ألكسندر لانغلوا* - (ذا ناشيونال إنترست) 26/7/2024
تجدر ملاحظة أن نائبة الرئيس كامالا هاريس تجاهلت حضور خطاب نتنياهو الذي ألقاه أمام جلسة مشتركة للكونغرس.
ويغلب أن تحدث تغييرات كبيرة في السياسات تجاه إسرائيل-فلسطين ببطء لأن الظروف الحالية جاءت نتيجة للإحباطات المتسارعة والغضب الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
* * *
شهدت واشنطن، مؤخرًا، واحدًا من أبرز أسابيعها السياسية جدارة بالملاحظة في الذاكرة الحديثة، حيث تنحى الرئيس الأميركي جو بايدن عن حملته السياسية لولاية رئاسية ثانية، وألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابًا غير مسبوق أمام الكونغرس الأميركي.
ولا يمكن التقليل من تأثيرات هذين الحدثين في سياق السياسة الخارجية الأميركية على إسرائيل وفلسطين، ناهيك عن الشرق الأوسط الأوسع، خلال عام انتخابات.
ويدور السؤال المطروح الآن حول ما إذا كان سيتم الشعور بهذه التأثيرات على الفور أم على المدى الطويل، ولو أن الخيار الأخير هو الأكثر احتمالًا بالنظر إلى الجمود الذي يسم السياسة الخارجية لواشنطن واهتمامها المتواصل وطويل الأمد بإسرائيل.
انسحب بايدن من السباق الرئاسي في 21 تموز (يوليو)، ليكون بذلك أول رئيس يفعل ذلك وهو في المنصب منذ ليندون جونسون خلال حرب فيتنام.
وفي حين أن الكثير من الظروف تختلف بين هذين الحدثين، فإن الاضطرابات السياسية والسياسات الخارجية التي لا تحظى بالشعبية ترسم خطا مباشرا بين الإدارتين.
وبينما انسحب بايدن على الأرجح بسبب التدهور المستمر لشعبيته في استطلاعات الرأي بسبب المخاوف بشأن عمره، لعبت المشاعر المناهضة للحرب -مثل تلك التي واجهت جونسون في السابق- دوراً مهماً في خفض أرقام بايدن في هذه الاستطلاعات أيضا.
بعد إعلان انسحابه، أيد بايدن على الفور نائبته، كامالا هاريس، لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، وانضمت مؤسسة الحزب إليه في ذلك إلى حد كبير.
وقد لعبت هاريس دورا تقليديا مألوفا في الخلفية لمنصبها لتقوم بدور "الشرطي السيئ" في الإدارة عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وفي المقابل، ادعى مسؤولو الإدارة أنها لا توجد مسافة بينها وبين الرئيس بشأن هذه القضية. وقد حاول بعض الخبراء والنقاد والمسؤولين السابقين تصوير هاريس على أنها محبطة وغاضبة من استراتيجية الإدارة الأميركية بشأن إسرائيل- فلسطين، مسلطين الضوء على دعواتها إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا ضد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان -في ما يشير إلى صعوبة إدارة حملتها كنائبة للرئيس.
بالإضافة إلى ذلك، ألقت هذه السلسلة من الأحداث بظلالها على زيارة نتنياهو سيئة السمعة إلى واشنطن. وخلال كلمته التي ألقاها أمام الكونغرس، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي خطاب حملة انتخابية مصمماً لتعزيز دعم المحافظين لبقائه السياسي، مبتعداً بسرعة عن خطاب "الوحدة" الموعود الذي كان قد ألمح إليه سابقًا قبل الرحلة إلى واشنطن.
وفي الواقع، دفع نتنياهو بالعديد من الأكاذيب حول عمليات بلاده في غزة، بينما يهاجم المواطنين الأميركيين الذين يحتجون وسط تصفيق مدوٍّ من ممثليهم المنتخبين.
بطريقة جديرة بالملاحظة، اختارت هاريس عدم ترؤس الجلسة المشتركة للكونغرس التي ألقى فيها نتنياهو خطابه كما هو معتاد بالنسبة لنائب رئيس. وقد تغيبت عن الخطاب إلى جانب ما يقرب من نصف أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس.
وعلى الرغم من أن هاريس لم تنتقد خطاب نتنياهو مثلما فعل العديد من زملائها في الحزب -بمن فيهم عدد كبير من الديمقراطيين التقليديين الذين حضروا الخطاب، لكنهم ربطوه بزعيم مهتم بالحفاظ على الذات أكثر من العناية ببقاء إسرائيل أو بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل- إلا أنها التقت برئيس الوزراء في 25 تموز (يوليو) في لقاء خاص، مع استقبال بارد أمام الكاميرات، هدفت به إلى إبقاء نفسها على مسافة.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن معظم الديمقراطيين لم يبقوا في القاعة للتحدث مع نتنياهو أو مصافحته بعد خطابه.
وقد أدان الكثيرون هذا الخطاب بعد إلقائه، في ما يرجع إلى حد كبير إلى عدم اهتمامه الواضح بمناقشة مسألة الرهائن الإسرائيليين أو وقف إطلاق النار في غزة، بينما اعتقلت شرطة الكابيتول العديد من أفراد عائلات الرهائن بسبب احتجاجهم على الحدث.
