هل يمكن للفيدرالية أن تنجح في لبنان؟

1685657513805638700
‏ متظاهرة مناهضة للحكومة يسير في شارع في بيروت في تشرين الأول (أكتوبر) 2019‏ - (أرشيفية)

بالنسبة لأولئك الذين يروجون للفيدرالية في لبنان، يظهر التحليل التاريخي للانقسامات الجغرافية والطائفية في البلاد، أهمية المشاركة الجماعية والبدء في إجراء حوار وطني شامل.
*   *   *
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السياسية في لبنان منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العام 2019، أو ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) والانقسام الذي طبعها، ظهر الكثير من المقترحات حول كيفية معالجة أوضاع الدولة المفلسة والفاشلة فعليًا.

اضافة اعلان

 

ويتفق الجميع على أن التوقعات الحالية قاتمة. اليوم، خسرت العملة اللبنانية قيمتها الإجمالية تقريبًا، والمقعد الرئاسي متنازع عليه وما يزال شاغرًا.

 

كما أن النخب السياسية على خلاف مع بعضها بعضا ومتهمة بسرقة الدولة، ويعاني المجتمع من الاستقطاب ضمن الطوائف وفي ما بينها، وقد بلغ فقر الشعب مستوى غير مسبوق منذ المجاعة الكبرى في الحرب العالمية الأولى.


تشمل المقترحات المقدمة لحل الأزمة الخيار الفيدرالي الذي تم طرحه كبديل عن النظام الطائفي في البلاد.

 

وهذه الفكرة ليست جديدة؛ كان الخيار الفيدرالي قد حظي في الواقع بالتأييد، وكان موضوع نقاش بين السياسيين المسيحيين والأحزاب المسيحية بشكل رئيسي قبل الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وخلالها.

 

فقد عرض الرئيس كميل شمعون (1952-1958) خطة مفصلة للبنان فيدرالي، كما قدمت الجبهة اللبنانية، التي تمثل تطلعات الموارنة بشكل رئيسي، مشروعًا فيدراليًا خلال الحوار الوطني اللبناني في لوزان في العام 1984.

 

وراودت فكرة الفيدرالية الرئيس المنتخب بشير الجميل، الذي اغتيل في العام 1982.


لكن الحرب الأهلية اللبنانية انتهت بتوقيع الأطراف المتناحرة وثيقة المصالحة الوطنية في العام 1989، المعروفة أيضًا باسم "اتفاق الطائف"، التي أقامت لامركزية إدارية بدلًا من الفيدرالية.

 

وبينما أنهى الاتفاق الحرب الأهلية، فإنه فتح المجال لاحقًا أمام حقبة في السياسة اللبنانية طبعها الاحتلال السوري للبنان حتى العام 2005، وبروز الحزب الشيعي الإسلامي، "حزب الله"، الذي عمد فعليًا إلى بناء دولة داخل دولة وقيادة ميليشيا مجهزة بشكل أفضل نوعًا ما من الجيش اللبناني.

 

وفي غضون ذلك، عقدت النخب السياسية اللبنانية صفقة مع حزب الله شبيهة بصفقة فاوست مع الشيطان، شرّعت بموجبها "حزب الله" مقابل غضه الطرف عن سرقتها للدولة. وهذه الصفقة هي التي أوصلت لبنان إلى انهيار شبه كامل كدولة وأمة.


اليوم، تقوم بطرح فكرة الفيدرالية مجددًا أصوات مسيحية بشكل أساسي لمعالجة هذه الدينامية.

 

والفيدرالية نظرية قائمة على المبادئ الفيدرالية لتقسيم السلطة بين الوحدات الأعضاء والمؤسسات المشتركة، أو مناصرة هذه المبادئ. وعلى عكس الدولة الوحدوية أو المركزية، فإن السيادة في الأنظمة السياسية الفيدرالية تكون موزعة بطريقة غير مركزية، بموجب الدستور في معظم الأحيان، بين مستويين على الأقل بحيث يكون لكل مستوى الكلمة الأخيرة في ما يتعلق بجوانب معينة من الحكم محددة مسبقًا، مع ضمان جميع الأطراف لحقوق المواطنين ومسؤولياتهم.

