شهادات جنود من حوارة

هآرتس ينيف كوفوفيتش 13/3/2023 صباح هادئ في حوارة. المحلات مفتوحة وحركة السيارات في الشارع الرئيسي نشطة وهنا وهناك تسمع اصوات صافرات السيارات، حياة روتينية. على جانب الطريق يوجد موقع حراسة مرتجل للجيش الإسرائيلي يقف فيه جندي احتياط في الثلاثينيات، يستند على أكياس الرمل التي وضعت في المكان. خوذته مائلة، هو ينظر بلا مبالاة إلى ما يحدث حوله، يبدو أنه لا يريد أن يكون هنا. ربما أكثر مما يظهر، "عقلي لا يتوقف عن العمل"، قال في محادثة عارضة مع "هآرتس". "كل ما يدور في ذهني هو متى سأغادر هذا المكان". جندي الاحتياط هذا سنسميه هنا ج. هو يقول بأنه منذ بدء الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي فإن له دور فعال فيه. في مظاهرات نهاية الاسبوع في شارع كابلان في تل ابيب وقع على عريضة تطلب من جنود الاحتياط رفض الخدمة اذا كفت اسرائيل عن كونها دولة ديمقراطية. "أنا فكرت بيني وبين نفسي متى يكون من الصحيح اتحاذ هذا القرار"، قال. "بعد الليلة السوداء في حوارة قررت، أنا أنهيت عملي مع رجال الاحتياط في المناطق". في المرة القادمة التي سيأتي فيها الاستدعاء هو سيتجاهل ذلك. "ما حدث في تلك الليلة لي ولاصدقائي هو أمر سيبقى معنا طوال حياتنا. كانت هنا ليلة البلور". المحادثة جرت بعد اسبوع تقريبا، في يوم الثلاثاء الماضي في الحادية عشرة صباحا. رغم الفترة التي انقضت وكل ما مر عليه في خدمته العسكرية – الخدمة النظامية والاحتياط – فإن ما حدث في تلك الليلة كان شيئا مختلفا. "كان هنا مستوطنون والقتل يشع من عيونهم"، يستذكر. مؤلمة هي حقيقة أن السكان الفلسطينيين تركوا لمصيرهم. "أنا اقف هنا ولا يمكنني النظر الى الفلسطينيين الذين يمرون من هناك من شدة الخجل". انقضى يوم منذ أن طرح ج. خيبة أمله غير الرسمية، والجيش الاسرائيلي قدم موقفه الرسمي من احداث تلك الليلة التي فيها عربد نحو 400 مستوطن في حوارة في جنوب نابلس. حسب التحقيق العسكري فإنه لم يكن هناك ما يكفي من القوات في تلك المنطقة لمنع العنف وتخريب السيارات واحراقها واحراق بيوت لسكان القرية. رئيس الاركان، هرتسي هليفي، قال إن القيادة اخطأت في تخصيص القوات والسيطرة على الحدث. إضافة الى ذلك كل هذه الجهود أدت الى الاستنتاج بأنه لم يتم اتخاذ أي خطوات انضباطية ضد المشاركين. لكن يبدو أن عددا من المتورطين، على الاقل في الجانب العسكري، يستخلصون الدروس وحدهم، حتى أنهم يندمون على الخطأ. "أنا اشعر بأنه يصعب علي اليوم الوصول الى الفلسطينيين في حوارة والتحدث معهم. هناك شعور من الخجل بسبب أنه لا يوجد ما يمكن قوله لهؤلاء الناس"، قال أحد القادة الذي كان في المنطقة في تلك الليلة في نقاش أمني مغلق. وحسب اقوال مصدر مطلع على تفاصيل المحادثة التي شارك فيها ايضا ضباط كبار فإن "الجنود مروا بوضع صعب جدا من ناحية نفسية". أو حسب تعبير القائد: "الناس جاءوا