فيجاي براشاد* – (غلوب تروتر) 27/2/2023
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
في اجتماع مجموعة العشرين الذي عُقد في بنغالورو، الهند، وصلت الولايات المتحدة بفكرة موجزة بسيطة. قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، في قمة شباط (فبراير) 2023، إن دول مجموعة العشرين يجب أن تدين روسيا لغزوها أوكرانيا، ويجب أن تلتزم بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد روسيا.
ومع ذلك، سرعان ما أصبح واضحاً أن الهند، رئيسة مجموعة العشرين، لم تكن على استعداد للامتثال للأجندة الأميركية.
وقال مسؤولون هنود إن مجموعة العشرين ليست اجتماعًا سياسيًا، وإنما هي اجتماع لمناقشة القضايا الاقتصادية.
واعترضوا على استخدام كلمة “حرب” لوصف الغزو الروسي، مفضلين وصفه بأنه “أزمة” و”تحد”. ورفضت فرنسا وألمانيا مسودة بيان المجموعة إذا لم يدن روسيا.
تمامًا كما حدث في إندونيسيا خلال قمة العام السابق، يتجاهل قادة مجموعة العشرين في العام 2023 مرة أخرى الضغوط التي يمارسها عليهم الغرب لعزل روسيا، مع عدم استعداد الدول النامية الكبيرة (البرازيل، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك وجنوب أفريقيا) للتزحزح عن وجهة نظرها العملية القائلة إن عزل روسيا سوف يعرض العالم للخطر.
وسوف تُعقد قمتا مجموعة العشرين المقبلتان في البرازيل (2024) وجنوب إفريقيا (2025)، مما يتضمن، بالنسبة للغرب، إشارة إلى أن منصة مجموعة العشرين لن يمكن إخضاعها بسهولة لتبني النظرة الغربية للشؤون العالمية.
وكان معظم قادة دول مجموعة العشرين قد ذهبوا إلى بنغالورو مباشرة من ألمانيا، حيث حضروا “مؤتمر ميونخ للأمن”. وفي اليوم الأول من مؤتمر ميونخ، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “لقد صُدمنا من مقدار المصداقية التي نفقدها في الجنوب العالمي”.
وكانت “نحن” في بيان ماكرون تعني الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة.
ما الدليل على فقدان هذه المصداقية؟ كانت قلة من دول الجنوب العالمي على استعداد للمشاركة في عزل روسيا، بما في ذلك أثناء التصويت على القرارات الغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وليست كل الدول التي رفضت الانضمام إلى الغرب “مناهضة للغرب” بالمعنى السياسي. إن العديد منها -بما في ذلك الحكومة في الهند- مدفوعة باعتبارات عملية، مثل أسعار الطاقة الروسية المخفضة، والأصول التي تقوم بيعها بسعر مخفض الشركات الغربية التي تغادر قطاع الطاقة المربح في روسيا.
وسواء ضاقت بضغط الغرب عليها أو أنها ترى فرصًا اقتصادية في علاقتها مع روسيا، فإن دولاً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية تجنبت على نحو متزايد الضغوط القادمة من واشنطن لقطع العلاقات مع روسيا.
وكان هذا الرفض والتجنب هو ما دفع بماكرون إلى الإدلاء بتصريحه القوي حول “الصدمة” من فقدان المصداقية الغربية.
في حلقة نقاش عقدت في 18 شباط (فبراير) في مؤتمر ميونخ للأمن، طور ثلاثة قادة من إفريقيا وآسيا أطروحة حول سبب عدم رضاهم عن الحرب في أوكرانيا وحملة الضغط التي تُمارس عليهم لقطع العلاقات مع روسيا.
ودعا وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا -الذي أدان في وقت لاحق من ذلك اليوم الغزو الروسي لأوكرانيا- مختلف أطراف النزاع إلى “بناء الإمكانية للتوصل إلى حل. لا يمكننا الاستمرار في الحديث عن الحرب فقط”.
لقد أرسلت الدول الغربية أسلحة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا لإطالة أمد حرب كان يجب إنهاؤها قبل أن تتصاعد إلى حد يجعلها خارج نطاق السيطرة.
وقد عرقل الغرب المفاوضات منذ ظهور إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت بين روسيا وأوكرانيا في آذار (مارس) 2022. وأدى حديث السياسيين الغربيين عن حرب بلا نهاية والاستمرار في تسليح أوكرانيا إلى انسحاب روسيا في 21 شباط (فبراير) 2023 من “معاهدة ستارت الجديدة”، وهو ما يؤدي -إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من “معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية” في العام 2002 و”معاهدة القوات النووية المتوسطة” في العام 2019- إلى نهاية نظام مراقبة الأسلحة النووية.