 

وعادةً ما يحتفظ المركز بصلاحيات الدفاع والسياسة الخارجية، لكن الوحدات الأعضاء قد تضطلع أيضًا بأدوار دولية.


لا شك في أن أنصار الفيدرالية الحاليين يسترشدون بمثل عليا. ووفقًا لموقع "لبنان الفيدرالي" الإلكتروني، يؤكد أنصار الفيدرالية ما يسمونه "السيادة أولًا" أو السيادة والحياد كأولوية تأسيسية وطنية لإنقاذ لبنان، من بين أمور أخرى، من العنف السياسي والاستقطاب الطائفي والفساد والتدخل الخارجي والسلاح غير الشرعي.

 

وكتب سليم البيطار غانم على موقع "ليبانون فايلز" معتبرًا أن الوحدة الوطنية والتعايش لن يشكلا عقبة أمام تأسيس نظام جديد يمنع الهيمنة ويؤمن العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة والاستقرار الاقتصادي.

 

ووفقًا لموقع "جمهورية لبنان الفيدرالية" الإلكتروني، يقترح أنصار الفيدرالية دستورًا عرقيًا جغرافيًا، مع ديباجة مقتطفة بالكامل من مقدمة الدستور السويسري.


يحدد الدستور المقترح أربع مجموعات (دينية) عرقية ثقافية متميزة: المسيحيين، والدروز، والسنة، والشيعة، التي ستكون قادرة على إدارة شؤونها الخاصة والتعامل معها داخل الكانتونات الخاصة بها بموجب قوانين تقررها كل مجموعة.

 

وبعد اعتماد هذه القواعد من قبل برلمان كل كانتون، يكرس البرلمان الفيدرالي هذه القوانين ضمن قانون أساسي لجمهورية لبنان الفيدرالية.

 

بعبارات أخرى، سينطبق القانون الأساسي على جميع المواطنين اللبنانيين المنظمين بحسب المجموعات العرقية الدينية الأربع، بحيث تحكم كل مجموعة، أو بصورة أدق كل طائفة، وحدتها الجغرافية.
ظاهريًا، يبدو هذا النوع من الفيدرالية حلًا عمليًا للمشاكل المزمنة التي يواجهها النظام الطائفي في لبنان والأزمات الاقتصادية والاجتماعية السياسية التي تعصف بالبلاد.

 

ولكن، عند التدقيق عن كثب، يمكن استنتاج أنه ما لم تتوصل طوائف البلاد إلى إجماع طائفي حول الفيدرالية، سوف تتحول الفيدرالية إلى وصفة للصراع الأهلي، فتضعف بذلك أكثر الوضع العام للطائفة المسيحية في لبنان.


يدعم أنصار الفيدرالية حججهم من خلال الاستناد إلى أمثلة على قابلية تطبيق الفيدرالية، مشيرين بشكل أساسي إلى الأنظمة السياسية في الولايات المتحدة وسويسرا والإمارات العربية المتحدة.

 

ويبقى هذا التمرين الذهني ممكنًا من الناحية النظرية، لكن قابلية تطبيقه من الناحية العملية موضع شك، لا سيما وأن هذه الأنظمة الفيدرالية، كما هو حال أي نظام سياسي، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسياقاتها التاريخية الخاصة.

                                                                   وفي هذا الصدد، لا بد من أن تسترشد الجهات التي ستتولى صياغة عقد اجتماعي حكومي جديد مع السكان أيضًا بتاريخ لبنان.


صحيح أن الطوائف اللبنانية بشكل عام تتمركز تقليديًا في مناطق معينة من لبنان، بحيث يشكل الكاثوليك الموارنة غالبية سكان جبل لبنان، والدروز غالبية سكان جنوب جبل لبنان، وأسهم نفوذ الدولة الفاطمية الشيعية عند بداية الألفية الأخيرة وحكم المماليك الذي تلاها في انتشار الإسلام الشيعي والسني على التوالي، مع وجود مراكز جغرافية لكل منهما.

 

ومع ذلك، ظل جبل لبنان خلال الحقبة العثمانية قلعة للتعايش وملجأ للمضطهدين. وحكم أميرا جبل لبنان الكبيران، فخر الدين الثاني (1572-1635)، وهو درزي ولكنه نشأ في كنف عائلة مارونية، والماروني بشير الثاني الشهابي (1767-1850)، الذي شكل حكمه أساس لبنان الحديث، رعاياه بطريقة عادلة وحازمة، بعيدًا عن الطائفية.

