. ومنذ ذلك الحين، تتخذ الشرطة إجراءات صارمة وتمنع المظاهرات المناهضة للحكومة في ساحة تقسيم. ومن هنا، أصبحت القضية الفلسطينية مفيدة أكثر، إذ تم استغلالها لترويج رواية أردوغان القائلة إن المتظاهرين متأثرون بالصهيونية، وإنهم دبروا حملة ممنهجة ضده بسبب دوره القيادي في العالم الإسلامي. وبالفعل، حسب استطلاع رأي أجراه معهد "كوندا" Konda للأبحاث والاستشارات في العام 2013، رأى 40 في المائة من المستطلَعين أن الاحتجاجات ضد النظام التركي هي "نضال ديمقراطي من أجل حقوق المواطنين ومن أجل الحرية"، بينما رأى أكثر من 50 في المائة أنها "مؤامرة ضد تركيا".
مصالح مشتركة
بين "فتح" وإسرائيل
على الرغم من برودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب في أعقاب حادثة السفينة "مافي مرمرة"، استمرت العلاقات التجارية والاستخباراتية بينهما، لتبلغ قيمة التبادلات الاقتصادية بين البلدين نحو 5 مليارات دولار في العام 2014. ولم تتوقف العلاقات الاستخباراتية التي قادها رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان لتنسيق المواقف بين أنقرة وتل أبيب حول القضايا الأمنية المختلفة، وخصوصًا في سورية. لكن الخلافات الدبلوماسية لم تهدأ. ففي العام 2018، استدعت أنقرة مبعوثها إلى إسرائيل وطردت السفير الإسرائيلي، بسبب رد الفعل العنيف على الاحتجاجات الفلسطينية في غزة ضد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقد أعلن رجب طيب أردوغان -الذي كان قد أصبح رئيس الجمهورية التركية بحلول ذلك الوقت- أنه "في حال قطعت الولايات المتحدة مساعداتها عن فلسطين، فنحن موجودون لمثل هذه الظروف".
عزز إعلان ترامب الخاص بنقل السفارة الأميركية إلى القدس من دور تركيا كوصي على القضية الفلسطينية، لتعمق أنقرة في الآونة الأخيرة علاقاتها مع حركة "فتح"، على الرغم من عدم ارتياح الأخيرة لعلاقات أنقرة مع منافستها حماس. لكن أنقرة تعترف بالسلطة الفلسطينية كحكومة شرعية في الضفة الغربية وتبقى جهود الإغاثة التي تبذلها لا غنى عنها بالنسبة لقادة "فتح". وقد رحب هؤلاء بإدانة تركيا لمحادثات حزيران (يونيو) 2017 بين حماس وزعيم "فتح" المطرود محمد دحلان. كما استحسن محمود عباس وفريقه -الذين قاموا بزيارات متكررة إلى تركيا منذ تولي عباس السلطة في العام 2005- سياسة تركيا النشطة فيما يتعلق بمستقبل القدس، خصوصًا منذ أن قررت رئاسة الشؤون الدينيّة التركية في 25 شباط (فبراير) 2015 إدراج زيارة المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين الأتراك؛ حيث يسمح القرار بزيارة المسجد الأقصى لمدة ثلاثة أيام قبل زيارة المدينة المنورة ومكة المكرمة لأداء العمرة. وتُظهر إحصاءات السلطة الفلسطينية ارتفاعاً في عدد الزوار الأتراك إلى الضفة الغربية التي يكون هدفها زيارة القدس، وكشف الناطق باسم الشرطة الفلسطينية، لؤي ارزيقات لموقع "المونيتور"، أن عدد الزوار الأتراك للضفة الغربية في العام 2016 بلغ 15.846 تركياً، بينما بلغ منذ بداية العام 2017 حتى نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه 23.312 تركياً. ومن جانبه، قال خطيب ومدير المسجد الأقصى عمر الكسواني: "الزوار الأتراك إلى الأقصى هم العدد الأكبر من بين كل المسلمين الذين يزورونه، فالمسجد لا يخلو من المصلين الأتراك في أي يوم جمعة".
ومع ذلك، عبر قادة "فتح" عن رفضهم استضافة تركيا لقيادات فلسطينية من دون التشاور معهم، هذا إضافة إلى توفير المأوى للعشرات من كوادر حماس، ما يجعل أنقرة تتمتع بنفوذ حقيقي على الحركة. وأفادت صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة في لندن في مقال بعنوان "دعم حماس عائق أمام تحسين إسرائيل علاقتها بتركيا" بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) 2020، ونقلا عن مصادر سياسية إسرائيلية، بأنه خلال الفترة التي سبقت التقارب بين أنقرة وتل أبيب، لم تقدم الحكومة الاسرائيلية ردًا إيجابيًا على مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحسين العلاقات بين البلدين، واشترطت لتحقيق ذلك أن تقوم تركيا بتخفيف دعمها لحركة حماس وأن توقف تشجيع نشاطها العسكري.
