جوردان تشاندلر هيرش* - (تابلت) 20/4/2024
ملاحظة المترجم/ المحرر:
نشر هذا المقال قبل 12 عامًا تقريبًا. لكن مضمونه يساعد في فهم مدى التطرف المعادي للعرب/ الفلسطينيين الذي بلغته سياسات حُكام الكيان الصهيوني الحاليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو.
وكما يحاول المقال أن يقول، فإنه حتى زئيف جابوتنسكي؛ المنظر المتطرف المبكر للصهيونية التنقيحية، وصاحب مبدأ "الجدار الحديدي"، لم يذهب في رفضه الفلسطينيين إلى الحد الذي بلغه نتنياهو.
* * *
توفي فلاديمير زئيف جابوتنسكي -المؤسس المتمرد على الأفكار الأيقونية والقائد للحزب التنقيحي اليميني الصهيوني وصانع المتاعب لديفيد بن غوريون- قبل ثماني سنوات من ولادة إسرائيل، وأودِع في خزائن التاريخ بينما ذهب أقرانه إلى المجد. لكن جابوتنسكي عاد الآن إلى العناوين الرئيسية بفضل النقاد والمفكرين الذين يرون فلسفته تنعكس في سياسات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
وتذهب حجة هؤلاء إلى شيء من هذا القبيل: باستثناء النسب السياسي الواضح -حيث حزب الليكود هو خليفة "حيروت"، الذي كان خليفة فصيل جابوتنسكي التعديلي- يعود تاريخ نتنياهو الشخصي مباشرة إلى جابوتنسكي. كان بنزيون نتنياهو، والد رئيس الوزراء، تلميذ جابوتنسكي وسكرتيره الخاص.
وقال نتنياهو الأب مؤخرًا في العام 2009، إن وجود العرب "هو وجود متسم بالحرب الدائمة"، وقال إن على إسرائيل أن تتغلب على أي تلميح للقومية الفلسطينية مع التهديد بالتسبب للفلسطينيين بـ"معاناة هائلة". وقد نقل هذه المعتقدات إلى ابنه، "بيبي" نتنياهو، الذي هو مثل جابوتنسكي، متطرف وحشي وعنصري، يتبني فلسفة "الحد الأقصى" عندما يتعلق الأمر بالأراضي، ولا يتحمل أي تسوية أو تنازل بشأن رغبته في حماية الدولة اليهودية من خلال سحق العرب.
في شباط (فبراير) 2012، كتب روجر كوهين في صحيفة "نيويورك تايمز" أن نتنياهو "نشأ في سلالة جابوتنسكي الصهيونية، برعاية أب ينظر إلى العرب على أنهم "شبه برابرة".
وجادل أندرو سوليفان، في مراجعته لكتاب بيتر بينارت "أزمة الصهيونية"، بأن سياسة نتنياهو في غزة والضفة الغربية، في ضوء تأثير جابوتنسكي، "تبدو أكثر منطقية... إنها اعتداء واع لا هوادة فيه على حياة الفلسطينيين بهدف إفقارهم لدرجة جعلهم يفرون".
ولكن، لا بد أن هؤلاء النقاد نسوا تاريخهم. سوف تشير، حتى نظرة سريعة على كتابات جابوتنسكي، إلى أن الرائد الصهيوني لم يكن ذلك المتعصب المحرض على الحرب كما يصوره هؤلاء النقاد. ولنتأمل هنا التهم الرئيسية الثلاث التي توجه إليه عادة:
1. جابوتنسكي كان عنصرياً.
معظم القادة الصهاينة الأوائل إما أنهم لم يدركوا -أو أنهم رفضوا الاعتراف على الملأ بعمق القومية العربية والمعارضة للدولة اليهودية. وقد رفضوا العنف العربي وقللوا من شأنه باعتباره شغبًا معزولًا حُرض عليه الرعاع، واعتقدوا أن الوظائف والمال الكافيين سيقمعانه. وفي العام 1921، على سبيل المثال، قال بن غوريون إن مثيري الشغب العرب هم "همجيون" و"لصوص" لا تحركهم الأيديولوجية المعادية للصهيونية، وإنما التحريض من قادتهم.
ثم بعد خمسة عشر عامًا -ولأسباب استراتيجية على الأرجح- كتب أن "غالبية السكان العرب يعرفون أن الهجرة اليهودية والاستعمار يجلبان الرخاء... (وأن) مصلحتهم الذاتية... لا تتعارض مع الهجرة اليهودية... وإنما هي في وئام تام معها".
اعتقد جابوتنسكي أن هذا الرأي كان هراء. وكتب في العام 1923 في أكثر مقالاته شهرة، "الجدار الحديدي": "الاعتقاد بأن العرب سيوافقون طواعية على تحقيق مشروع الصهيونية مقابل الفوائد الثقافية والاقتصادية التي يمكن أن نمنحها لهم هو شيء طفولي".