 

وخلال تلك الفترة، بدأ المسيحيون بالهجرة إلى جنوب جبل لبنان، فأنشأوا مناطق مختلطة في المقاطعات التي كانت خاضعة تقليديًا لسيطرة الدروز.

 

وفي الوقت نفسه، أدى التنافس بين الدروز والاقتتال الداخلي بين العائلات الدرزية البارزة إلى إضعاف السلطة الدرزية.


ظهرت بداية النظام الطائفي الحالي في لبنان مع غزو محمد علي للبنان وسورية في العام 1831، على الرغم من أن القوات العثمانية والبريطانية حلت محله بعد تسعة أعوام. وبضغط من الحاكم المصري، قاد الأمير بشير قوة مارونية ودعم ابنه إبراهيم باشا في احتلال هذه المقاطعات العثمانية وقمع التمردات الدرزية.

 

وكان هذا القرار المرة الأولى التي تلتف فيها طائفة لبنانية حول قوة أجنبية لإخضاع طائفة أخرى.


بعد انسحاب قوات محمد علي، اندلعت اشتباكات بين الدروز والموارنة، ما أثار توترات حاول العثمانيون العائدون نزع فتيلها من خلال إنشاء نظام القائمقاميتيْن.

 

وقسم نظام الحكم الجديد هذا جبل لبنان إلى منطقتين: منطقة شمالية يحكمها قائمقام مسيحي، ومنطقة جنوبية يحكمها قائمقام درزي. وكان القائمقامان خاضعين لوالي صيدا.


لكن هذا الترتيب لم يؤد سوى إلى تعميق التوترات الطائفية، لا سيما في المناطق المختلطة. واندلعت الاشتباكات في أربعينيات القرن التاسع عشر، ثم مجددًا في العام 1860 في مناطق مختلطة تضم مسيحيين ودروزًا، وامتدت في النهاية إلى دمشق ولم تنتهِ إلا بعد أن ضغطت القوى الأوروبية على العثمانيين، الذين دعموا الدروز وغضوا الطرف عن المجازر المرتكبة بحق المسيحيين، لإنهاء القتال وإعادة تصميم نظام الحكم.


لاحقًا، تم تعيين متصرف كاثوليكي (حاكم عام) لحكم جبل لبنان، يساعده مجلس منتخب مؤلف من اثني عشر شخصًا من مختلف الطوائف، ويتولى تطبيق الحقوق المتساوية وإنهاء الإقطاع.

 

وقام المسؤولون الإداريون الفرنسيون اللاحقون بتشكيل النظام الطائفي للبلاد بناءً على هذه الهيكلية، ولم يؤدِ إنشاء لبنان المستقل في العام 1943 إلى تعزيز هوية وطنية قوية ولا إلى دولة قوية، وهو الوضع الذي استدعى تدخلًا أجنبيًا.

 

وعلى نحو لافت، لم تعالَج قضية الإقطاع، التي كانت قائمة على الضرائب الزراعية في عهد العثمانيين، بل تحولت بدلًا من ذلك إلى طائفية سياسية.

 

وأبقت هذه العلاقات طويلة الأمد إلى حد ما على المشاكل الاجتماعية السياسية والطائفية التي عرفها لبنان في ظل الحكم العثماني، بينما عمدت النخب السياسية إلى ترسيخ سلطتها على حساب الدولة، بحيث عززت مصالحها الخاصة ثم مصالح طائفتها/ مذهبها على حساب مصالح الدولة والأمة ككل.

 

وبالتالي، ساد في لبنان توازن طائفي دقيق وهش، تم الإخلال به مرارًا وتكرارًا في الأعوام 1958 و1975-1990، و2008. وعمق اتفاق الطائف الطائفية في نهاية المطاف من خلال تجريد الرئيس من صلاحياته لإعادة توزيع صلاحيات متساوية على الرئيس الماروني، ورئيس الوزراء السني، ورئيس مجلس النواب الشيعي، وتوزيع التمثيل السياسي في البلاد بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين بناءً على معادلة "6 و6 مكرر".


