الاستيطان في أراضي الفلسطينيين

7E25AE91-D8CD-41C3-8190-B3FE6C2E6A9D
مستوطنات
هآرتس
بقلم: عميرة هاس
2/6/2023

الدولة تسمح لست مزارع أغنام إسرائيلية بالعمل في مسافر يطا، وهي منطقة في جنوب الضفة الغربية والتي أعلن عنها كمنطقة تدريب، والتي صادق قضاة المحكمة العليا على طرد سكانها الفلسطينيين منها. في كل واحدة من هذه المزارع يوجد على الأقل قطيع واحد. وقد تمت إقامتها قرب البؤر الاستيطانية غير القانونية متسبيه يئير وآفي غيل وحفات معون. متابعة السكان الفلسطينيين تدل على أن مزرعتين من هذه المزارع في المنطقة أقيمت قبل قرار المحكمة العليا الذي أعطي في أيار (مايو) 2022، وعلى الأقل ثلاث منها أقيمت بعد ذلك. في مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق قالوا إن المزارع غير معروفة وإذا تم تشخيصها فسيتم اتخاذ إجراءات ضدها حسب القانون. مع ذلك، علمت "هآرتس" أن الإدارة المدنية الخاضعة لمنسق أعمال الحكومة في المناطق سبق وأصدرت أوامر إنفاذ قانونية إدارية (أوامر وقف الأعمال وأوامر هدم) ضد المباني في المزارع. السلطات فككت في السابق إحدى هذه المزارع ولكنها عادت وبنيت.اضافة اعلان
إسرائيل يعيش في المنطقة، قال للصحيفة إن مستوطنين وضباطا قالوا إنه أعطي لأصحاب القطعان في المزارع تصاريح للرعي في مسافر يطا. ولكنهم لم يعرضوا عليه أي وثيقة تؤكد أقوالهم. في مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق لم يردوا على سؤال هآرتس هل خصصت لهذه المزارع أراضي رعي في منطقة التدريب؟.
رغم إصدار أوامر وقف العمل وأوامر الهدم، فإن الفلسطينيين سكان هذه المنطقة ونشطاء حقوق إنسان إسرائيليين يلاحظون نشاطات محمومة ومتواصلة حول المزارع -شاحنات تقوم بالإنزال، خلاصة باطون صبت ساحة، سيارات تدخل وتخرج من المزرعة، تراكتورات صغيرة وأشخاص يركبون على الخيول. الحظائر القديمة والجديدة التي تتراكم لديهم تظهر من بعيد. في إحدى المزارع أيضا يربون الجمال. فلسطينيون من سكان المنطقة يتحدثون عن جنود تمت مشاهدتهم أحيانا قرب الرعاة الإسرائيليين في منطقة التدريب ويرافقونهم.
ثلاث مزارع أقيمت شرق متسبيه يئير في المنطقة التي يسميها الفلسطينيون وادي الجت (وادي القط). المزرعة الأولى أقيمت قبل سنتين تقريبا، والثانية الى الجنوب منها بقليل أقيمت نحو سنة واستولت على مغر للسكن استخدمها الفلسطينيون منذ عشرات السنين. الثالثة أقيمت قبل بضعة أسابيع، وهي أكثر عمقا في منطقة التدريب، في منطقة يمكن فيها التمييز بوضوح الجدران الحجرية والمغر التي أعدها الفلسطينيون للسكن قبل سنين كثيرة. في آب (أغسطس) 2022 نشر فيلم فيديو في يوتيوب يظهر واقع الذين يعيشون في المزرعة الثانية التي أقيمت قبل سنة.
مزرعة رابعة أقيمت في شرق البؤرة الاستيطاني آفي غيل بعد فترة قصيرة على قرار المحكمة العليا، وهي تربي على الأقل قطيعا واحدا. المزارع الأخرى بنيت في جبل مشخة شرقي البؤرة الاستيطانية حفات معون، في موقعها السابق الذي أخليت منه في العام 2004. في هذه المنطقة تظهر الجمال التي يربيها الإسرائيليون.
السكان والنشطاء لاحظوا أنه يوجد في المزارع بالأساس شباب متدينون، الذين يتواجدون فيها في الليل وفي النهار يخرجون لرعي الأغنام. مستوطنون أكبر سنا منهم، المعروفون في أوساط المستوطنين وسلطات الجيش ويعيشون في البؤر الاستيطانية الأقدم هم كما يبدو المسؤولون المباشرون عن تشغيل المزارع. نموذج العمل هذا معروف من مزارع أغنام وأبقار إسرائيلية أخرى أقيمت في الضفة: شخص بالغ ومسؤول أو عائلة تحصل على قطيع أغنام ومجموعة من الشباب المتدينين الذين يعيشون في المزرعة يعملون فيها ويذهبون للرعب. ظاهرة مزارع الأغنام والأبقار الإسرائيلية اتسعت وترسخت بشكل خاص في العقد الأخير، وفقط في منطقة جنوب جبل الخليل يوجد الآن 23 مزرعة، ضمنها المزارع الست المذكورة.
