هآرتس
بقلم: تسفي برئيل
في 4 كانون الثاني (يناير)، ألقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطابا تصالحيا استثنائيا. "الحجاب هو ضرورة دينية يجب عدم خرقها، لكن هذه الضرورة يجب عدم تفسيرها بأنه يجب اتهام من لا ترتدي "الحجاب الكامل" بعمل ضد الدين أو ضد الثورة… "حجاب خفيف" (الذي لا يغطي كل الرأس -الكاتب) لا يعد أمرا جيدا، لكنه لا يقود الى اعتبار من ترتديه تعمل ضد الدين أو ضد الثورة. جميعنا نرتكب أخطاء، التي علينا إصلاحها". حتى ذلك الحين خامنئي وكبار القادة في إيران لم يوفروا أي اتهامات وشتائم واعتقالات وحتى إعدامات للمتظاهرين. حكماء الشريعة المحافظون وجهوا الاتهامات للحكومة وقوات الأمن لأنهم لم ينجحوا في أن يقمعوا بسرعة الاحتجاج الذي يستمر منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، والذي اندلع بسبب قتل مهاسا أميني عند تواجدها في معتقل شرطة الآداب.
ما الذي جعل خامنئي يغير موقفه ويستبدل الخطاب ويصف النساء "المارقات" وكأنهن "لا يختلفن عن نسائنا وبناتنا"، حسب تعبيره؟ هل ضغط الجمهور في الشوارع هو الذي أحدث هذا الانقلاب؟.
في الأسبوع الماضي، نشرت في موقعي المعارضة "ايران نت" و"ايران واير" اللذين يعملان خارج إيران، نشرت اقتباسات من وثيقة تتكون من 44 صفحة، فيها حسب الناشرين ملخص للقاء جرى في بداية كانون الثاني (يناير) لأكثر من 50 ضابطا رفيعا في حرس الثورة وفقهاء في الشريعة مع خامنئي بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة على قتل قاسم سليماني، قائد قوة القدس التابعة لحرس الثورة بواسطة قصف أميركي. الوثيقة تم تصنيفها أنها سرية، وليس واضحا منها من الذي كتبها. حسب الوثيقة فقط 13 شخصا من المشاركين تحدثوا أو سجلت أقوالهم.
إذا كان هذا ملخصا أصيلا وليس صياغة صيغت بأيدي جهات معارضة، واستهدفت كشف الخلافات وعدم الثقة الموجود كما يبدو في صفوف حرس الثورة، فإن الأمر يتعلق بوثيقة غير مسبوقة. ضمن أمور أخرى، يكشف قادة كبار في حرس الثورة بأنهم يقفون أمام ظواهر عدم انصياع واسعة لمرؤوسيهم الذين يرفضون مهاجمة المتظاهرين. حتى أن أحدهم أشار إلى أنه كشف عن خطة لإطلاق قنابل هاون على مكاتب خامنئي، "لحسن الحظ وبعون الله" الخطة تم إحباطها. ضابط آخر طلب معرفة كيف يتعامل مع الجنود الذين سرقوا طعاما من المخازن العسكرية ووزعوه على الفقراء والأقارب. آخر تحدث عن تسرب كبير في أوساط جنود حرس الثورة، بالأساس في صفوف المتطوعين الباسيج.
قائد حرس الثورة في منطقة طهران، الجنرال حسن حسن زاده، شرح حسب الوثيقة بأنه لم يكن لقواته ما يكفي من المعلومات عن انتظام المتظاهرين وخطط عملهم ومصادر تمويلهم. حسب قوله، من الواضح أن نشاطات مناوئة للثورة بهذا الحجم كانت مخططا لها مسبقا وتعتمد على مساعدة مالية كثيفة من جهات ودول أجنبية تريد إسقاط النظام. أحد فقهاء الشريعة، محمود محمدي شهرودي، المسؤول عن الدورات التي يتعلم فيها متطوعو الباسيج، قال إن الكثير من المعلمين يتركون الدورات، لكن التغير المهم هو طبيعة النقاشات في الحصص بين الطلاب والمحاضرين، التي هي من "النوع الذي لم يكن موجودا في أي يوم سابق". حسب قوله، تعودوا النقاش حول مواضيع الدروس. ولكن في الأشهر الأخيرة هم يطرحون انتقادات ضد سلوك النظام مع المجرمين والمتظاهرين. ويسألون عن "الطريقة"، أي طريقة الحكم، ويريدون تفسيرات حول الأساس الديني لطرق عمل الدولة. "كفقهاء في الشريعة فإنه ملقى علينا واجب، وأيضا عليكم، إخوتنا في الجيش وفي قوات الأمن، يجب علينا العمل على إصلاح مشكلات المواطنين، علينا الاعتراف بأنه يوجد بين المتظاهرين من ليس لديهم أي حل آخر عدا عن الخروج الى الشوارع. محظور علينا اتهامهم بالتجسس أو الإخلال بالنظام".
شخصيات رفيعة أخرى تحدثت عن الحاجة الى استثمار المزيد في التعليم وفي التوجيه في كل المستويات وفي كل مؤسسة، وليس الإسراع الى الاعتقال أو الإعدام -هذا لا يعد حلا لأنه بهذا سنجد أنفسنا نعدم الجميع واحدا تلو الآخر.
حتى لو تعاملنا مع الوثيقة على أنها وثيقة مزيفة من جهات معارضة فيمكن أن نفهم منها مزاج من كتبوها. لا يوجد فيها انتقاد مباشر للزعيم الأعلى أو ضد طريقة الحكم. هي تدل على الاستعداد للحوار على أساس فهم الصعوبات الاقتصادية للجمهور، هي تشمل دعوة كما يبدو من علماء الشريعة ومن كبار قادة قوات الأمن للاستثمار في التعليم وفي الإعلام، بالأساس تعبر عن معارضة شديدة للخطوات المدمرة التي اتبعها النظام ضد المتظاهرين وقادة حركة الاحتجاج.
مرتان في السنة الماضية، في شباط (فبراير) وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، تم تسريب وثائق من خلال جلسات لحرس الثورة، التي أسمعت فيها تحذيرات من اندلاع الاحتجاجات. في حالة أخرى، نشرت في كانون الأول (سبتمبر)، اخترق قراصنة من مجموعة "بلاك ريوارد" موقع وكالة الأنباء "فارس" التي أعدت تقريرا سريا لخامنئي كتب فيه ضمن أمور أخرى، بأن النظام فشل في جهوده لإقناع الجمهور بأن المظاهرات هي نتيجة تدخل خارجي وأن نحو 70 % من الجمهور يرفضون الخروج للتظاهر دعما للنظام. هذه الوثائق والخطاب "اللين" لخامنئي تدل على الأهمية الكبيرة لحركة الاحتجاج، حتى عندما يظهر بأنها لا تنجح في تحقيق أهدافها.