ريان كوغان* - (إندبندنت عربية) 2024/8/5
خصوم دونالد ترامب يصفونه بـ"غريب الأطوار"، وهو تحول في استراتيجيات الهجوم السياسي، حيث يُستخدم هذا الوصف الآن لإبراز خروج ترامب وأنصاره عن المألوف في السياسة، مع التركيز على أن هذه الاستراتيجية قد تكون فعالة في سياق سياسي غير تقليدي، على الرغم من أنها قد تبدو متأخرة بعض الشيء.
ويسلط الديمقراطيون الضوء على غرابة تصرفات الرئيس السابق وأنصاره ويستخدمون هذا النهج كسلاح سري لإزعاجه وتمهيد الطريق لفوز كامالا هاريس بالبيت الأبيض.
***
فلنقلها بصراحة. إن دونالد ترامب هو شخص غريب الأطوار، أليس كذلك؟ من اللافت للنظر كيف نصفه بالغرابة اليوم، بعد مرور ثمانية أعوام على تعاملنا معه على أنه سياسي شرعي كنا ننظر إلى تصريحاته وقراراته بجدية شديدة. بل وكنا في كثير من الأحيان نشعر بالخوف الشديد من تصرفاته المحتملة. إن وصف ترامب بـ"غريب الأطوار" قد يبدو أقل وصف يمكن أن نطلقه عليه في هذا القرن. ولكن، لماذا يثير هذا الوصف ردود فعل قوية من ترامب ومؤيديه؟
إن كنتم لم تتنبهوا للأمر، فإن حملة الهجوم الجديدة ضد الجمهوريين ذكية على الرغم من بساطتها، حيث تتمحور بشكل أساسي حول إبراز "غرابة" ترامب و"الترامبية" كظاهرة غير طبيعية على الإطلاق.
ما الذي يعنيه ذلك على أرض الواقع؟ إنه يعني حرفياً ما تتخيلونه: التركيز على جوانب معينة من شخصية ترامب وأسلوبه من خلال الإشارة إلى تصريحاته الغريبة وغير المألوفة، ووصفه أشد مؤيديه بأنهم خارجون عن المألوف، والتركيز على مظهره وسلوكه وطريقة حديثه الغريبة. ونرى هذا النهج واضحاً في خطاب الديمقراطيين البارزين خلال المقابلات الإعلامية، بل إن حملة هاريس ذهبت إلى حد وصف ترامب بأنه "عجوز وغريب للغاية" في بيان رسمي.
تكتسب هذه الرؤية قوة متزايدة لكونها حقيقة واضحة. ويتصف أنصار ترامب من الجمهوريين بغرابة أطوار تفوق بكثير ما نعهده لدى المحافظين التقليديين. في الماضي، كانت هذه الغرابة تعد ميزة جاذبة، وهو ما جعل الناخبين يقبلون على ترامب وينتفضون ضد هيلاري كلينتون التي جسدت النهج السياسي المعهود بهدف "هز أركان المؤسسة السياسية" واختيار شخصية من خارج الأوساط السياسية.
بيد أن المزاج العام تغير اليوم، حيث هناك رغبة ملحوظة في العودة إلى السياسة التقليدية وإن بدت رتيبة، ولذلك لم تعد "الغرابة" في الأداء السياسي تحظى بالجاذبية ذاتها التي تمتعت بها سابقاً.
من المستغرب أن حركة سياسية بنيت على الإهانات والأكاذيب والتضليل تبدو الآن منزعجة للغاية من وصف بسيط ومباشر. ولكن يبدو أن هذه الاستراتيجية الجديدة تؤتي ثمارها بشكل ملحوظ، إذ شهدنا أخيراً رد فعل دفاعياً من فيفيك راماسوامي، المرشح الجمهوري السابق للرئاسة، الذي تحول إلى مؤيد متحمس لترامب.
