بقلم: يهوديت اوفنهايمر 5/6/2023
عندما يصبح السيئ أسوأ فيجب علينا أن نفحص مرة اخرى اساليب عملنا. هكذا هي السنة الـ56 للاحتلال التي ستنتهي اليوم (أمس). في كل سنة، طوال السنة، نحن نشير الى الظلم المستمر، الابرتهايد، العنف والطرد. ولكن السنة الاخيرة عكست انحدارات جديدة: العنف المتزايد، ضم متسرع، طرد، ومهاجمة منظمات حقوق الانسان. بين قرارات جديدة وواقع فوضوي ادركنا أنه لم يعد بالامكان الاستمرار في روتين التوثيق ونضال كل جمعية، وأن هناك إلحاحية لجمع النقاط وفحص سياسة الحكومة في تحليل شامل. لذلك فاننا تجمعنا للمرة الاولى، الـ17 منظمة رائدة لحقوق الانسان في اسرائيل، كي نقدم للجمهور، في البلاد وفي الخارج، تحليل شامل للواقع المحدث في المناطق، والدعوة بصوت واحد الى العمل على الفور.
امام الاحتلال والابرتهايد اللذين يضران بكل مجالات حياة الفلسطينيين، يوجد لكل جمعية تأكيد مهني خاص بها. معا عملنا يربط بين نظرة قانونية وجيوسياسية وبين نضال من اجل الصحة والاراضي ومرافقة على الارض لمحامي دولي. توجد للجمعيات تجربة متراكمة منذ 300 سنة في محاربة الاحتلال وتوثيق اضراره الشديد بالحقوق وحياة الانسان. معا نحن نقود اكثر من 200 موظف يخرجون الى الميدان. يرسمون الخرائط، يجرون المقابلات، يجمعون الشهادات، يصورون، يقدمون العلاج والمساعدة القانونية ويكتبون ويحررون كل شيء من اجل أن يصل الى كل شخص مستعد لأن يسمع. الحقيقة المتراكمة التي قادتنا الى استنتاج قاطع هي أننا شهود على زيادة خطورة دراماتيكية. في التقرير المشترك الذي سينشر اليوم ركزنا على اربعة مواضيع الحاحية جدا.
عملية الضم تم تسريعها: هذه السنة شكلت الانتقال من الضم الفعلي الذي تدفع به اسرائيل قدما خلال سنوات الاحتلال الى عملية ضم كاملة. الحكومة في الحقيقة تجنبت تصريحات شاملة عن ضم المناطق، لكن نقل الصلاحيات المدنية لبتسلئيل سموتريتش، الوزير في وزارة الدفاع، وضع فعليا جهة مدنية تحكم في الضفة الغربية. هذه الخطوة وعمليات تشريع اخرى تجمع بصورة بيروقراطية توسيع السيطرة في المناطق فقط للمواطنين الاسرائيليين (الفلسطينيون ما يزالون يخضعون لنظام عسكري)، والمعنى هو تسريع الضم الكامل. من خلال ذلك فإن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وتدمير منظمات المجتمع الفلسطيني، كل ذلك يقسم المجتمع الفلسطيني الى اجزاء صغيرة تكون خاضعة للسيطرة والادارة. تصريح الحكومة الذي يهدف الى مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية وحد التعبير على الفور في التخطيط والبناء وتحويل الميزانيات. استثمارات ضخمة بواسطة وزارة الاستيطان والمهمات الوطنية وتخصيص ربع ميزانية وزارة المواصلات للبنى التحتية في المناطق والدفع قدما بمشاريع كبيرة للسكن في عشرات المستوطنات وشق الطرق (الشارع الدائري الشرقي) والبناء في منطقة "إي1" بشكل خاص – كل ذلك يظهر أن ما اعتبر لسنوات "ضم زاحف" تعلم كيفية المشي وبسرعة.
عمليات الطرد والاجتثاث ازدادت، حيث إن هدف الاحتلال هو ضم اكبر قدر من الاراضي وتقليص الى الحد الادنى عدد السكان الفلسطينيين. الصورة المكملة للاحتلال هي الطرد. جهود الطرد تركزت في السنة الماضي على شرقي القدس ومناطق ج. في القدس فان منع حقوق التخطيط والبناء وهدم البيوت واجراء "تسوية الاراضي" في المدينة تستخدم لطرد وابعاد السكان العرب ووضعهم امام خطر متزايد لسحب اقامتهم وطردهم من المدينة. في مناطق ج الاعلان بأن نصف المكان هو منطقة عسكرية مغلقة لا يمكن من الحركة أو الزراعة أو الرعي. وهكذا يتم ابعاد الفلسطينيين عن اراضيهم.
