بقلم: تسفي برئيل 22/9/2023
بعد خمس سنوات مضت لم تطأ فيها قدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واشنطن. يبدو أنه في "المنافسة" على مقاطعة الزعماء في البيت الأبيض هو يوجد على قمة القائمة.
محادثته مع مراسل "فوكس نيوز" في باي سندالا، التي هي جزء من المشروع الاستعراضي لمدينة المستقبل التي يقوم ببنائها، ساعدته أمس كي يغطي على معظم النقاشات في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة. بذلك هو ضمن مكانه في الصف الأول لمتخذي القرارات في الشرق الأوسط. وتوقيت المقابلة لم يكن صدفيا بالطبع. ففي الوقت الذي فيه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو كان يلتقي بتأخير مهين مع بايدن، أوضح ابن سلمان لمشاهدي التلفاز الأميركيين "أيضا أنا هنا". ليس كزعيم مهان ينتظر الدعوة، بل كمن سيحسم اذا كانت "الصفقة الضخمة" التي رسمها الرئيس ستخرج الى حيز التنفيذ.
الأسس الثلاثة في "الصفقة الضخمة" أصبحت معروفة منذ بضعة اشهر وهي تشمل اتفاق دفاع بين السعودية والولايات المتحدة والتطبيع مع إسرائيل وتطوير مشروع نووي مدني في الرياض. للمرة الأولى حدد ابن سلمان بصوته وبشكل علني شروط التطبيع التي "نقترب منها يوميا"، حسب قوله. والتي يعتبرها "الصفقة التاريخية الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة". ولكن أقواله لا تدل حتى الآن على إمكانية حدوث الاتفاق الذي كل مركباته ليست بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض.
هل حلف الدفاع الأميركي – السعودي مرتبط بالضرورة بالتطبيع مع إسرائيل؟ هل المشروع النووي السعودي مشروط بشكل عام بموافقة إسرائيل؟ هل إسرائيل يمكنها أن تضع معايير للمقابل الذي سيحصل عليه الفلسطينيون اذا وافقوا على التطبيع؟. كل واحد من الأطراف توجد له اجندة ومصالح خاصة به. وهذه مليئة بشكوك عميقة، ولا نريد القول عدم الثقة. نتنياهو ينثر الرمال في العيون عندما يتحدث بأن الفلسطينيين هم "جزء من عملية التطبيع، لكن لن يكون لهم حق الفيتو على علاقات إسرائيل مع الدول العربية". الفلسطينيون ليسوا بحاجة على الاطلاق الى حق الفيتو، الذي يوجد في يد السعودية والتي ستقرر وحدها إذا كانت القضية الفلسطينية مهمة بما فيه الكفاية لمنع التطبيع مع إسرائيل.
عندما سيصل النقاش الفعلي، هذا إذا وصل، ستكون الرياض هي التي ستدير المفاوضات باسم الفلسطينيين مع إسرائيل، حسب وصفة ستمكنها من رفع العتب تجاه النزاع التاريخي، وعندها سيطرح سؤال هل السعودية معنية بالاهتمام بـ "الصعوبات السياسية" لنتنياهو، التي ستمنعه من تطبيق حتى الحد الأدنى من الشروط للتوصل الى الاتفاق. من الجدير بالذكر أن الرياض أيدت ودفعت بـ "صفقة القرن" لدونالد ترامب، التي رغم صياغتها كانت بعيدة جدا عن "المبادرة العربية"، التي هي حفيدة المبادرة السعودية قبل عقدين.
والآن يبدو أن هؤلاء على استعداد لقبول صيغة أكثر مرونة ومحدودية. هكذا على الأقل هم عرضوا موقفهم في اللقاء مع القيادة السعودية الذي جرى في هذا الشهر. ولكن بين الحد الأدنى الفلسطيني وحكومة إسرائيل تفصل سنوات ضوئية. من ناحية ولي العهد السعودي فانه لا يوجد أي شيء ملح، لأنه لا يوجد حتى الآن اشتراط أميركي يقول إنه بدون التطبيع لن يكون حلف دفاع أو مصادقة على المشروع النووي.
إذا كانت العلاقة بين التطبيع مع السعودية وبين اتفاق معين مع الفلسطينيين ترتبط بالأساس بالمصالحة بين الرياض والقدس، التي سترتكز في أفضل الحالات إلى الحاجة إلى التوفيق بين المصالح الاستراتيجية للسعودية أمام الولايات المتحدة مقابل تعهدها التاريخي للفلسطينيين، فإن هذا في نهاية المطاف لا يعتبر شرطا ضروريا لحلف دفاع تسعى إليه، أو لتطوير مشروع نووي. الاعتبار الحصري هنا هو الربح والخسارة بالنسبة لواشنطن. مثل هذا الحلف الدفاعي يمكن أن يضع الولايات المتحدة في الساحة النازفة في الشرق الأوسط، فقط بسبب الالتزام الذي سيلقى عليها للدفاع عن السعودية إذا تمت مهاجمتها. هذا بالتحديد في الوقت الذي فيه قواتها موجودة في عملية انفصال عن المنطقة.
