هآرتس
دافيد غروسمان 3/8/2018
الامكانية الكامنة للانقسام والتدمير التي في قانون القومية ظاهرة تماما للعيان، حيث أن تصميم رئيس الحكومة على عدم تعديله يثير الشك بالنوايا الاخرى التي تكمن فيه: الرغبة في الحفاظ على جرح العلاقات بين الدولة والاقلية العربية الموجودة فيها مفتوحا طوال الوقت. مفتوح وملتهب ومهدد.
مم يمكن أن ينبع هذا القصد؟ لماذا الحكومة ومن يترأسها يريدون ذلك؟ يمكننا فقط التخمين: ربما لأن اقلية جراحها مفتوحة أكثر هشاشة واسهل على كل أنواع التحايل، والتحريض والتخويف والتقسيم؟ وسياسة فرق تسد؟
هكذا يتم الحفاظ على جرح مفتوح: مرة واحدة بقانون واحد زائد سحب نتنياهو وحكومته البساط من تحت اقدام خمس سكان الدولة. مرة اخرى لماذا؟ لأنهم يستطيعون. لأنهم على يقين من أنه لا توجد قوة توقفهم. لأنهم يريدون أن يعيش المواطنون العرب في إسرائيل بشعور معين وثابت من عدم الأمان الوجودي. من عدم اليقين بخصوص مستقبلهم. ليتذكروا كل الوقت، في كل لحظة، أنهم متعلقون بالنوايا الحسنة أو السيئة للحكومة، وأنهم هنا بصورة مشروطة. وأنهم موجودون، يمكن في كل لحظة أن يتحولوا إلى غائبين.
هذا القانون يقول بصورة واضحة شيء آخر: إن رئيس حكومة إسرائيل قرر عدم انهاء الاحتلال، ووضع الابرتهايد في المناطق، بل عكس ذلك بالضبط: تعميقها ونقلها من مناطق الاحتلال إلى داخل دولة إسرائيل. بكلمات اخرى، هذا القانون هو في الحقيقة تنازل عن احتمال إنهاء النزاع في يوم ما مع الفلسطينيين. وبشأن "الحط" الذي تم في قانون القومية لمكانة اللغة العربية في البلاد: اللغة هي العالم والوعي والهوية والثقافة.
وهي نسيج لا نهائي يتعلق بأدق تفاصيل الحياة. نحن بحاجة إلى شخص، سياسي، كي يكون وقحا ومتغطرسا بدرجة لا تصدق كي يتم المس، لو بصورة رسمية كما فعل المشرع، بلغة شعب آخر والحط منها. العبرية والعربية هما لغتان شقيقتان. على مدى التاريخ كانت الواحدة فيهما مرتبطة بالاخرى. ملايين الإسرائيليين اليهود رضعوا العربية مع حليب أمهاتهم. ليس هناك كلمات في اللغة العبرية من اجل الاحتجاج ورفع الصوت على المس بأختها.
على مدى مئات وآلاف السنين كان الشعب اليهودي أقلية في البلاد التي عاش فيها. إن تجربة الاقلية شكلت هويته، زادت من حدة الحساسية الاخلاقية لنا. الآن نحن اليهود اغلبية في بلادنا. هذه مسؤولية كبيرة أن تكون اغلبية، وهذا تحد كبير، سياسي واجتماعي وبالأساس إنساني: أن تفهم أن النظرة إلى الاقلية هي أحد الاختبارات الكبيرة للأغلبية في نظام ديمقراطي. وفي هذا الاختبار فشلت حكومة إسرائيل فشلا ذريعا، في كل العالم يدوي هذا الفشل. في كل العالم الذي نتهمه مرارا وتكرارا بالتمييز ضد الاقلية اليهودية التي تعيش فيه.
لذلك، سيكون ذلك بكاء لاجيال إذا اكتفى ابناء الطائفة الدرزية بالحصول على "التعويض"، المالي أو غيره، عن الظلم الذي اصابهم بسبب قانون القومية. بالضبط الوضع الجديد الذي نشأ مع موجة الاحتجاج المحقة للطائفة الدرزية ضد قانون القومية، يمكن أن يكون بداية عملية أكثر شمولية، فيها يكون الدروز هم رأس الحربة في النضال من اجل مساواة كل الطوائف المسلمة والمسيحية، مواطني إسرائيل.
الموافقة، على الأقل في هذه الاثناء، من قبل زعماء الطائفة الدرزية على مخطط التعويض لنتنياهو تدل على أنه كما يبدو سنين من التمييز والوعود الفارغة جعلتهم حتى ينسوا ما هو في الحقيقة طعم المساواة الكاملة. في الواقع الإسرائيلي السيئ ليس من نافل القول التذكير بأن المساواة ليست نوعا من "الجائزة" التي يحصل عليها المواطن من دولته لأنه فعل من اجلها هذه الأمور أو تلك. وحتى ليس لأنه ضحى بحياته من اجلها. حتى الحريديم الذين يرفضون التجنيد هم مواطنون متساوو الحقوق. المساواة هي نقطة البداية للمواطنة وليست نتاجا لها. هي الأرض التي تنبت منها المواطنة، وهي أيضا ما يمكن من الحرية الأسمى – الحرية في أن تكون مختلفا، آخر، متميز – ومع ذلك مساويا لكل إنسان آخر.
حسب رأيي القوانين الاخيرة التي سنتها الحكومة ليست سوى النتيجة لطريقة التفكير المشوه التي خلقتها خمسة عقود من الاحتلال. هي النتيجة للشعور بالتفوق العرقي، من الحماسة والتسلي بنوع من أن "نحن" العادلة، القومية، نوع من التحمس الذي يبعد من داخل "البيت" كل من ليس "نحن"، سواء كان أحد أبناء شعب آخر، دين آخر، جنس آخر.
وربما هذا القانون يعمل لنا معروفا كبيرا ويكشف امامنا جميعا، اليمين واليسار، وبدون اوهام وخداع للنفس، أين وصلنا، إلى أين تدهورت إسرائيل. ربما هذا القانون سيهز اخيرا كل الذين في داخلنا من اليمين واليسار، الذين يخافون على إسرائيل وعلى روحها وانسانيتها وقيمها اليهودية، الديمقراطية والانسانية.
لا شك لدي في أن هناك الكثيرين جدا كهؤلاء، في اليسار واليمين والوسط، أشخاص عقلانيون ومنطقيون واذكياء يعرفون أن هذا القانون هو عمل شائن وخيانة من قبل الدولة لمواطنيها. نتنياهو كالعادة يعرض ذلك كصراع بين اليسار واليمين، لكن هذا صراع أكثر عمقا ومصيرية بكثير، صراع بين الذين يئسوا والذين ما زالوا يأملون، بين الذين استسلموا للاغراء القومجي والعنصري وبين الذين يواصلون معارضته، ويصرون على الاحتفاظ في قلوبهم بصورة، شكل، أمل لكيف يمكن للأمور أن تكون في دولة سليمة.