ديفيد بولوك* - (نيوزلوكس) 30/4/2022
يبدو أن معظم المواطنين السعوديين والإماراتيين والكويتيين يعارضون غزو بوتين لأوكرانيا، لكن وجهات نظرهم القاتمة بشأن مصداقية واشنطن قد تحد من استعداد المنطقة لمواجهة موسكو.
- * *
مع استمرار حرب روسيا على أوكرانيا، يأمل بعض الأميركيين بأن تتمكن الدول العربية الرئيسية المصدرة للنفط من المساعدة على التخفيف من أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب، أو حتى الانضمام إليهم في فرض عقوبات على روسيا. غير أن البيانات الناتجة عن استطلاع جديد وفريد من نوعه للرأي، شمل ثلاث دول رئيسية في الخليج، هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، تُظهر أن شعوب هذه الدول تقيّم روابطها مع روسيا بقدر تلك التي تجمعها مع الولايات المتحدة. ويشعر الآن نصف الذين شملهم الاستطلاع أو أكثر أنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن، ويحتفظ الثلث فقط بنظرة إيجابية إلى المساعي الأميركية المستمرة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.
لذلك، بينما ينظر فعلياً نحو ثلاثة أرباع مواطني كل دولة من هذه الدول بسلبية تجاه الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلا أن معظمهم ربما لن يدعم الإجراءات العملية الفعالة ضد المصالح الروسية -أو المصالح الأميركية. وتولي جميع الدول في المنطقة اهتماماً وثيقاً للمشاعر الشعبية، حيث تسعى بشكل مطرد إلى تجنب أي "ربيع عربي" آخر. ونتيجة لذلك، فإن أي تحول في سياستها المحايدة تجاه روسيا حالياً يغلب أن يتطلب اتخاذ خطوات لتحسين نظرة الرأي العام حول إمكانية الوثوق بالولايات المتحدة.
على الرغم من كون هذه الأرقام مفاجئة، إلا أنها تظل موثوقة للغاية. ففي كل دولة، تولت شركة أبحاث تجارية إقليمية تتمع بالخبرة (وغير سياسية تماماً) إجراء الاستطلاع. وتضمنت استطلاعات الرأي إجراء مقابلات شخصية مع عينة وطنية تمثيلية تتألف من 1.000 مواطن في كل دولة، تم اختيارها وفقاً للإجراءات المعيارية للاحتمالية الجغرافية. وقد حرصت الشركة المنظمة لاستطلاعات الرأي على إعطاء ضمانات بالخصوصية واتباع ضوابط صارمة للجودة اللازمة، كما تبين من الإجابات العديدة التي تتعارض مع السياسة الرسمية أو الحملة الدعائية في كل دولة.
وتكشف نظرة معمقة إلى هذه النتائج، لا سيما عند مقارنتها مع استطلاعات الرأي السابقة على مدى السنوات القليلة الماضية، عن بعض المفاجآت الفعلية. ففي كل من السعودية والإمارات، تخطت الأهمية المتصورة لروسيا والصين حالياً الأهمية المتصورة للولايات المتحدة. أما في الكويت، فقد أسفر هذا السؤال عن تعادل ثلاثي، حيث تعتبر نسبة 45 في المائة تقريباً أن روسيا والصين والولايات المتحدة مهمة بالقدر نفسه. وفي تناقض صارخ، لا يعتبر أكثر من 16 في المائة في أي من دول الخليج العربي المجاورة الثلاث أن إقامة علاقات جيدة مع إيران هي أمر مهم.
وتعد هذه التصنيفات أكثر إثارة للدهشة لأن العديد من أبناء الشعب في كل دولة من هذه الدول يعتبر الولايات المتحدة، بدلاً من روسيا أو الصين، الدولة الأكثر قدرة على "حمايتنا من أعدائنا الخارجيين". ومع ذلك، تكمن المشكلة في تراجع مصداقية واشنطن. وطرح الاستطلاع العرض الآتي: "لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة في هذه الأيام، لذلك من الضروري التطلع أكثر إلى روسيا أو الصين كشريكين". وفي كل دولة من هذه الدول الثلاث في الخليج، توافق الغالبية الضيقة الآن مع هذا الرأي: الإمارات (57 في المائة)؛ السعودية (55 في المائة)؛ الكويت (53 في المائة).
وفي المقابل، تستمر الولايات المتحدة في التمتع بميزة متصورة كبيرة، سواء على روسيا أو الصين، باعتبارها وجهة جيدة للزيارة أو (ربما الأمر الأكثر إثارة للدهشة) نموذجاً لحقوق الإنسان والديمقراطية. ولكن يُنظر إلى النفوذ الأميركي بشكل عام على أنه آخذ في التراجع. ففي السعودية، على سبيل المثال، تتعادل روسيا الآن مع الولايات المتحدة (بنسبة 34-35 في المائة لكل منهما) باعتبارها "الدولة التي من المحتمل أن يكون لها النفوذ الأكبر في منطقتنا خلال العقد المقبل". وتأتي الصين في المرتبة الثالثة بنسبة 25 في المائة.
ومع ذلك، لا يعني أي مما تقدم أن الرأي العام العربي في هذه الدول يوافق على سياسة روسيا تجاه أوكرانيا. بل على العكس، كان جواب ثلاثة أرباع السعوديين والإماراتيين والكويتيين على هذا السؤال سلبياً بكل وضوح. فضلاً عن ذلك، فإن النصف أو أكثر من مواطني كل دولة من الذين شملهم الاستطلاع يلقي اللوم على روسيا في التسبب بالارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية في بلدانهم: السعودية (51 في المائة)؛ الكويت (56 في المائة) والإمارات (59 في المائة).
وقد يسهم هذا المزيج غير البديهي من المواقف في توجيه السياسة الأميركية المستقبلية تجاه كل من روسيا/أوكرانيا والشرق الأوسط. في الواقع، يعارض معظم العرب في دول الخليج الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنهم أيضاً لا يثقون كثيراً في الولايات المتحدة. لذلك، ومن أجل اكتساب تعاونهم المفيد للغاية في مجال الطاقة والعقوبات وأي إجراءات عاجلة أخرى تتعلق بالأزمة الحالية، يجب ألا تتمثل الخطوة الرئيسية الأولى بتفنيد سلوك روسيا الخبيث في أوكرانيا، بل بإحياء ثقتهم في الالتزامات الأميركية بالدفاع عن أصدقائها ومصالحها في الشرق الأوسط. وإذا كان من الممكن تحويل هذه المواقف الشعبية إلى هذا الاتجاه الإيجابي، فمن المرجح أن تكون حكومات الخليج العربي أكثر استعداداً للتعاون بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، سواء حول أوكرانيا أو حول القضايا الصعبة الأخرى الأقرب بكثير إلى دولها.
*ديفيد بولوك: هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومدير "مشروع فكرة". يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط. الترجمة العربية لمعهد واشنطن.