في الوقت الذي تشخص فيه الأنظار نحو طهران ابن سلمان يتذكر جيدا الاقوال الفظة لترامب التي قالها بعد الهجوم الصاروخي على السعودية في 2019، أنه مستعد لمساعدة الرياض مقابل الثمن. الرئيس السابق ما يزال يعتبر الحليف الأكثر قربا للسعودية. وانسحابه في 2018 من الاتفاق النووي مع إيران بضغط من إسرائيل، أعطى الضوء الأخضر لإيران من اجل تطوير مشروعها النووي الى مستوى غير مسبوق. بايدن لم يجلب معه للسعودية أي بشائر أكثر تهدئة في الموضوع الإيراني. جهود الرئيس الحالي من أجل العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي أصابت المملكة بالصدمة، التي اعتبرت هذه العملية نهاية التحالف المناوئ لإيران، الذي قادته واشنطن على ظهرها.
استئناف العلاقات بين إيران والسعودية يمكن بالذات أن يساعد في الدفع قدما بحلف دفاع مع الولايات المتحدة. ومن أجل تهدئة مخاوف أميركا من تورط جديد في المنطقة، وتقليص النطاق الكامن لهذا التورط، فإن المصالحة مع إيران هي عملية حيوية، من شأنها أيضا أن تنهي الحرب في اليمن التي أصبحت رأس الحربة في صراع الكونغرس في واشنطن ضد الرياض. السعودية بدأت في السابق بتسريع العملية الدبلوماسية امام الحوثيين في اليمن، وفي الأسبوع الماضي وصل إلى المملكة وفد من زعماء المتمردين للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في 2015، من اجل مناقشة الشروط الرئيسية لوقف طويل المدى لاطلاق النار، الذي سيمكن من اجراء المفاوضات على مستقبل اليمن. الوفد أبلغ عند عودته عن تقدم في كل ما يتعلق باستخدام الموانئ التي توجد تحت سيطرة الحوثيين – في ظل إغلاق كامل – أيضا عن دفع الرواتب المدينة بها الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة للموظفين الذين يوجدون في المناطق التي توجد تحت سيطرة المتمردين. ولكن المسافة للوصول الى حل سياسي ما زالت طويلة.
ميزان رعب نووي
إسرائيل يجب أن يثير اهتمامها حلف دفاع بين السعودية وأميركا حتى أكثر من المشروع النووي الذي تتطلع المملكة إلى تطويره. وجود هذا الحلف يعني أن أي عملية إسرائيلية ضد إيران ستكون بحاجة إلى الاخذ في الحسبان ليس فقط موقف الولايات المتحدة، بل أيضا موقف السعودية. مواجهة بين إسرائيل وإيران يمكن أن تعرض الرياض للخطر وأن تضع على المحك تحالفها مع واشنطن. الاعتماد على موقف السعودية سيزداد أكثر إذا نضجت المفاوضات من أجل التطبيع. مقابل الولايات المتحدة، التي تعهدت بعدم السماح لإيران بالتوصل الى السلاح النووي، فانه للسعودية لا يوجد مثل هذا التعهد. الأخطر من ذلك هو أن ابن سلمان أوضح في المقابلة مع "فوكس نيوز" بأنه اذا حصلت ايران على السلاح النووي فان "السعودية أيضا ستضطر الى الحصول على مثل هذا السلاح" فقط من اجل الردع والموازنة بالطبع.
ما الذي ستفعله في حينه
واشنطن؟ هل ستلوح باتفاق الدفاع؟ هل ستفرض عقوبات على الرياض، حليفتها الاستراتيجية؟. ولكن قبل فترة طويلة على نضوج مثل هذا التهديد فإن حلف الدفاع الأميركي – السعودي يعني تنسيق عملي استراتيجي كامل بين الدولتين. تحالف يحتاج أيضا الى تعاون وثيق على الصعيد التكتيكي والاستخباري واللوجستي، وكل ذلك في ظل شفافية كاملة ومتبادلة. السعودية ليست دولة شفافة، ليس لمواطنيها وبالتأكيد ليس للأجانب أو للحلفاء. فهل بايدن يمكنه اقناع مجلس الشيوخ بالمصادقة على حلف دفاع مع دولة لا تلبي معظم شروط الشفافية التي يقتضيها هذا الحلف؟ هل السعودية ستوافق على "فتح الأوراق" أمام واشنطن؟ هل بايدن يستطيع أن يعرض التطبيع مع إسرائيل، اذا حدث ذلك، كمبرر يقنع الكونغرس باعفاء السعودية من التزاماتها؟.
السؤال الأخير مرتبط مباشرة بالمشروع النووي الذي تريد السعودية تطويره. هي تطلب اذن لاستخراج والتنقيب عن اليورانيوم الذي يوجد بوفرة في الصحراء فيها وتخصيبه على أراضيها. أي اتفاق للتعاون النووي توقع عليه الولايات المتحدة مع دول في ارجاء العالم يستند على قانون الطاقة النووية من العام 1954. المادة 123 في هذا القانون تنص على أنه لن يتم تخصيب اليورانيوم على أراضي أي دولة وقعت على هذا الاتفاق. مكتب الرقابة الحكومي في واشنطن نشر في 2020 بأن الاتصالات من اجل الدفع قدما بالتعاون النووي مع السعودية لا تتقدم بسبب عدم موافقتها على الشروط التي تم النص عليها في القانون حول الرقابة والاشراف على صناعتها النووية. إضافة الى ذلك عدم استعداد المملكة للتوقيع على البروتوكول الإضافي للرقابة على البرامج النووية امام الوكالة الدولية للطاقة النووية.