كان هذا الوضع ليعتبر غير مسبوق قبل بضع سنوات فقط. ومن المؤكد أن معظم هؤلاء المسؤولين المنتخبين في الكونغرس دعموا إسرائيل بقوة منذ فترة طويلة قبل هجمات حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهم لا يجسدون، في العلن على الأقل، تقاربا قويا مع الحركة المؤيدة لفلسطين.
ومع ذلك، يعكس التحول المفاجئ في النبرة والنهج داخل الحزب الديمقراطي تحولا بطيئا وطويل الأمد -وإن كان مهما- والذي يمكن أن يؤثر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة إذا فازت هاريس في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
ومع ذلك، ستشكل أي إدارة مستقبلية تقودها هاريس خطوة في هذا التحول بدل أن تكون نهايته الطبيعية. ومن المرجح أن تحدث تغييرات كبيرة في السياسات ببطء لأن الظروف الحالية جاءت نتيجة للإحباطات المتسارعة والغضب الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ما يزال من المحرمات إلى حد ما انتقاد إسرائيل في قاعات الكونغرس -وهو أمر لن تغيره إدارة هاريس المستقبلية بين عشية وضحاها.
وفي الواقع، تعود جذور نائبة الرئيس إلى المعسكر التقليدي المؤيد لإسرائيل الذي ما يزال يهيمن على الحزب. كما أن في الحزب أعضاء يشغلون مناصب واسعة في الدوائر المؤيدة لفلسطين، مثل "التجمع التقدمي في الكونغرس".
وإذن، سوف يخبرنا الوقت بما إذا كانت هاريس قد لعبت روتين الشرطي الجيد والشرطي السيئ بدلاً من وجود رغبة حقيقية في اتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه إسرائيل. وينبغي أن تتحدث حقيقة تغيبها عن خطاب نتنياهو عن اهتمامها الواضح بتحويل السياسة الخارجية الأميركية بعيدا عن نهج بايدن الفريد في "عناق الدب"، حتى لو كانت هذه الاعتبارات انتخابية في جوهرها
وفي هذا السياق، يمكن أن يعكس تفكير هاريس اهتماما بتجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي السام سياسيا -الذي يشكل الآن كيس ملاكمة مناسبًا للديمقراطيين الذين يخشون أن يبدوا مفرطين في انتقاد إسرائيل.
يُلاحظ أن هاريس لا تبدو وكأنها تشارك بايدن وجهات نظره بشأن إسرائيل، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب مضاهاة معتقدات السياسي السبعيني و"الصهيوني" المعلن ذاتياً.
في نهاية المطاف، تبقى المشاعر الشخصية مهمة بالنسبة لفرد يتمتع بسلطة واسعة في السياسة الخارجية مثل رئيس.
ولكن، بغض النظر عن ذلك، يمكن لإدارة مستقبلية ترأسها هاريس أن تتخذ موقفا أكثر تشددا بشأن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وانتقاد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة -خاصة في ما يتعلق بالمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
وسيظل هذا النهج مطابقًا إلى حد كبير لاستراتيجية إدارة بايدن من نواح كثيرة، سوى أن ذلك سيكون مع احتمال التعرض للمزيد من الانتقادات العامة.
ويجب على أولئك المهتمين بالتأثير على حملة هاريس أن يلاحظوا -ويغلب أنهم يلاحظون- مواقفها، وكيف ستغير فريق السياسة الخارجية للبيت الأبيض، وكذلك التحولات الأخرى الجارية بالفعل.
في هذا الصدد، يبدو مستشار هاريس للسياسة الخارجية، فيليب جوردون، شخصًا تجدر مراقبته. باعتباره مسؤولاً سابقا في الإدارة في عهد أوباما، كان غوردون ينتقد بشدة إجماع السياسة الخارجية الأميركية السائد في العقود القليلة الماضية. وتعكس منشوراته السابقة ازدراءً للوضع الراهن، خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسات تغيير النظام التي تنتهجها واشنطن، والإحباط العام من رغبتها المستمرة في "القيام بشيء ما" في كل مكان، وفي كل وقت.
ومع ذلك، فإن أعضاء فريق غوردون وهاريس الأوسع ليسوا ذوي ميل إلى ضبط النفس، ولديهم وجهات نظر تقليدية نسبيا حول إسرائيل والشرق الأوسط، على الأقل بالنسبة لجماعة الحزب الديمقراطي.
وهكذا، يبقى أن نرى ما إذا كان خطاب نائبة الرئيس السابقة وأفعالها، إلى جانب معتقدات فريق السياسة الخارجية الذي يحيط بها، يمكن أن يؤدي إلى تغيير حقيقي
. وقد عكس وجود نتنياهو في واشنطن واجتماعاته مع هاريس بالفعل بالفعل احتكاكا خطيرا في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي سيكون من الصعب عكس وجهته، خاصة وأن الزعيم الإسرائيلي يعطي المزيد والمزيد من الديمقراطيين أسبابًا لانتقاد طبيعة تلك العلاقة.
ومن الواضح أن هاريس تدرك ذلك، ويمكنها، بالتفكير الحكيم والتواصل مع المعسكر المؤيد لفلسطين، تصحيح المسار -على الأقل من خلال مطالبة إسرائيل بالقبول بدولة فلسطينية مستقبلية وإنهاء الحرب في غزة.
*ألكسندر لانغلوا Alexander Langlois: محلل متخصص في السياسة الخارجية يركز على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حاصل على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأميركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Will a Harris Administration Shift Israel-Palestine Policy?
اقرأ المزيد في ترجمات:
طريق كامالا هاريس إلى ترشيح الحزب الديمقراطي