كان تعليق فييرا حول الحاجة إلى “بناء الإمكانية للتوصل إلى حل” واحدًا تتقاسم فكرته مجموعة البلدان النامية، التي لا ترى في الحرب التي لا نهاية لها شيئًا مفيدًا لكوكب الأرض.
وكما قالت نائبة الرئيس الكولومبي، فرانسيا ماركيز، في اللجنة نفسها: “إننا لا نريد الاستمرار في مناقشة من سيكون الفائز أو الخاسر في الحرب. نحن جميعًا خاسرون، وفي النهاية، البشرية هي التي ستخسر كل شيء”.
لكن البيان الأقوى في ميونخ كان الذي أدلت به رئيسة وزراء ناميبيا، سارا كوجونجيلوا أماديلا. وقالت: “نحن نشجع حلاً سلميًا لهذا الصراع” في أوكرانيا، “بحيث يمكن للعالم بأسره وجميع موارد العالم التركيز على تحسين ظروف الناس في جميع أنحاء العالم بدلاً من إنفاقها على حيازة الأسلحة، وقتل الناس، وخلق الأعمال العدائية عمليًا”.
وعندما سئلَت عن سبب امتناع ناميبيا عن التصويت في الأمم المتحدة بشأن الحرب، قالت كوغونجيلوا-أماديلا: “إن تركيزنا ينصب على حل المشكلة… وليس على تحويل موضع اللوم”.
وقالت إن الأموال التي يتم استخدامها لشراء الأسلحة “يمكن استخدامها بشكل أفضل لتعزيز التنمية في أوكرانيا، وأفريقيا، وآسيا وأماكن أخرى في أوروبا نفسها حيث يعاني الكثير من الناس من صعوبات”.
وهناك خطة صينية للسلام في أوكرانيا -مبنية على مبادئ “مؤتمر باندونغ” للعام 1955- النقاط التي أثارها قادة الجنوب العالمي.
كان الزعماء الأوروبيون صُمًّا عن سماع الحجج التي يقدمها أشخاص مثل كوجونجيلوا-أماديلا. وكان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، وكأنما أطلق النار على قدمه في وقت سابق حين أدلى بتصريحاته القبيحة في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وقال “إن أوروبا حديقة. وبقية العالم غابة.
ويمكن أن تغزو الغابة الحديقة… يتعين على الأوروبيين أن يكونوا أكثر انخراطا مع بقية العالم. وإلا فإن بقية العالم سوف تغزونا”.
وفي مؤتمر ميونخ الأخير للأمن الذي عُقد في شباط (فبراير) 2023، قال بوريل -وهو في الأصل من إسبانيا- إنه يشارك “هذا الشعور” لدى ماكرون بأن على الغرب “الحفاظ على -أو حتى إعادة بناء- تعاون موثوق مع العديد من دول ما يسمى بالجنوب العالمي”.
وقال بوريل إن بلدان الجنوب “تتهمنا بازدواجية المعايير” عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإمبريالية، وهو موقف “يجب علينا دحضه”.
تكرر سلسلة من التقارير التي نشرتها المؤسسات المالية الغربية الرائدة القلق الذي يُعرب عنه أشخاص مثل بوريل. وتشير شركة “بلاك روك” الأميركية متعددة الجنسيات إلى أننا ندخل “عالمًا مجزأ فيه كتل متنافسة”، في حين يشير بنك “كريدي سويس” الاستثماري العالمي إلى “التصدعات العميقة والمستمرة” التي تعتور النظام العالمي.
والواقع أن تقييم بنك كريدي سويس لهذه “التصدعات” يصفها بدقة: “لقد انجرف الغرب العالمي (الدول الغربية المتقدمة وحلفاؤها) بعيدًا عن الشرق العالمي (الصين وروسيا وحلفائهما) من حيث المصالح الاستراتيجية الأساسية، في حين يعيد الجنوب العالمي (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وأغلب البلدان النامية) تنظيم صفوفه لمتابعة تحقيق مصالحه الخاصة”.
والآن، تتجلى عملية إعادة التنظيم هذه في رفض الجنوب العالمي طيّ ركبته أمام واشنطن.
*فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ ومعلق ماركسي هندي، وأستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية ببيروت والأستاذ بكلية ترينيتي في هارفارد.
وهو المدير التنفيذي لـ”ثلاثي القارات: معهد البحوث الاجتماعية” Tricontinental: Institute for Social Research، ورئيس تحرير LeftWord Books، وزميل أقدم غير مقيم في معهد تشونغيانغ للدراسات المالية في جامعة رينمين الصينية. أحدث كتبه، (مع نعوم تشومسكي)، هو “الانسحاب: العراق وليبيا وأفغانستان وهشاشة القوة الأميركية، (نيو برس، آب/ أغسطس 2022).
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Global South Refuses Pressure to Side with the West on Russia
اقرأ أيضا في ترجمات:
اضافة اعلان