مانسي ن. أ. - (مودرن دبلوماسي) 25/7/2024
يثير تطبيق الديمقراطية في ما يشار إليه في كثير من الأحيان باسم "العالم الثالث" تساؤلات حول تميزها كنموذج خاص بهذه الدول.
* * *
تمت دراسة الديمقراطية، كنظام للحكم، وممارستها على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، أثار تطبيق الديمقراطية في ما يشار إليه غالبا باسم "العالم الثالث" تساؤلات حول تميزها كنموذج خاص بهذه الدول. ويهدف هذا المقال إلى استكشاف ما إذا كان ينبغي اعتبار الديمقراطية في "العالم الثالث" نموذجا متميزا، بالاعتماد على وجهات النظر العلمية والأدلة التجريبية لدعم الحجة.
تم استخدام عبارة "العالم الثالث" –عن حق- خلال فترة الحرب الباردة من أجل تعريف الأمم أو الدول التي اتبعت سياسة خارجية مستقلة، من خلال عدم التوافق مع الكتلة الغربية (العالم الأول) أو الكتلة الشرقية (العالم الثاني). وفي حين أن هذا المصطلح قد تطور، فإنه يشمل بشكل عام البلدان النامية أو البلدان الأقل تقدما من الناحية الاقتصادية. وبسبب هذا العامل، فإن السياق الاجتماعي - البيئي - السياسي في هذه البلدان يبدو فريدا من نوعه. وتعمل الديمقراطية في "العالم الثالث" ضمن سياقات اجتماعية - سياسية فريدة متسمة بعوامل تاريخية وثقافية واقتصادية متميزة. وتشمل هذه العوامل الموروثات الاستعمارية، والتنوع العرقي، والتفاوتات الاقتصادية، والمؤسسات الضعيفة -وهي العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في عمل الأنظمة الديمقراطية.
في الأطروحة التي تعتبر ديمقراطية دول "العالم الثالث" نموذجا متميزا، يجب أن نأخذ في الاعتبار التكيفات السياقية، وأساليب ممارسة الديمقراطية، وأخيرا عامل إنهاء الاستعمار وتقرير المصير. فقد جادل الباحثون بأن تطبيق الديمقراطية في "العالم الثالث" يتطلب أشكالا من التكيفات السياقية لكي تتناسب مع التحديات والديناميات المحددة في هذه الدول. وقد ينطوي ذلك على دمج هياكل الحكم التقليدية، ومعالجة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، واستيعاب المعايير الثقافية المتنوعة ضمن الإطار الديمقراطي. وتعرض العديد من دول "العالم الثالث" لممارسات ديمقراطية هجينة تمزج بين المبادئ الديمقراطية وعناصر من الاستبدادية أو الحكم التقليدي. وقد تشمل هذه التكوينات الهجينة أنظمة شبه ديمقراطية، أو ترتيبات لتقاسم السلطة، أو شبكات نفوذ غير رسمية، في ما يؤشر على افتراق عن النموذج الديمقراطي الغربي التقليدي. وتعكس العملية التاريخية لإنهاء الاستعمار وما يتلوها من إنشاء أنظمة ديمقراطية في بلدان "العالم الثالث" مسارا متميزا متأثرا بالصراعات من أجل تقرير المصير والهوية الوطنية وتحديات ما- بعد- استعمارية. وقد شكلت هذه التجارب سرديات ومؤسسات ديمقراطية فريدة في هذه الدول.
ولدى طرح الحجة المقابلة التي تعارض اعتبارها نموذجا متميزا، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار المبادئ الديمقراطية العالمية، والمعايير الديمقراطية الكونية، والتقارب الديمقراطي التقدمي. ويجادل أنصار المنظور الكوني بأن المبادئ الأساسية للديمقراطية، مثل السيادة الشعبية والتعددية السياسية والحريات المدنية، هي شؤون قابلة للتطبيق عالميا ولا ينبغي اعتبارها متميزة بناء على الموقع الجغرافي أو مستوى التنمية الاقتصادية. وتدعو المؤسسات والاتفاقيات العالمية، مثل الأمم المتحدة و"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، إلى معايير ديمقراطية كونية ينبغي تطبيقها عالميا، بغض النظر عن مستوى التنمية في أي بلد بعينه. وهذا يعني أنه لا ينبغي تجزئة الديمقراطية على أساس تسمية "العالم الثالث". ويؤكد بعض الباحثين والمفكرين أن الاتجاهات العالمية تشير إلى تقارب تقدمي نحو المعايير والمؤسسات الديمقراطية، مما يشير إلى أن الفروق بين ديمقراطيات "العالم الثالث" وتلك الموجودة في العالم المتقدم تتضاءل مع انتشار الممارسات والقيم الديمقراطية عبر الحدود.
الخلاصة هي أن مسألة ما إذا كان ينبغي اعتبار الديمقراطية في "العالم الثالث" نموذجا متميزا تبقى معقدة ومتعددة الأوجه. وفي حين أن التكيفات السياقية والتجارب التاريخية الفريدة قد توحي بوجود هذا التمييز، فإن المنظور العالمي والاتجاهات نحو التقارب تؤكد الترابط بين المبادئ الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. ومع استمرار الدول في التحرك في مساراتها الديمقراطية، فإن اتباع نهج يعترف بكل من القواسم المشتركة والخصوصيات هو أمر بالغ الأهمية لفهم الحكم الديمقراطي والنهوض به. ومن الضروري الاعتراف بالفروق الدقيقة في الحكم الديمقراطي في "العالم الثالث" وتأسيسه كنموذج منفصل تماما.