وقد وصف راماسوامي هذا الأسلوب في الهجوم بأنه "غبي وصبياني". لكنّ هذا الرد يبدو متناقضاً بشكل صارخ مع سلوك ترامب نفسه في الماضي الذي قام بتقليد صحفي من ذوي الإعاقة بشكل ساخر خلال خطاب انتخابي.
وحاول السيناتور ماركو روبيو قلب الطاولة على خصومه، ويُنقل عنه قوله: "لقد وصفونا بالغرابة، لذلك سأصفهم بأنهم أكثر غرابة منا". لكن هذه المحاولة تبدو غير مجدية في السياق الحالي، وذلك لسببين رئيسين: أولاً، قائد الحزب المنافس (الديمقراطي) هو محام بارع ومحنك، بينما قائد الحزب الجمهوري يثير الجدل بتصرفات غير تقليدية، مثل الإشارة المتكررة إلى شخصية "هانيبال ليكتر" الشريرة في تجمعاته الانتخابية.
وفي تصريح لافت للنظر، كشف حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، عن استراتيجية جديدة في التعامل مع خصومه السياسيين. وعبر تيم خلال حوار أجرته معه شبكة (إم. إس. إن. بي.
سي) MSNBC، بصراحة عن مخاوفه قائلاً: "إن جل ما يسعون إليه هو التحكم في حياتنا، من الكتب التي نقرأها إلى خصوصية غرف الفحص الطبي، وعلينا أن ندرك خطورة هذه الأفكار الغريبة من دون مواربة. يكفي الاستماع إلى تصريحاتهم لفهم حقيقة نواياهم".
وبصفته أستاذ مدرسة سابقاً، يُفترض أن تيم والز يدرك جيداً الأثر المدمر الذي يمكن أن يخلفه وصف شخص بأنه "غريب الأطوار". إن هذا من أقسى ما يمكن أن يقوله طفل لآخر. ومن منطلق تجربة شخصية كطفل اتُّهم بالغرابة سابقاً، يمكنني التأكيد أنه ليس هناك ما هو أسوأ من النبذ بسبب خصائصك الفريدة. ويشكل هذا الوصف، في جوهره، هجومًا على كل السمات الحساسة التي تشكل هويتك الفريدة.
وفي حين يتجاوز كثيرون منا هذه العقلية مع الوقت ويتعلمون تقبل كونهم غريبي الأطوار، يبدو أن المشروع الجمهوري برمته يستند إلى مفهوم "الطبيعي". والرسالة الضمنية لديهم تقول: "نحن الفئة المقبولة اجتماعياً، وكل من يختلف عنا في المظهر أو السلوك أو المعتقد هو خارج عن المألوف".
يسعى الجمهوريون، بحسب ادعائهم، إلى استعادة صورة أميركا المثالية، تلك الصورة الحنينية لأحياء تحيط بها الأسوار البيضاء، حيث الأبواب غير موصدة والأطفال مهذبون. غير أن هذا الموقف يفقد صدقيته حين يختار رئيسهم السابق نائباً لا يتورع عن وصف النساء العازبات بعبارات مهينة: "عوانس يعشن مع القطط".
والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن الاعتراض على استخدام الألقاب المسيئة، في حين كان هذا النهج هو السمة البارزة للحزب الجمهوري طوال الأعوام الثمانية الماضية؟ لقد أطلق دونالد ترامب من الألقاب على خصومه السياسيين والفكريين ما يكفي لتخصيص صفحة كاملة لها على موسوعة ويكيبيديا.
تتراوح ألقاب ترامب ما بين المحيرة، مثل وصفه مايكل بلومبيرغ ذي الطول المتوسط بـ"ميني مايك"، والمسيئة، مثل نعت إليزابيث وارن بـ"بوكاهونتاس" بعد ادعائها أصولاً أميركية أصلية. وللإنصاف، فإن بعضها، كما في حالة "رون المتقدس" في إشارة إلى رون ديسانتيس، قد يثير الضحك فعلاً. يبدو ترامب أشبه بطالب متنمر في المدرسة لا يعرف كيف يتصرف حين يواجهه من يتنمر عليهم في نهاية المطاف.
