عند النظر الى الوراء، الى خطاب بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية للامم المتحدة، نتذكر أنهار الكلمات "ايران، ايران، ايران"، والقليل من الخدع ("هذه هي القنبلة وهذا هو القابس"). عمليا، في الـ 16 سنة اثناء وجوده كرئيس حكومة فإن ايران تحولت الى دولة حافة نووية، والخط السميك الذي رسمه بمؤشر القلم الاحمر لم يعد ذو صلة منذ زمن.
أمس المؤشر ظهر مرة اخرى مثل مسدس في المعركة الاولى، هذه المرة من اجل رسم خط لسكة حديد بين آسيا واوروبا ومرورا بمنطقتنا، على هذه الرسمة لخريطة الشرق الاوسط التي ظهرت وكأنها انتزعت من كراسة تلوين للاطفال.
التهديدات والتخويفات الثابتة لرئيس الحكومة في المنتديات الدولية حلت محلها اناشيد عن السلام الاسرائيلي – العربي، بما في ذلك شعار "شرق اوسط جديد"، المسجل في الطابو على اسم شمعون بيرس؛ ايضا فصل واسع ومثير للاستغراب بدرجة معينة عن الذكاء الاصطناعي الذي يذكرنا بخطابات بيرس عن تكنولوجيا النانو. هذه هي هوايته الجديدة. الحديث يدور عن مركز ذكاء اصطناعي وطني، وعن لقاء دافين مع الون ماسك. وها هو سياسي فاسد ومفسد يصبح رجل تكنولوجيا متقدمة قياسي، هو مجرد وحيد قرن.
قبل تحوله الى متهم بمخالفات جنائية فانه يحرض ضد جهاز القضاء. وقبل احتجاج بلفور والحملات الانتخابية، وبالتأكيد قبل الشرخ الداخلي ومحاولة الانقلاب النظامي، فان نتنياهو سمح لنفسه بالوصول الى هذه المكانة كسياسي رفيع. وقد برز ايضا امام معظم اصدقائه الذين حضروا الجمعية العمومية الى جانبه.
بالتالي هو لم يعد كما كان. الآن اسم نتنياهو يرتبط في العالم المتنور بإتلاف رعب، عنصري ومفسد ويدعو للضم، ويسعى الى تقويض الديمقراطية الاسرائيلية. في هذا الوضع هو يأتي بمحاكاة ساخرة لبسنيك عندما يقلد جون لينون.
بالضبط من اجل اشعال الضوء في ارجال العالم ايضا تم اخفاء كل تطرق للازمة الاكبر في تاريخ اسرائيل، الاحتجاج الذي يسمع صداه خارج المبنى الزجاجي في منهاتن. صوت التخوفات الداخلية من المستقبل القادم. ولا حتى كلمة مهذبة واحدة عن "ديمقراطية نابضة" باسلوب الاكاذيب التي نثرها في الاستوديوهات الاميركية وفي المشاهد التصويرية مع بايدن. ايضا في نهاية الاسبوع اجرى مقابلة مع "سي.ان.ان" و"فوكس" ورفض للمرة التي لا تحصى التعهد بأن يمتثل لقرارات المحكمة العليا. هو يصنع السلام في الخارج ويثير الفوضى في الداخل. لحظة اصيلة جدا داخل الخطاب سجلت في بدايته عندما اعلن نتنياهو بشفقة – أخيرا القضية الفلسطينية ليست مفتاح السلام الدائم في المنطقة. الفلسطينيون خارج المعادلة، هذا رغم أنني قد "حاولت التوصل الى السلام مع الفلسطينيين". كل شيء صحيح في هذه الجملة باستثناء كلمة "مع"، التي يجب استبدالها بكلمة "بدون".
الجزء السياسي في خطاب نتنياهو كان في اساسه محاولة التعامل مع مجرد حقيقة أن الفلسطينيين لم يعملوا حسب خطته. لقد عول على رفضهم، وحصل على الاستجابة. مرتين اجرى محادثات معهم، في العقبة وفي شرم الشيخ، وتراجع عن كل ما تم وعدهم به.
مصدر فلسطيني رفيع قال في الاسبوع لمصدر سياسية اسرائيلي "نحن لا نعرف كيف أنه لا أحد يفهم كم هذا دراما". محمود عباس قدم قائمة مطالب معقولة بالإجمال، حيث أن هذا هو ما طلبه الاميركيون وما اراده الاسرائيليون ايضا طوال الوقت أن يوافقوا عليه، التقدم بالتدريج. نتنياهو بحاجة الآن الى مواجهة مشكلة غير متوقعة: فلسطينيون يتصرفون بمنطق. خطته هي مواصلة اهانتهم الى أن ينفجر عباس. "مشكلته"، قال لي مصدر اسرائيلي له علاقة وثيقة مع شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية، "هي أنهم يفهمون ذلك".
نتنياهو ظهر متعب جدا على منصة الجمعية العمومية. عيونه كانت متدلية وكان يقاوم السعال المزعج، لكن هذا لم يمنعه من اظهار الورع. ومن اجل ارساء أسس السلام الحقيقي طلب نتنياهو من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الكف عن تصريحاته المعادية للسامية. من المؤكد أنه يمكن التعاطف مع هذا الطلب وتوجيهه الى أعضاء الائتلاف الذين ينخرطون في الوقت الحالي في حملة مثيرة للاشمئزاز من أجل الإرهابي والقاتل اليهودي عميرام بن اوليئيل (القديس والصديق).