لا بد من أن يأخذ أنصار الفيدرالية بعين الاعتبار هذه الإخفاقات السابقة في حكم لبنان. وبما أن الفيدرالية سترتكز على مقاطعات طائفية على غرار نظامي القائمقاميتين والمتصرفية العثمانيين، ينبغي لأنصار الفيدرالية أن يأخذوا في الاعتبار المشاكل المحتملة التي نشأت في الماضي على خلفية، أ) المناطق المختلطة، ب) تقاسم السلطة واختلال التوازن الطائفي، 3) التدخل الخارجي في الشؤون الطائفية، و4) والتحكم الطائفي بالسلاح (في هذه الحالة، حزب الله).


بينما يعتبر أنصار الفيدرالية أن الانقسام على أسس اقتصادية وثقافية ودينية يجعل الفيدرالية نظامًا سياسيًا مناسبًا للجماعات العرقية الدينية داخل كانتونها الطائفي الخاص، يفتقر لبنان إلى التجانس الطائفي الجغرافي المناسب لتكوين الكانتونات الطائفية. فالمناطق المختلطة تشتت المشهد العام في لبنان، وقد ثبت أنها معرضة بشكل خاص للصراع.


يعتبر الفيدراليون أن المناطق المختلطة لا تشكل عائقًا أمام الفيدرالية بما أن الكانتونات الطائفية المقترحة متجانسة إلى حد ما ويمكن إنشاء كانتونات فرعية لحماية الأقليات.

 

ويطرح هذا النهج الفكري إشكالية، إذ لم يجرِ لبنان سوى تعداد رسمي واحد فقط في العام 1932، وقد توسعت المناطق المختلطة منذ نهاية الحرب الأهلية.

 

كما تمتلك الأحزاب الطائفية أسلحة يمكن أن تستخدمها لمنع طائفة ذات أغلبية من فرض إرادتها على طائفة ذات أقلية في منطقة طائفية معينة. 


في معظم الحالات، يستلزم تقاسم السلطة في النظام الفيدرالي سيطرة الحكومة الفيدرالية/ المركزية على حقيبتي الدفاع والسياسة الخارجية.

 

وهذه إحدى أكثر المشاكل المستعصية والصعبة التي يواجهها المجتمع والأحزاب السياسية في لبنان. ولم تتوصل الأحزاب السياسية حتى الآن إلى إجماع حول توجهات السياسة الخارجية واستراتيجية الدفاع في لبنان.

 

ويفترض أنصار الفيدرالية أن الفيدرالية ستحل هذه المشكلة من دون معالجة المشكلة بحد ذاتها مسبقًا.

 

وقد يعترض حزب الله وحلفاؤه العمليون و/أو الأيديولوجيون من بين الجماعات القائمة داخل الطوائف وفي ما بينها، على الرؤية السياسية لمؤيدي الفيدرالية، سواء عن طريق القوة أو المناورة السياسية.


إضافة إلى ذلك، لطالما كانت الأقليات تاريخيًا حذرة لجهة الانحياز إلى جانب طائفي معين. على سبيل المثال، خلال فتنة أربعينيات القرن التاسع عشر والعام 1860، لم تكن الطائفة الأرثوذكسية الشرقية على استعداد لدعم الطائفة المارونية في وجه الطائفة الدرزية. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، تبنت القيادة السياسية المسيحية الأرمنية ما أسمته سياسة الحياد الإيجابي.


وهناك ما لا يقل أهمية عن ذلك، وهو أن لبنان يعاني حاليًا من اختلال التوازن الطائفي، ما يجعل من الصعب التوصل إلى توافق في الآراء حول تقاسم السلطة، بما في ذلك الضرائب وتوزيع الإيرادات الحكومية.

 

على سبيل المثال، يعتبر أنصار الفيدرالية -عن حق- أن المقاطعات المسيحية تسهم بجزء كبير في ميزانية الحكومة، ولكنها تتلقى خدمات أقل من أي طائفة أخرى. كما أن التدخل الخارجي في شؤون البلاد الداخلية واعتماد الأحزاب السياسية الطائفية على التدخل الخارجي لصالح طوائفها يفاقمان هذا الخلل.