وقال إن هذا التصور الخيالي "ينبع من نوع من الازدراء للشعب العربي"، واعتقاد أبوي بأنهم "مستعدون لأخذ رشوة لبيع وطنهم من أجل شبكة للسكك الحديدية". لقد أدرك جابوتنسكي أن الصراع بين اليهود والعرب لم يكن يدور حول الدولارات أو الأرض، وإنما حول الأيديولوجية. وقال إن الصهاينة أضروا بقضيتهم من خلال الفشل في التعامل مع هذه الحقيقة بشكل مباشر.
ولهذا السبب وصف المؤرخ الإسرائيلي اليساري، آفي شلايم، جابوتنسكي بأنه "أول زعيم صهيوني كبير يعترف بأن الفلسطينيين هم أمة، وأنه لا يمكن أن يُتوقع منهم التخلي عن حقهم في التمسك بإرثهم".
الأكثر من ذلك هو أن جابوتنسكي كان ليبرالياً كلاسيكياً من ليبراليي القرن التاسع عشر، ودافع عن المساواة المدنية الكاملة. وعلى الرغم من أنه غازل لاحقًا، أولًا فكرة النقل الطوعي للعرب إلى خارج فلسطين، إلا أنه عارض بشدة طردهم بالإكراه -على عكس بن غوريون، الذي أشاد، وفقًا للمؤرخ بيني موريس، بفكرة الترحيل القسري للفلسطينيين في مذكراته في العام 1937، وفي وقت لاحق من ذلك العام، اقترح في خطاب أن الجالية اليهودية يمكن أن "تنفذ ترحيل (الفلاحين العرب) على نطاق واسع".
وفي مقال نشر في العام 1940، وضع جابوتنسكي برنامجاً منهجياً لحقوق العرب، مقترحًا، من بين أمور أخرى، أن كل حكومة يقودها يهودي في إسرائيل المستقبلية يجب أن تعرض منصب نائب رئيس الوزراء على عربي.
وفي نفس الأغنية القتالية جدًا لمنظمة الشباب التعديلية التي أسسها، "بيتار" -التي أعلنت أن "ضفتان هناك لنهر الأردن: هذه لنا، وتلك أيضًا"- كتب جابوتنسكي: "من ثروة أرضنا يجب أن يزدهر العربي والمسيحي واليهودي".
وحتى في أكثر أطواره تشددًا، دعا إلى الأخوة والمساواة. بعيدًا عن كونه عنصرياً بكل معنى ممكن، كان جابوتنسكي أحد القادة الصهاينة القلائل الذين أخذوا العرب على محمل الجد ودافعوا عن دور مهم لهم في الدولة اليهودية المستقبلية.
صحيح أن جابوتنسكي لم يكن ينطوي على احترام كبير للثقافة العربية. في "الجدار الحديدي"، على سبيل المثال، كتب أنه "ثقافياً، (العرب الفلسطينيون) متأخرون عنا بـ500 عام". لكنّ جابوتنسكي احترم علنًا، بالعديد من الطرق، التطلعات العربية أكثر بكثير من معظم الصهاينة العماليين تحت قيادة بن غوريون.
2. أثارت عنصرية جابوتنسكي تجاه العرب على مطالبته المتطرفة بدولة يهودية على جانبي نهر الأردن.
ما مِن شك في أن جابوتنسكي أصر على الاستيلاء على جانبي نهر الأردن -ليس فقط إسرائيل والأراضي الفلسطينية اليوم، وإنما الأردن أيضًا. لكنه لم يفعل ذلك بسبب الرغبة في معاقبة العرب أو الاعتقاد بأنهم لم يكونوا يستحقون دولتهم الخاصة.
بدلاً من ذلك، برر جابوتنسكي مطلبه بالتذرع بالحاجة إلى إنقاذ يهود أوروبا من الإبادة. وكان قد شعر، قبل سنوات من حدوث الهولوكوست، بـ"كارثة عنصرية" تقترب من يهود أوروبا. وفي خطاب نبوي مأساوي ألقاه في وارسو في "يوم الصوم اليهودي" في العام 1938، توسل إلى الحشد للاستماع إليه والهجرة إلى فلسطين في ما اعتبره "اللحظة الأخيرة" قبل الكارثة: "من أجل الله! أنقذوا حياتكم، كل واحد منكم، طالما أن هناك وقتًا.
الوقت قصير"! وحمل جابوتنسكي هذه الرسالة معه بلا كلل في جميع أنحاء القارة، كمنقذ يائس محتمل ليهودها.
كان هوس جابوتنسكي بإيواء الملايين من اليهود الأوروبيين، وليس نوعًا من التعصب ضد العرب، هو الذي دفع مطالباته بالأراضي. وحتى عندما عبر عن "أعمق شعور بالقضية العربية"، جادل جابوتنسكي بأنه ببساطة لا يمكن مقارنتها بالحاجة اليهودية للجوء. وقال "عندما يطالب العرب... (بـ) الدولة العربية رقم 4 أو رقم 5 أو رقم 6... في مواجهة مطلبنا اليهودي بالخلاص، يكون ذلك مثل مطالب الشهية في مقابل مطالب المجاعة".