لي بعد الحادثة وقالوا بأنه كان صعب من ناحية نفسية وأنهم لم يكونوا مستعدين له. ايضا في غرفة العمليات وفي نقاط المراقبة هناك طلبات كثيرة للمساعدة النفسية بسبب الاحداث والاصوات. عائلات كثيرة من التي كانت عالقة في البيوت التي تحترق توجهت اليهم باكية وقالت إنها ستحترق في البيوت مع أبناء العائلة. الناس وجدوا صعوبة في مواجهة هذه المشاعر". يبدو أن الصعوبة النفسية للجنود تتكون من عنصرين. الأول هو مواجهة مشاهد الاولاد والشيوخ العالقين في بيوت تحولت الى شرك من النار، وأسطول السيارات المحروقة. الثاني هو مشاعر الذنب، والمسؤولية عما حدث للفلسطينيين في القرية في الساعات الاولى للاضطرابات، حيث معظم جهود قوات الجيش تركزت على ملاحقة (المقاوم) الذي قتل الاخوين هيلل ويغيل يانيف قبل بضعة ساعات من ذلك. "القوات على الارض علمت أن هناك مستوطنين جاءوا لكنهم لم يستطيعوا تقدير العدد وما الذي يفعلونه لأنهم كانوا مفرقين، حاول ضابط كان في المكان الشرح. "فقط عندما حل الظلام وكان يمكن رؤية اللهب والدخان وبدأت تصل الأنباء عن عائلات كاملة عالقة في البيوت فهمنا عظم الحدث وما الذي يحدث. عرفنا أيضا بأن القاء القبض على (المقاوم) أصبح حدث ثانوي في هذا الامر. كان من الواضح لنا أن (المقاوم) سنعتقله، لكن كان يجب علينا إنقاذ الارواح". هكذا، في يوم الثلاثاء الماضي قتل عبد الفتاح حروشة المتهم بقتل الاخوين يانيف اثناء نشاط للجيش الاسرائيلي في مخيم جنين للاجئين. أمر عسكري لتنفيذ مذبحة في بداية الاسبوع الماضي انطلقت قوة للجيش الاسرائيلي من اجل القيام بنشاط استثنائي في حوارة. القوة، وهي عدد من كبار الضباط الذين تجولوا بين بيوت القرية وبين العائلات التي كانت ضحية للمذبحة في محاولة لتقرير الاضرار للبيوت والاشخاص والعلاقات مع جنود الادارة المدنية الذين جاءوا في النهاية لمساعدة السكان. الضباط الكبار استقبلهم وليد (اسم مستعار) بـ "اهلا وسهلا"، أمام مبنى محترق وليس فيه أي نوافذ أو ابواب وهو غير قابل للسكن. ولكن لا يوجد بيت آخر لعائلته. "هذه هي المرة الرابعة التي يحرقون فيها بيتي"، قال وقدم لهم التفاصيل الدقيقة عن تسلسل الاحداث في ذلك المساء كما شهدها هو وأولاده الستة. "المستوطنون الملثمون الذين طوقوا البيت وهم مسلحون بالحجارة والهراوات وتحطيم النوافذ ورش الغاز على الاولاد وايضا ما فعلوه بالكلاب. لقد اخذوا كلبين من مدخل البيت وقاموا بضربهما وقتلوهما امام عيون الاولاد الذين كانوا يسمعون نباح الكلاب والصراخ". وقد قال إنه حاول الهرب مع الاولاد من البيت ولكنه كان محاصرا. المستوطنون كانوا حوله من كل الجهات وكانوا يرشقون الحجارة. هو طلب من الاولاد الاختباء في الغرفة، وبعد ذلك بدأوا يشمون رائحة قوية للوقود وبعد ذلك بدأوا يرون دخان. لقد بدأوا في احراق البوابة الرئيسية. البيت امتلأ بالدخان ولكنهم اغلقوا طريق خروجنا. منذ ذلك الحين