يغتالون ويبكون

هآرتس

ألوف بن

ليس فيلم "حُماة الحمى" فيلم احتجاج يساريا آخر على الاحتلال، فهو بعيد عن ذاك. فالفيلم الوثائقي لدرور موريه هو التاريخ نصف الرسمي لـ "الشباك" منذ 1967، على ألسنة ستة رؤسائه السابقين. وهو رواية الجهاز للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو أيضا قصة "النخبة القديمة" التي ضاقت ذرعا بالحرب الأبدية.اضافة اعلان
يعرض الفيلم "الشباك" ورجاله على أنهم ضحايا قيادة سياسية تهربت من حسم سياسي لمستقبل المناطق وفضلت "محاربة الارهاب". وكان رؤساء "الشباك" من وجهة نظرهم "منظفي القذارة" الذين أبقوا الارهاب في مستوى يُطاق كما قال مسؤول الجهاز الكبير الراحل يوسي غينوسار. إن موقف موريه السياسي رابيني: لنحارب الارهاب وكأنه لا توجد مسيرة سياسية ولنتقدم في المسيرة السياسية كأنه لا يوجد ارهاب. فلا عجب من ان اسحق رابين يحظى بزمن من عرض التلفاز أكثر من رؤساء الوزراء الآخرين. ويوصف قتل رابين بأنه نقطة التحول التاريخي التي أفضت الى ضياع السلام. ويُعرض المستوطنون في الفيلم على أنهم مُخلون بالقانون ومتظاهرون متحمسون، ويُعرض قادة الليكود على أنهم محرضون. إن رواية الفيلم مريحة لـ "الشباك" وتتجاهل الصدامات بين الجهاز وسلطة القانون.
وتُروى قضية الخط 300 (مقتل مسلحين اختطفا حافلة في 1984) بالتفصيل على لسان رئيس الجهاز آنذاك ابراهام شالوم. لكن موريه يوقف القصة في منتصفها ولا يذكر اختلاق الأدلة في لجنة التحقيق والغفرانات التي أُعطيت للقتلة ولمن غطوا عليهم. ولا يتناول الفيلم الأكاذيب المنهجية لمحققي الجهاز في المحاكم التي كشفت عنها لجنة لنداو ولا قرار المحكمة العليا الذي حظر التعذيب في التحقيق. ويُعرض الفلسطينيون في الفيلم بأفكار نمطية مقولبة فهناك عربي وحمار باللونين الاسود والابيض، وفتيان يرمون الحجارة، وجموع تجري صارخة وراء سيارة اسعاف، وأكثر من ذلك أنهم أهداف في أفلام اطلاق طائرات بلا طيارين نيرانها. فيبدو ان ناس "الشباك" يرون أهدافهم على ذلك النحو. يُرى رؤساء الجهاز بأنهم نشطاء من مباي السابق، في قمصان مفتوحة الياقات، ولهجة صبارية اشكنازية وأخطاء طفيفة باللغة العبرية. وأنا أعرفهم من البيت فهذه هي الطائفة التي جاء منها والداي. ورؤساء الجهاز مثل كثيرين من رفاقهم في هذه الطائفة لانوا وتركوا النهج الامني الفعال. فهذا ما حدث لشالوم وعامي أيلون وكرمي غيلون ويوفال ديسكن؛ وما زال آفي ديختر وحده عاشقا للحرب نادما على الاغتيال الذي لم ينجح. ان ديسكن هو البطل المأساوي لفيلم "حُماة الحمى"، فهو والد الاغتيالات التي تُعذبه في ساعاته الخاصة متألما لمن قتلهم من الناس. فهذه صيغة من صيغ "الشباك" لـ "يطلقون النار ويبكون". وقد تأثر في شبيبته بـ "لو هُزمت اسرائيل"، وهو تاريخ بديل لحرب الايام الستة. وهو كتاب مُزعزِع في نهايته يشنق العرب المنتصرون موشيه ديان وليفي اشكول في ميدان ملوك اسرائيل. ويعتقد ديسكن اليوم ان إشعياء ليفوفيتش كان على حق في نبوءة غضبه وتوبيخه بسبب الاحتلال الذي سيدمر اسرائيل من الداخل. حينما نشاهد الفيلم نفهم لماذا تشاجر ديسكن مع بنيامين نتنياهو ولماذا عيّن رئيس الوزراء عدو "النخب القديمة"، يورام كوهين، الذي يعتمر قبعة دينية وريثا له. لكن نتنياهو لم يعد يؤمن ايضا بأنه يمكن تجنيد الاسرائيليين لحروب واحتلالات وهو يريد ان يؤسس حماية اسرائيل على الجدران والقبب الحديدية وان يتكل على "حماة الحمى" ليستمروا في صيانة الاحتلال.