مثلما يحدث في مناطق أخرى في الضفة أيضا في مسافر يطا، الشهادات تدل على أن الرعاة الإسرائيليين يدفعون ويبعدون بالتخويف والعنف الرعاة الفلسطينيين من سكان المنطقة عن مناطق الرعي التي استخدموها عشرات السنين، ويبعدونهم عن آبار المياه التي حفروها هم أنفسهم أو أجدادهم قبل فترة طويلة. حسب الشهادات التي وصلت للصحيفة، ومثل رعاة الأغنام الإسرائيليين الآخرين في الضفة، أيضا الذين يوجدون في مسافر يطا يرسلون قطعانهم الى الحقول المزروعة بالشعير التابعة للفلسطينيين، وإلى حقول أشجارهم، والقطعان تقضي على المحاصيل. في عدد من هذه القسائم التي أرسلت اليها القطعان، أصدر الجيش في السابق أوامر منطقة عسكرية مغلقة تحظر دخول الإسرائيليين بسبب مواجهات اندلعت في أعقاب المس بالمحاصيل. المحامي روني بلي من جمعية حقوق المواطن، وهي الجمعية مع المحامي شلومو ليكر مثلت السكان الفلسطينيين منذ العام 1999، قال للصحيفة: "الوثائق التاريخية تدل على أنه منذ أربعين سنة، فإن الإعلان عن منطقة تدريب استهدف طرد سكان المنطقة. وبعد قرار المحكمة، فإن الجيش يثقل يده ويحول حياة سكان القرى الى حياة لا تطاق. مؤخرا أقيمت في المنطقة بؤر استيطانية، وعنف المستوطنين في المنطقة ازداد، وكما في مناطق أخرى في الضفة، فإن سكان مسافر يطا متروكون لمصيرهم والجيش لا يفعل أي شيء للدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم. الفرق بينهم وبين أماكن أخرى هو أنه لا أحد يحاول إخفاء نية طردهم من المنطقة. وجميع الجهود التي تبذل في سبيل ذلك هي مباحة. يجب التذكير بأن طرد السكان المحميين هو محظور ويمكن أن يشكل جريمة حرب، حتى عندما يتم القيام به عن طريق تحويل حياة السكان الى حياة غير محتملة". في مسافر يطا التي تقع جنوب شرق مدينة يطا، يوجد منذ القرن التاسع عشر قرى مغر لرعاة الأغنام الذين أقاموا في المنطقة مع القطعان في معظم أشهر السنة وزرعوا فيها القمح والشعير والخضراوات من أجل الاستهلاك. وفي نهاية الربيع والصيف، جزء منهم ينتقلون غربا الى منطقة قرى يطا ودوره والسموع. قرى المغر مثل قرى فلسطينية صغيرة أخرى في أرجاء البلاد أقيمت في البداية كامتداد طبيعي ومعروف لقرى قائمة عندما زاد عدد سكانها أو عندما كانت حاجة لتوسيع منطقة الرعي أو من خلال البحث عن مصادر المياه. ومع مرور الوقت ترسخت كبلدات ثابتة. العلاقات العائلية، الاقتصادية والثقافية، بين الجميع تم الحفاظ عليها، حيث في القرى الكبيرة أيضا يتم تقديم خدمات الصحة والتعليم والتجارة.
في قرية جنبا بنيت أيضا بيوت حجرية في بداية القرن العشرين، التي قام الجيش بتفجير معظمها في 1966. في بداية الثمانينيات، أعلن الجيش الإسرائيلي عن منطقة بمساحة 30 ألف دونم في مسافر يطا كمنطقة التدريب 918 في أعقاب توصية من اريئيل شارون لجهاز الأمن كي يفعل ذلك كوسيلة لوقف ترسخ وتمدد القرى الفلسطينية الموجودة في المنطقة. ورغم الإعلان، إلا أن السكان في القرى الـ12 الصغيرة واصلوا العيش فيها، في المغر وفي الخيام التي أقيمت مع مرور الوقت بجانبها. وعندما كان يتم إجراء تدريبات بشكل عام، كان يتم إجراؤها في منطقة محددة. مع ذلك السلطات الإسرائيلية منعت الفلسطينيين من إقامة مبان ثابتة والارتباط بالبنى التحتية للمياه والكهرباء.
في 1999، في ذروة عملية أوسلو وفي وقت ولاية ايهود باراك كرئيس للحكومة ووزير للدفاع، طرد الجيش الإسرائيلي نحو 700 شخص من سكان القرى الصغيرة وقام بهدم بيوتهم وآبارهم. في أعقاب التماسات قدمها السكان للمحكمة العليا، قامت المحكمة بإصدار أمر مؤقت وسمحت بعودتهم، لكن دون السماح لهم بإعادة إعمار المباني وآبار المياه التي هدمت، وأن يبنوا من جديد في مكانها أو يشقوا طرق تربط بينها. لذلك فإن مباني كثيرة بنيت من دون خيار منذ ذلك الحين أو أعيد إعمارها من دون تراخيص اعتبرت من قبل الإدارة المدنية مباني غير قانونية.
بعد مماطلة طويلة من جانب الدولة ومحاولات عدة للجسر بين السكان والسلطات صممت الدولة على أن ترى في السكان غزاة لمنطقة تدريب، وهم بدورهم واصلوا نضالهم القانوني ضد طردهم وهدم قراهم. في أيار (مايو) 2022، رفض القضاة الالتماس ضد وجود منطقة تدريب، وأجبرت الملتمسين، وهم من الطبقة الفقيرة الفلسطينية، على دفع 40 ألف شيكل كنفقات للمحكمة. منذ صدور القرار، فإن إسرائيل في الحقيقة لم تقم فعليا بطرد السكان الفلسطينيين، لكنها اتخذت خطوات تنغص حياتهم: هدم مستعجل لمبان ومدرسة ومصادرة السيارات وزيادة الحواجز العسكرية وتوقيف طويل لرعاة أغنام.