وبالفعل، طلبت تركيا من العشرات من نشطاء حماس مغادرة الأراضي التركية ومنعت آخرين من الدخول. وأفادت صحيفة "حرييت" التركية في 15 شباط (فبراير) 2022 بأن أنقرة تدير منذ عام ونصف العام قناة محادثات سرية مع دول عدة في المنطقة، من بينها إسرائيل، "بهدف إيجاد موطن جديد لحركة حماس". وأشار التقرير إلى أن أنقرة أبلغت "حماس" بأن "أصحاب المناصب العسكرية في الحركة لن يمكثوا في تركيا"، وأنها "لن توفر مساعدات عسكرية للحركة".
ومن المتوقع أن تحد تركيا من دعمها لحماس، سواء بشكل طوعي أو بطلب من إسرائيل، ضمن توجه جديد في إعادة ترتيب أولويات الرئيس التركي نتيجة تدهور الاقتصاد التركي وانهيار العملة، بهدف إيجاد حلول لأزمة بلاده الاقتصادية عبر السعي إلى شراكة أوسع مع تل أبيب، خاصة في مجال الطاقة.
منعطف ما بعد
انتفاضات العام 2011
كانت التبريرات المطروحة التي تتهم الدول العربية بأن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل يعمل لخدمة المصالح الإسرائيلية في حين أن تركيا تفعل ذلك لمصلحتها الخاصة، مثيرة للسخرية ومن المعيب قولها. وقد تم توجيه الاتهام إلى البلدان العربية المُطبعة بأنها تمول اقتصاد الاحتلال، في حين تم تجاهل حقيقة أن حجم التجارة البينية بين تركيا وإسرائيل في العام 2021 بلغ 8.1 مليار دولار. وبعد إعلان التطبيع سيتم رفع قيمة حجم التجارة بين البلدين إلى 10 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة.
كما تهدف أنقرة إلى التعاون مع تل أبيب في ملف غاز المتوسط عبر مد خط أنابيب بحري ينقل الغاز الإسرائيلي من حقل ليفيثيان إلى البر التركي، بحيث تشتري تركيا حصة منه للاستخدام المحلي وتصدّر حصة أخرى إلى أوروبا مستفيدة من خطوط أنابيب الغاز العابرة للأناضول الموجودة أصلًا. وتتفاوض شركة "زورلو" القابضة التركية مع الحكومة الإسرائيلية لبناء خط أنابيب بتكلفة تصل إلى 2.5 مليار دولار.
أما التبرير الثاني القائل إن التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية يتجاوز السياسة إلى الثقافة والهوية، حيث يتدفق السياح بين الجانبين، فيتجاهل حقيقة أن الحركة السياحية الإسرائيلية إلى تركيا بلغت أرقامًا قياسية بعدد 560 ألف سائح سنويًا. وقد سافر 358 ألف إسرائيلي على متن طائرات شركة الطيران التركية، وهناك حاليًا 10 رحلات جوية يومية بين تل أبيب وإسطنبول لشركة الطيران التركية. كما أعلنت صحيفة "يسرائيل هيوم" في 21 تموز (يوليو) أن سلطة المطارات الإسرائيلية ستطلق الرحلات الدولية للفلسطينيين من مطار رامون بالقرب من إيلات إلى تركيا بالتعاون مع شركة طيران بيغاسوس التركية؛ حيث سيتمكن الفلسطينيون من السفر من الأراضي المحتلة إلى الخارج من دون الحاجة إلى المرور بالأردن.
كما يندرج التطبيع بين تركيا وإسرائيل في سياق توجه ما بعد انتفاضات العام 2011؛ حيث لم تعد القضية الفلسطينية نقطة اهتمام رئيسية في معظم الدول العربية بعدما أدت الاضطرابات إلى انكفاء معظم العواصم على مشاكلها الداخلية. ويبدو أن سياسة الاندفاع التُركي لتأييد الحركات الإسلاموية المنبثقة من ثورات العام 2011 في البلدان العربية قد انتهت مع الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين في مصر وفي تونس، وتدهور الوضع الأمني والاجتماعي في سورية. وقد أنتجت التدخلات التركية في المنطقة ضغطاً داخلياً من أحزاب المُعارضة التركية ضد سياسة أردوغان المنخرطة بقوة في أزمات الشرق، لتكسب من العداوات أكثر من المنافع.
اليوم، باتت أنقرة تسعى إلى موازنة علاقتها مع البلدان العربية (السعودية - الإمارات - مصر) وإسرائيل، ومؤخرًا مع سورية، وإيجاد حلول سريعة للأزمات العالقة، خصوصًا فيما يتعلق بتأييد الأولى لجماعات الإسلام السياسي والتي صُنفت في أغلب بلدان الشرق الأوسط بوصفها إرهابية (على رأسها حركة الأخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية).
ولا شك أن الورقة الفلسطينية لا تشكل نقطة تلاقٍ مع هذه البلدان، ما حول الملف الفلسطيني إلى ملف أمني أكثر من كونه سياسيًا، يتم تداوله بين أروقة أجهزة المخابرات في المنطقة.
*مصطفى شلش: مهندس كيميائي، باحث مقيم في مركز الدراسات العربية الأوروبية-الآسيوية وكاتب في مركز دراسات الوحدة العربية، نُشر له أكثر من 50 مقالا.
الهامش:
(1) السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918) هو آخر سلطان عثماني امتلك سلطة فعلية.