بقلم: الون بنكاس
27/9/2023
"الرئيس الأميركي جو بايدن يريد بشدة صفقة سعودية، لأنه بحاجة الى انجاز على صعيد السياسة الخارجية كجزء من محاولة كبح نفوذ الصين في الشرق الاوسط – وهو موضوع هام بالنسبة له بشكل خاص قبل الانتخابات في 2024"، في هذه الاقوال توجد اربعة افتراضات اساسية خاطئة لا صلة لها بالواقع وبالتفكير السياسي في البيت الابيض وحوله في الوقت الحالي.
معظم هذه الافتراضات الاساسية في الواقع ازدهرت بحماس محموم في اسرائيل – ليس في الولايات المتحدة – ضمن امور اخرى بتشجيع من الاحاطات لاشخاص لهم مصالح في الادارة الأميركية، لكن الانشغال بهذا الموضوع تحول الى هواية ايضا في واشنطن. سواء نتنياهو أو معارضيه في الاحتجاج حولوا "الصفقة السعودية" الى حقيقة واقعة، كل واحد لاعتباراته. فقط من المؤسف أن بايدن لم يسمع عن ذلك.
على ماذا استندوا في وسائل الاعلام الاسرائيلية عندما قالوا إن بايدن "يريد ذلك بشدة"؟. هل هو قال ذلك؟ (مثلا في خطابه في الامم المتحدة، المنبر المناسب لذلك) هو لم يقل ذلك. بايدن لا "يريد بشدة الصفقة" مع السعودية.
من يريد جدا مثل هذه الصفقة هي شركات انتاج السلاح الكبرى، مثلا "لوكهيد مارتن"، التي تنتج طائرات "اف35" ومنظومة الصواريخ التكتيكية "إي.تي.ك.سي.إم.اس". وهي السلاح الذي تريده السعودية شراءه مقابل مبلغ 30 مليار دولار تقريبا. القوة السياسية وقوة المساومة لمنتجات السلاح في واشنطن كبيرة. ولكن مشكوك فيه أن تعطي هذه الادارة لشركات الدفاع تحديد هل صفقة لها اهمية جيوسياسية مثل هذه ستخرج الى حيز التنفيذ. من المهم الاشارة الى أنه من ناحية الادارة الأميركية فان "الصفقة السعودية" هي في اساس صفقة ثنائية، أميركية – سعودية. اسرائيل تم ادخالها اليها كشريكة صغيرة في اطار رغبة أميركا في تحسين العلاقات مقابل تغيير سياسة حكومة نتنياهو – بن غفير – سموتريتش في المناطق.
من يريد ايضا "هذه الصفقة بالحاح" هو نتنياهو: بثمن بخس هو يغير جدول الاعمال ويواصل الانقلاب النظامي ويثبت للتاريخ الادعاء القديم بأنه يمكن صنع السلام مع كل العالم العربي بدون أي تكلفة في الموضوع الفلسطيني، وبدون أي تنازل في المناطق والسكان الفلسطينيين.
بايدن بحاجة الى إنجاز
في السياسة الخارجية
الحديث يدور عن مقولة أخرى باطلة. الانجاز الكبير في السياسة الخارجية لبايدن يبدأ وينتهي في روسيا: التصميم والحزم لفترة طويلة امام موسكو منذ غزو اوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 واعادة تعريف هوية الناتو الذاتية وتعزيز وتوسيع الحلف وبث قوة ووحدة للحلف مع تزويد السلاح والمساعدة الكثيفة لاوكرانيا بحجم يفوق الاربعين مليار دولار. هذا نجاح كبير لمفاهيم السياسة الخارجية. حقيقة أن الصين لم تقف بشكل جدي الى جانب روسيا تشكل انجاز آخر في السياق الواسع للاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة، التي تعتبر الصين عدوة عالمية تبني منظومة تحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية في شمال شرق آسيا، وتحالفات في المحيط الهندي – الهاديء وفي بحر الصين الجنوبي، بعيدا عن الشرق الاوسط.
السنوات المشكلة والمؤسسة لبايدن، السناتور منذ 1973 وكان مرتين رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، هي سنوات الحرب الباردة. بوتين، الذي اعتبره بايدن مركز المحور المستبد والمناهض لأميركا في العالم، قام مجددا بتأطير العلاقات لروسيا بعد ثلاثين سنة حاولت فيها الولايات المتحدة جذبها واغراءها للاندماج في المنظومة الدولية. وهزيمة بوتين في سياق اوكرانيا والاوهام التي عول عليها بأنه سيهز النظام العالمي ويعيد لروسيا مكانتها كمكانة الاتحاد السوفييتي (أو أبعد من ذلك، الى عهد بطرس الاكبر)، ليست فقط انجاز لبايدن، بل بدرجة كبيرة هي ارثه، على الاقل في هذه المرحلة. الادعاء بأنه "يريد جدا" اتفاق أو صفقة مع السعودية لأن هذا سيعتبر "انجازا لامعا" ليس له ما يستند اليه.