تطور الديمقراطية في بنغلاديش وتحدياتها
تؤكد سردية التحول الديمقراطي البطيء والمؤلم في بنغلاديش بعد نهاية الحكم العسكري في العام 1991 على تعقيدات توطيد الديمقراطية في بلدان "العالم الثالث". وتعكس قاعدة تغيير الحكومات من خلال الاقتراع بدلا من الرصاص التقدم المحرز في الحكم الديمقراطي، ولكنها تكشف أيضا عن التحديات المرتبطة بالحكم والاستقرار السياسي. وفي هذا السياق، يتسم المشهد السياسي في بنغلاديش بالاضطرابات الداخلية، التي تشمل الهويات الوطنية المتغيرة، والسياسة المشخصنة، وضعف بناء المؤسسات، والافتقار إلى المساءلة السياسية. وتسلط هذه التعقيدات الضوء على الطبيعة الدقيقة للحكم الديمقراطي في دول "العالم الثالث"، والتي تمتد إلى ما وراء سياق بنغلاديش.
على سبيل المثال، شهدت بنغلاديش تنمية اقتصادية واجتماعية مثيرة للإعجاب، اتسمت بانخفاض كبير في الفقر، وتحسينات في مؤشرات التنمية البشرية، وتقدم ما تم إحرازه نحو تحقيق وضع الدخل المتوسط. وكان النمو الاقتصادي مدفوعا بالتنمية الملحوظة في البلاد، ومدعوما بتدفقات التحويلات المالية وصادرات الملابس الجاهزة المرنة، واستقرار ظروف الاقتصاد الكلي. ولعب البنك الدولي، من خلال الدعم المالي والفني المكثف، دورا محوريا في رحلة التنمية في بنغلاديش، حيث خصص أكثر من 39.5 مليار دولار لمختلف المشاريع والبرامج. وقد نجحت بنغلاديش في الحد من الفقر، وحققت وضع الدخل المتوسط الأدنى بطريقة تعكس نموها الاقتصادي القوي وجهودها المتفانية للتقدم نحو التنمية المستدامة. ووفقا للبنك الدولي، انخفض معدل الفقر في بنغلاديش من أكثر من نصف السكان إلى أقل من الثلث، مع انخفاض كبير في معدل الفقر من 11.8 في المائة في العام 2010 إلى 5.0 في المائة في العام 2022، استنادا إلى خط الفقر الدولي البالغ 2.15 دولار في اليوم. وعلاوة على ذلك، أحرزت بنغلاديش تقدما كبيرا في مجالات مثل التعليم والصحة والخصوبة، ووضعت نفسها في وضع يسمح لها بالخروج من قائمة الأمم المتحدة لأقل البلدان نموا بحلول العام 2026.
في الوقت نفسه، يواجه البلد تحديات مثل ارتفاع التضخم، ونقص الطاقة، وعجز ميزان المدفوعات، ونقص الإيرادات. وعلى المدى القصير، من المتوقع أن يواجه الاقتصاد قيودا بسبب تدابير تقليل الواردات التي تؤثر على النشاط الاقتصادي. ومع ذلك، من المتوقع أن يتسارع النمو على المدى المتوسط مع انحسار الضغوط التضخمية، وتحسن الأوضاع الخارجية، واكتساب تنفيذ الإصلاح زخما. وأحد هذه الحوادث هو الانتخابات العامة الأخيرة في العام 2018 التي شهدت حصول ائتلاف "رابطة عوامي" الحاكم على أغلبية ساحقة وسط ادعاءات بحدوث مخالفات انتخابية، مما أثار مخاوف بشأن العملية الديمقراطية. وقد واجه البلد انتقادات بسبب التراجع الديمقراطي، حيث عززت الحكومة سلطتها من خلال القمع العنيف والمزاعم بتزوير الانتخابات.
يقدم تحليل التحول السياسي في بنغلاديش فهمًا دقيقا للتحديات والشكوك داخل إطارها الديمقراطي. ويؤكد سرد التحول الديمقراطي البطيء والأزمات الداخلية ودور الحكومات المؤقتة على الطبيعة المميزة للنموذج الديمقراطي في بنغلاديش في سياق دولة من "العالم الثالث". واستنادا إلى هذا التحليل، من الواضح أن تجارب بنغلاديش في مسار تحولها الديمقراطي تعرض رؤى قيمة في الخطاب الأوسع حول الحكم الديمقراطي في بلدان "العالم الثالث". وتتماشى التعقيدات والتحديات التي تم تسليط الضوء عليها في المشهد السياسي في بنغلاديش مع الحجة القائلة بأن دول العالم الثالث تحتاج إلى دراسة كنموذج متميز للديمقراطية، حيث توفر تجاربها دروسا قيمة قابلة للتطبيق على الفهم الأوسع للحكم الديمقراطي.
*مانسي ن. أ MAANSI N.A: باحثة وكاتبة بنغالية تحمل درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية والسياسة العامة من جامعة سانت جوزيف، بنغالورو.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Is Democracy in the “Third World” a Distinct Model?