مرت ساعتين الى أن انقذهم ضباط الادارة المدنية من البيت المشتعل في اللحظة الاخيرة. "لو أنهم لم يأتوا في ذلك الوقت لكنا سنموت داخل البيت"، قال. "لا شك لدي". ضابط كبير كان في المكان قدم الاعتذار، وعندها استند الى شجرة الليمون ومسك رأسه. "من فعل هذا هو غير يهودي"، قال احدهم لزميله. "أنا لا يمكنني النظر في عيونهم. لا يمكن الوقوف هناك قرب هذا الأب مع اولاده وسماع مثل هذه القصص. يجب علينا التوقف للحظة والسؤال الى أين نحن وصلنا". في محادثات مع جنود احتياط، قادة وضباط (ايضا ضباط كبار)، عاد وظهر الشعور بأن هناك شيء قد تغير. نوع من الاستيقاظ بخصوص مكانة الجيش كحاجز بين الفلسطينيين والمستوطنين، وبشكل عام نشاطاته في المناطق. "كان هناك جنود ببساطة لم يستطيعوا استيعاب أن اليهود يركضون بين البيوت ويحاولون حرق اولاد ونساء وشيوخ"، قال ضابط كان في المكان في تلك الليلة. "سماع شخصيات رفيعة في الدولة تؤيد ذلك، هذا أمر لا يمكن استيعابه. لا توجد لديهم أي فكرة عما حدث هنا". حسب أقوال هذا الضابط فإنه عندما حاول هو وجنوده إبعاد المستوطنين عن المكان فان الاخيرين ببساطة هاجموا الجنود بعنف. "أنا لا أتذكر مثيلا له". قبل ذلك، شاهد كيف أن مجموعة من المستوطنين انتظرت خارج البيت الذي تم احراق واجهته. "لقد انتظروهم هناك وهم يحملون الحجارة والعصي والغاز المسيل للدموع لهدف واضح: اذا هربوا من النار فهم سيصلون مباشرة الى ايديهم وعندها سيهاجمونهم. فقط بمعجزة تلك الليلة لم تنته كما انتهت بعائلة دوابشة في دوما". على بعد بضعة أمتار من بيت وليد يوجد بيت أحمد، وهو موقف للسيارات. هو ايضا تحدث عن عشرات المستوطنين الملثمين عن رشق الحجارة ورش الغاز المسيل للدموع واشعال النار. أمر عسكري لتنفيذ مذبحة. والدته (76 سنة) كانت معه في البيت، وايضا ابنته التي هي من ذوي الاحتياجات الخاصة. "أنا خفت أن يصيبوهم بأي سوء. ايضا طلبت من والدتي الاستلقاء على الارض والتظاهر بأنها فاقدة الوعي وأن لا تتحرك"، قال. "البيت كان مملوء بالدخان وعدد من المستوطنين دخلوا اليه وقاموا برش الغاز علينا. احدهم مر بجانب والدتي المستلقية على الارض وحاول تحريكها بقدمه للتأكد من أنها فاقدة للوعي حقا. ولكن كما يبدو هو تركها". خلال كل هذا الوقت انتظر احمد أن يأتي أحدا من الجيش. "كان الكثير من الجنود خارج البيت وقد شاهدوا بأن هناك مشكلة، لكنهم لم يحاولوا حتى وقف المستوطنين"، قال للضباط. "لقد تركوني أنا وأمي واولادي لنموت في البيت". في النهاية فقط جاء الجنود، ضباط الادارة المدنية دخلوا الى البيت المشتعل وقاموا بانقاذ السكان، قبل لحظة من أن يكون الوقت متأخر جدا. أين لوائح الاتهام أحد الضباط الكبار في الجولة هو الجنرال غسان عليان، منسق اعمال الحكومة في المناطق. هو عبر عن الأسف وقال إنه يخجل مما حدث ووعد باصلاح الوضع. ولكن على سؤال أحمد لم يكن لديه أي جواب واضح. "الجيش الاسرائيلي يعرف في كل لحظة أين نحن نوجد، من يسافر ومن ينام ومن يأكل، كيف لم يقوموا باعتقال هؤلاء المجرمين؟"