الاتفاق استهدف كبح الصين
دخول الصين الى الشرق الأوسط، سواء كجزء من مبادرة "الحزام والطريق" للرئيس شي جن بينغ، أو استفزاز واشنطن بشكل واضح، ينبع من رؤية المجموع الصفري للصين الذي تراه الصين في علاقاتها مع الولايات المتحدة. عمليا، هي لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، سواء في التواجد العسكري أو من ناحية الروافع السياسية. ثانيا، لا يوجد أي شخص في واشنطن يفكر للحظة بأن السعودية ستقطع علاقتها مع الصين حتى في سياق اتفاق دفاع مشترك مع الولايات المتحدة. السعودية توجد لها سياسة خارجية تبلغ 360 درجة، أي مع الجميع. هي لم تعد وحيدة في مجال النفوذ الأميركي، والولايات المتحدة ايضا لا تعتبر ذلك كارثة كبيرة. فائدة السعودية كحليف هي أمر مشكوك فيه.
الصفقة مهمة لبايدن
قبيل الانتخابات
الحديث يدور عن هراءات. الأميركيون لا يصوتون على السياسة الخارجية. 75 % من اليهود في أميركا (الذين اهميتهم الانتخابية متدنية) سيصوتون لبايدن دون صلة بالصفقة مع السعودية أو اسرائيل. واذا حدث ذلك عندما يحين الوقت، وعلى فرض أنه سيتم التوصل الى اتفاق بناء على رأي بايدن، سيتعين عليه تقديم الاتفاق للحصول على موافقة مجلس الشيوخ، وهناك سيحتاج الى ثلثي الاصوات، أي 67 عضوا في مجلس الشيوخ. الديمقراطيون لهم 51 عضوا، من بينهم 10 – 15 قد يعارضون الاتفاق. أي أن بايدن سيحتاج الى اكثر من 30 عضوا في الحزب الجمهوري من اجل تمرير الاتفاق. لماذا سيساعدونه؟ أنتم ستقولون "نتنياهو سيحضرهم له". هذه هراءات. مكانته بعيدة عما يتخيله، وهو لن يستطيع توفير مثل هذه البضاعة. "لكن"، ستقولون، "نتنياهو يأمل بفوز ترامب". هل هذا صحيح؟ من قال إن ترامب سيفوز؟. من يراهن على أن نتنياهو سيكون رئيس الحكومة في كانون الثاني (يناير) 2025 عند تأدية الرئيس القادم لليمين؟ وأن مجلس الشيوخ في 2025 سيصادق على الصفقة؟.
في ظروف محببة فان "صفقة ثلاثية"، أميركية – سعودية – اسرائيلية، يمكن حقا أن تخرج الى حيز التنفيذ، لكن بايدن لا يدفع نحو تحققها، وهو لديه شكوك حول امكانية تحققها. في هذه المرحلة هو فقط صادق على استمرار الحوار وفحص قدرة الطرفين على تحقيقها، ليس اكثر من ذلك. عمليا، المعادلة التي يعرضها نتنياهو، السلام مع السعودية مقابل الديمقراطية وبدون تكلفة في الموضوع الفلسطيني، ليست غريبة عنه. هكذا ايضا طلبات السعودية المبالغ فيها من قبل الولايات المتحدة مقابل الاعتراف باسرائيل.
في نهاية المطاف بايدن لا يثق بأن نتنياهو سيوفر البضاعة. فهو لا يستطيع ولا يريد تغيير السياسة في المناطق (الضفة الغربية)، لأنه بذلك سيتفكك ائتلافه. وبالاعتماد على اشخاص تحدثوا مع بايدن قبل وبعد اللقاء مع نتنياهو في نيويورك، فانه متشكك جدا بخصوص امكانية حدوث الصفقة، لا سيما بخصوص التكلفة والفائدة لها بالنسبة للولايات المتحدة.
في هذه المرحلة لا توجد للولايات المتحدة أي مصلحة حيوية أو الحاحية لمثل هذه الصفقة. بالعكس، الثمن المطلوب أن تدفعه – حلف دفاع كامل مع السعودية يشمل ما يشبه البند الخامس في حلف شمال الاطلسي "الناتو" حول الدفاع الجماعي والمتبادل، والسماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم في اراضيها من اجل تشغيل مفاعل نووي مدني، خلافا للسياسة الأميركية، منع انتشار السلاح النووي منذ السبعينيات. هذا الثمن يبدو لعدد من اعضاء الكونغرس باهظا جدا.