ويرى بعض المراقبين، عن حق، أن وصف أفعال ترامب بـ"الغريبة" لا يعكس حجم الأضرار التي ألحقها بالعالم على مدى العقد الماضي. وربما تكون أوصاف مثل "عنصري" أو "متحيز ضد المرأة" أو حتى "شرير" أكثر دقة في وصف سلوكه وتأثيره.
لكنّ الواقع هو أن ترامب وأنصاره يتعرضون لهذه الأوصاف وغيرها منذ دخوله المعترك السياسي حيث فقدت هذه المصطلحات المشحونة بالعواطف والذاتية معناها الحقيقي. فكلمة "فاشي" مثلاً أصبحت مرادفاً لـ"شخص لا أحبه"، حتى عندما تكون وصفاً دقيقاً. أما "غريب"، فهي كلمة محايدة عاطفياً، مجرد تقرير واقع يحمل نوعاً من الاستخفاف.
لا يمكن إنكار غرابة هؤلاء وأنصارهم حتى لو اتفقت معهم في المبدأ؛ فأسلوبهم في طرح مواقفهم يبقى غريباً. فالترويج لنظريات المؤامرة، والحديث المتواصل عن "أجندة مجتمع الميم"، وإطلاق سيل من الإهانات الغريبة، كل هذا لا يجذب سوى غريبي الأطوار. والسؤال هنا: هل تريد حقاً أن تصنف ضمن هذه الفئة؟
إذا كانت هناك شكوك حول فعالية هذه الاستراتيجية، فلننظر إلى ما حدث في المملكة المتحدة أخيراً. فعلى الرغم من أن "حزب العمال" لم يشن هجوماً مباشراً يبرز مدى غرابة المحافظين بعد 14 عاماً من توليهم السلطة، فإن هذه الفكرة شكلت تياراً قوياً في حملتهم الانتخابية. وقد نجح كير ستارمر في تقديم "حزب العمال" بوصفه "حزب العودة إلى الأساسات المملة"، في حين كان ريشي سوناك منشغلاً بالتعامل مع شخصيات مثل سويلا برافرمان، التي أدلت بتصريحات غريبة ومنفرة لم تلقَ صدىً لدى الناخبين.
يبدو أن الجمهوريين راهنوا على استمرار نهج ميشيل أوباما القائل "حين ينحدرون، نرتقي" لدى خصومهم. لكن من الواضح أنهم لم يستعدوا لسيناريو يقرر فيه الديمقراطيون النزول إلى مستواهم في النهاية. فالجمهوريون يجدون أنفسهم عاجزين تماماً أمام اتهامهم بغرابة الأطوار، وكل محاولة لدحض هذا الاتهام لا تزيدهم إلا غرابة في نظر الناخبين.
من المثير للاهتمام أن الديمقراطيين وجدوا أخيراً أسلوباً فعالاً للرد. لكن الغريب حقاً هو أنهم استغرقوا كل هذا الوقت للوصول إلى هذه النتيجة.
*ريان كوغان Ryan Coogan: كاتب عمود ومحرر مفوض في قسم "أصوات" في صحيفة الإندبندنت البريطانية، متخصص في السياسة والطبقات والثقافة الشعبية والفن والأدب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ظهرت أعماله في الصحف والمجلات الوطنية بما فيها "الإندندبندنت"؛ "آي بيبر"، و"مترو يو. كيه" و"راديو تايمز".
*نشر بالإنجليزية تحت عنوان: Why Kamala’s VP pick might have already sunk Trump’s ‘weird’ running mate
اقرأ المزيد في ترجمات:
ترامب قادم والأفضل أن نكون مستعدين