، تساءل والدموع في عينيه. "كيف أن الجيش حتى الآن يسمح لهم بالتجول في الخارج؟". احمد ليس الوحيد الذي سأل هذا السؤال. بعد اسبوعين على الحادثة تم اعتقال (وتم اطلاق سراح) عدد من المشبوهين. وهناك عدد قليل من المعتقلين الاداريين. ولكن لا أحد حتى الآن تم تقديمه للمحاكمة. "هناك اسماء الاشخاص البارزين الذين خططوا وشجعوا على الحادثة في حوارة وكانوا مشاركين في عملية الاحراق"، قال مصدر امني مطلع على تفاصيل الحادثة. "هذه القوائم توجد لدى جهاز انفاذ القانون، وحتى الآن لم يحدث أي شيء باستثناء عدة نشاطات محددة". في اوساط كبار الضباط في جهاز الامن هناك شعور بأن الحكومة الاسرائيلية لم تتخذ بعد أي قرار حول كيفية مواجهة التطرف في اوساط المستوطنين، بما في ذلك، وربما بالاساس، المذبحة في حوارة. "الشعور هو أنه لا أحد يريد العمل ضد ذلك، ولا يريد حقا تقديم هؤلاء المجرمين للمحاكمة"، قال مصدر امني مطلع على تفاصيل التحقيق في محادثات مغلقة. "هم يعرفون من الذي قاد هذا العار في حوارة. الآن يمكن الذهاب الى بيوتهم واحضارهم. أنا لا أعرف اذا كان هذا أمر من الاعلى، عدم العمل ضد الزعران، أو أن النظام بدأ يفهم وحده متى ينتظرون منه العمل ومتى لا، لأن هذا وضع خطير من المحظور الوصول اليه". ربما الوضع الخطير قد تحقق، وهو يحدث في هذه الاثناء. بالنسبة للعالم لا يوجد أي سؤال. "صحيح أنه حتى الآن لا توجد أي جهة دولية تعتقد بأن اسرائيل غير مذنبة فيما حدث في حوارة"، قال مصدر امني في النقاش الذي اجري في قيادة المنطقة الوسطى بعد المذبحة. "لا يوجد من يعتبرنا على حق. المسؤولية عن هذه الحادثة موجهة لاسرائيل". حوارة تحولت ايضا الى رمز. سكان القرية شاهدوا التنكيل والاحراق خلال السنوات. ولكن عندما القيت في الجو الكلمات "المذبحة في حوارة" اصبح من الواضح للجميع بأن الامر يتعلق باحداث 26 شباط (فبراير) 2023. في هذا الوضع القرية تقف على الخارطة كمكان معد لاضطرابات متكررة. حسب اقوال مصدر امني فان أي عملية يمكن أن تؤدي بالمشاغبين الى العودة الى حوارة لجولة اخرى. "لقد حولوها الى ساحة قتال". في غضون ذلك قرر شباب فلسطينيون الاستعداد لما سيأتي. في الاسابيع الاخيرة اقاموا منظمة حراسة تشبه الحارس الجديد في اسرائيل. مجموعات من عشرات الفلسطينيين الذين يأتون الى المنطقة قرب نقاط الاحتكاك ويجلسون حول مواقد للنار في الليل، هكذا وصف ضابط رفيع. وحسب قوله هم لا يحملون السلاح، ولكنهم يعتبرون انفسهم قوة ستدافع عن القرى الفلسطينية اذا حدثت احداث مشابهة. "في هذه المرحلة هم لا يعتبرون تنظيمات"، اشار. "لكن من اجل تمويل النشاطات نحن لا نستبعد امكانية أن تعتبر التنظيمات الفلسطينية هذه المجموعات ارضية خصبة للدخول اليها".اضافة اعلان