يجب الاشارة بشكل خاص الى عملية الطرد في تجمعات مسافر يطا، التي تمت شرعنتها هذه السنة في المحكمة العليا، وتم القيام بخطوات متشددة ضدها في محاولة لطرد اكثر من ألف شخص. الحرمان المطلق للفلسطينيين من حقوق التخطيط في مناطق ج يضع البيوت تحت تهديد عملية الهدم، وتضع التجمعات تحت خطر الطرد، مثلما حدث في قرية الخان الاحمر. اضافة الى ذلك فان اعمال مخطط لها وممأسسة للعنف تجري بدعم قوات الامن اصبحت اعمال متكررة ومدمرة اكثر. عنف المستوطنين هو وسيلة ناجعة لإبعاد التجمعات الفلسطينية عن اراضيها والى تطهير عرقي لمناطق واسعة في مناطق ج، مثل تجمع عين سامية. هذه العمليات تبدو في اطار كما يبدو تاريخي للنضال من اجل "ارض الآباء"، وضمن ذلك استخدام مواقع ومبان وطنية لمصادرة الرواية والاراضي.
عنف قوات الامن تجاه الفلسطينيين ازداد، عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة وصل الى الذروة منذ الانتفاضة الثانية، والجيش يعترف بأن نصفهم تقريبا لم يكونوا من المسلحين، وأن ربعهم من الاطفال. اقتحام البيوت في الليل والاعتقال العنيف للاطفال ورقم قياسي من المعتقلين الاداريين في العشرين سنة الاخيرة والتعذيب اثناء التحقيق في الشباك والمس بحقوق السجناء، كل ذلك هو الدليل على العنف المتزايد في "منظومة العقاب" تجاه الفلسطينيين.
في قطاع غزة العنف هو اللغة الوحيدة، هجمات من الجو تقتل بشكل متعمد اطفال وسكان. وحصار ضار في كل مجالات الحياة ويجبي ثمنا باهظا بالدماء وازمة انسانية وقيود على حركة المرضى. كل ذلك في الوقت الذي فيه قوات الامن تتمتع بحصانة فعلية من القانون، اقل من 1 في المائة من الشكاوى ضد الجنود على عنفهم يصل الى لائحة اتهام. لم يتم تقديم ولا حتى لائحة اتهام واحدة في اعقاب 1400 شكوى على عنف الشباك، التي تم تقديمها في العشرين سنة الاخيرة. الصعود درجة في الهجوم على منظمات حقوق الانسان. من اجل مواصلة المظالم بدون أي عقاب فان الحكومة تعمل على اسكات منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية والفلسطينية. زملاؤنا في منظمات حقوق الانسان الفلسطينية اعتبروا مؤيدين للارهاب من قبل وزير الدفاع السابق بني غانتس؛ دولة اسرائيل لم تنجح في تقديم أي أدلة مقنعة على هذا الادعاء، وبعد فحص شامل دول الاتحاد الاوروبي رفضت الامر. رغم ذلك ما زال لهذا التعريف تداعيات شديدة، حيث أن مكاتب المنظمات والموظفين فيها يتعرضون لهجمات متواصلة، وقدرتهم على أداء عملهم تضررت جدا.
في المنظمات الاسرائيلية شاهدنا في السابق حملات تشهير ونزع للشرعية التي استهدفت المس بنشاطاتاتنا، فإنه في هذه السنة ظهر ارتفاع في محاولة التضييق علينا بواسطة قوانين. عمليات تشريع في مراحل مختلفة موجهة لتقييد قدرتها على تجنيد الموارد وعلى الاستمرار في عملنا وتقييد الادوات التي يمكننا استخدامها من اجل الحفاظ على حقوق الانسان للفلسطينيين تحت الاحتلال.
قسم كبير من الجمهور الاسرائيلي اصبح يدرك الآن بشكل أكبر أن الانقلاب النظامي يستهدف خدمة سياسة الطرد والضم، وأن النضال من اجل الديمقراطية والمساواة هو حيوي من اجل دمج القوى والتجمعات في البلاد وفي الخارج. نجاح النضال المشترك بين كل منظمات المجتمع المدني لوقف قوانين الضرائب غير الديمقراطية يدل على أنه عندما نعمل معا فنحن نستطيع التغلب على قوة اليمين المفترسة.
نحن نوحد قوتنا لأن الوضع يحتاج الى نضال مشترك، الى حين الموافقة على طلب المساواة في الحقوق. التاريخ يدل على أن الاسكات غير ممكن، خاصة ليس طوال الوقت. والى جانب ازدياد العنف والضم والطرد والملاحقة ستكون هنا دائما جماعة، آخذة في الازدياد، ستواصل المطالبة بانهاء الظلم الفظيع للاحتلال والابرتهايد، ومن الافضل أن يكون ذلك في أسرع وقت ممكن.