بشكل عام، يقوم الخلل الطائفي في لبنان على مجتمع مسيحي منقسم، ومجتمع سني بلا قيادة، ومجتمع درزي تحركه سياسات البقاء، ومجتمع شيعي حازم مسلح بأسلحة حزب الله. وفي هذا السياق، يجري التشكيك في قدرة الفيدرالية على تعزيز توازن طائفي يفضي إلى تقاسم مناسب للسلطة.


وهناك قضية راهنة أخرى تتعلق بالنهج الذي يتبعه بعض أنصار الفيدرالية تجاه هذه الطوائف، بحيث ينتهجون مسارًا يتعارض مع جوهر مشروعهم الفيدرالي بحد ذاته. في 18 شباط (فبراير)، نشر حساب "لبنان الفيدرالي" على "تويتر" ما يلي: "لقد حان الوقت لاعتبار المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله أطرافًا مصابة بالغرغرينا".

 

وقبل بضعة أيام، في 14 شباط (فبراير)، أكد الأستاذ الجامعي المساعد هشام بو ناصيف، وهو من أشد المؤيدين للفيدرالية، في مقابلة مع الدكتور شربل مارون من إذاعة "صوت لبنان" أن مشروع حزب الله لا يتعلق بالسيطرة على الدولة فحسب، بل هو مشروع تطهير عرقي طويل الأمد يهدف إلى طرد السنة والمسيحيين والدروز وجعل وجودهم في لبنان رمزيًا.

 

وأضاف أن السبيل الوحيد لمواجهة هذا المشروع هو إحداث فصل جغرافي عن حزب الله. 


كما يرتكب أنصار الفيدرالية خطأ مساواة حزب الله بالطائفة الشيعية ككل، فيلغون بذلك الموروثات القومية للمستنيرين والناشطين الشيعة، من الإمام موسى الصدر إلى لقمان سليم. وتتعارض هذه المواقف مع جوهر مشروع الفيدرالية وستؤدي بالتأكيد إلى الفتنة الأهلية والتقسيم.


مع الأخذ في الاعتبار أن الطائفية السياسية هي المسؤولة عن اختلال النظام في لبنان، يمكن طرح الفيدرالية فعليًا كخيار للبنان. ولكن، لكي يصبح هذا الخيار الفيدرالي قابلًا للتطبيق، يحتاج أنصاره إلى الانفتاح والتواصل مع جميع المجموعات المدنية والسياسية عبر الطيف السياسي والطائفي.

 

على سبيل المثال، يمكنهم إعادة إحياء الروح الشعبية غير الطائفية التي طبعت بالأساس ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، ومحاولة رعاية وغرس فلسفة اجتماعية سياسية تتناسب مع تاريخ لبنان ومجتمعه، وهو جهد هائل ويستغرق وقتًا طويلًا. لكن هذا النهج ضروري أيضًا لمواجهة حزب الله كجبهة مجتمعية متضافرة من أجل محاسبة الحزب الإسلامي سلميًا ككيان لبناني.


في النهاية، لا يمكن تطبيق الفيدرالية من خلال الأصوات المسيحية، والمارونية بشكل أساسي، وحدها.

لتحقيق أي قدر من النجاح، لا بد من معالجة القضايا الهيكلية التي تشكل حاليًا حواجز وبذل جهود شاملة إلى أقصى حد. وفي ظل غياب جهد طائفي جماعي داعم للفيدرالية، لا يمكن توقع تقاسم السلطة أو الإبقاء على السلام بين الكانتونات الطائفية المستقلة عن بعضها بعضا. ولا تعدو الفيدرالية كما هي مقترحة حاليًا كونها وصفة لتجدد الفتنة الأهلية، كما أثبت لنا مرارًا تاريخ لبنان.

*روبرت رابيل: أستاذ متميز للشؤون الحالية في قسم العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك. يعد أحد الخبراء البارزين في مجال السلفية والإسلام الراديكالي وسياسة الشرق الأوسط المعاصرة والعلاقات الأميركية العربية الإسرائيلية، وله كتاب سيصدر قريباً بعنوان "لبنان: من الحكم العثماني إلى نظام أردوغان".

 

اقرأ المزيد في ترجمات