وقال لي يوسي كلاين هاليفي، وهو زميل في معهد شالوم هارتمان في القدس: "لا يمكنك فهم تفكير (جابوتنسكي) حول الصراع العربي الصهيوني، وتطرفه ومطالبته التطرفة، من دون فهم دوره كصوت يهودي وحيد للإنقاذ في حالات الطوارئ". بالنسبة لجابوتنسكي، لا يمكن للرغبات العربية، مهما كانت مشروعة، أن ترقى أخلاقيًا إلى مستوى الأزمة الوجودية لليهود.
3. دعا جابوتنسكي إلى حرب بلا نهاية ضد العرب الفلسطينيين إلى أن يخضعوا ويستسلموا.
في إشارة إلى قيام اليهود بـ"سحق" و"إفقار" العرب الفلسطينيين وتيئيسهم بالقوة العسكرية حتى ينكسروا، يقدم كُتّاب مثل بيتر بينارت وأندرو سوليفان تفسيرًا ضحلاً لجدار جابوتنسكي الحديدي.
اقترح جابوتنسكي الجدار الحديدي لأول مرة في العام 1923 -ليس كحاجز، حرفياً، بقدر ما هو استعراض للقوة يهدف إلى إقناع العرب بأن اليهود موجودون هناك ليبقوا. وبالنظر إلى التحدي الطبيعي الذي أبداه السكان الأصليون للاستيطان اليهودي، أدرك جابوتنسكي أنه طالما بقيت لدى العرب "شرارة أمل" في أن يتمكنوا من طرد اليهود، فإنهم لن يلينوا. فقط عندما "لا يبقى أمل... عندما لا تكون هناك ثغرة واحدة مرئية في الجدار الحديدي"، فإن "الجماعات المتطرفة ستفقد نفوذها"، كما كتب، وينهض المعتدلون "لتقديم اقتراحات للتسوية".
وقال جابوتنسكي في وقت لاحق إنه عندما يحدث ذلك، فإنه سيكون مستعداً "للسماح حتى لكالفاريسكي (مؤسس حركة السلام البريطانية "شالوم") بقيادة الأوركسترا". ولكن حتى ذلك الحين، فإن أي سلام حقيقي سيحتاج إلى انتظار حدوث التحول النفسي اللازم لدى السكان العرب.
لم يكن المقصود من الجدار الحديدي أن يكون ذريعة لاستخدام القوة القاسية، وإنما أن يكون عرضًا للعزم والديمومة، الذي يكون من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى المصالحة. ووفقًا لآفي شلايم، فإن جابوتنسكي "لم يعارض التحدث مع الفلسطينيين في مرحلة لاحقة".
لكن خطر مفهوم الجدار الحديدي، في رأيه، كان أن "القادة الإسرائيليين الأقل تطورًا من جابوتنسكي سيقعون في حب مرحلة معينة من (الجدار) ويرفضون التفاوض حتى عندما يكون هناك أحد للتحدث معه على الجانب الآخر".
وأخبرني سالاي مريدور؛ السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة والعضو السابق في شباب "بيتار"، بأنه، خلافًا للصورة الشائعة، "يشير مقال الجدار الحديدي إلى أن جابوتنسكي كان مستعداً لتسوية كبيرة في ظل ظروف معينة.
كان يعارض بشدة عرض التسوية طالما أن العرب لم يتخلوا تمامًا عن الرغبة في التخلص من اليهود، لكنه توقع أنه يمكن (إذا فعلوا ذلك)، أن يكون هناك اتفاق قائم على تنازلات متبادلة" بشأن القضايا الرئيسية لكلا الجانبين.
وبقدر ما كان جابوتنسكي حريصًا على تكريس السيادة اليهودية، كان حريصًا بالقدر نفسه على صنع السلام مع العرب بمجرد اعترافهم بحتمية وجود الدولة اليهودية.
بطبيعة الحال، لن تعرف أياً من هذا من النقاد الجدد، الذين يقومون، من خلال قراءة التاريخ عَودًا إلى الوراء من الحاضر، بشيطنة وتبسيط إرث جابوتنسكي لمهاجمة خصمهم السياسي الحالي، نتنياهو.
ولكن، إذا كان جابوتنسكي محورياً حقاً في تكوين تفكير "بيبي"، فربما يكون هؤلاء النقاد مخطئين بشأن الحاضر كما هم مخطئون بشأن الماضي.
*جوردان تشاندلر هيرش Jordan Chandler Hirsch: زميل زائر في معهد كولومبيا للدراسات الإسرائيلية واليهودية وزميل في مشروع مجتمع المعلومات في كلية الحقوق بجامعة ييل. وهو محرر سابق في مجلة "فورين أفيرز"، كتب لمطبوعات مثل "نيويورك تايمز"، "وول ستريت جورنال"، و"الواشنطن بوست".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Bibis Political Forefather?
اقرأ المزيد في ترجمات:
نتنياهو غير مؤهل للخدمة؛ وعليه أن يستقيل الآن