ما الذي يقولونه لوالد بعد بضع دقائق على تلقي النبأ الفظيع بأن ابنه مات متأثرا بجراحه؟ ما الذي يقولونه لوالد ابنه تم اطلاق النار عليه ومات امام ناظريه على يد قناص من الجيش الاسرائيلي؟ ما الذي يقال لوالد شاهد اطلاق النار على سيارته واسرع الى اغلاق باب السيارة وعلى الفور بعد ذلك شاهد ابنه وهو يستلقي على جانبه في مقعد السيارة الخلفي وهو ينزف من رأسه الذي حفر فيه ثقب بسبب الرصاصة بعد لحظة على وضعه في السيارة وهم في الطريق الى حفل عيد ميلاد؟ ما الذي نقوله لوالد في حالة صدمة ومصاب برصاصة اصابته في كتفه ويتألم وهو يقرأ آيات من القرآن وكأنه يستمر في الدعاء من اجل حياة ابنه، رغم أنه عرف الآن بأن احتمال بقائه على قيد الحياة اصبح ضعيفا جدا وأن أحد اولاده قد مات؟.
في ظهيرة أمس عندما جئنا الى قرية النبي صالح التقينا في البداية مع شهود عيان على حادثة اطلاق النار في مساء يوم الخميس في القرية. قبل الساعة الثانية ظهرا بقليل قمنا بالاتصال مع بيت والد الطفل الذي أصيب في الحادثة وطلبنا الالتقاء معه. أبناء العائلة نصحونا بالقول: تعالوا بسرعة. "نحن لا نعرف ما الذي سيحدث". بعد مرور فترة قصيرة دخلنا الى بيت جد الطفل محمد. الصمت ساد في الصالون الصغير. وفقط صرخة ألم خرقت هذا الصمت. عرفنا على الفور بأن محمد قد مات.
محمد التميمي مات أمس بعد الظهر في غرفة العناية المركزة في قسم سفرا في مستشفى تل هشومير. كان عمره سنتين ونصف. أمه والجدة كانتا بجانبه. الأب تمكن من زيارته أول من أمس لبضع ساعات ولكنه لم يستطع البقاء بسبب اصابته. 80 في المائة من دماغ محمد الصغير تضرر بسبب الرصاصة القاتلة التي تفجرت في رأسه واحدثت فيه الفظائع. لقد كان طفلا شعره اشقر مثل معظم الاولاد في هذه القرية المميزة. وهو مثلهم ولد في هذه القرية – السجن، التي فيها برج مراقبة محصن على مدخلها. من هذا البرج اطلق القناص النار على رأس محمد.
الجيش الاسرائيلي نشر أمس نتائج التحقيق الذي اجراه وجاء فيه: "هذا تشخيص خاطئ". القناصة اطلقوا النار بواسطة منظار اطلاق النار، لكنهم اخطأوا في العنوان. هل المناظير المتطورة لديهم لم تتمكن من رؤية أنهم يطلقون النار على رأس طفل؟ ألم يروا الأب قبل لحظة من ذلك وهو يحمل ابنه ويضعه على المقعد الخلفي في السيارة ويجلس على مقعد السائق؟ وأنه تم اطلاق النار عليه قبل ركوبه في السيارة؟ هل الخطأ في التشخيص يشمل ايضا الخطأ في تقدير جيل العدو؟ هل الجندي عرف أو لم يعرف من الذي يطلق عليه النار؟ اذا كان لا يعرف فلماذا اطلق النار، واذا كان يعرف فلماذا اطلق النار ايضا؟.
هيثم، الأب المصدوم، قال أمس بأنه لم يسمع أي صوت لاطلاق النار قبل ادخال محمد الى سيارته الخاصة من نوع سكودا. وبذلك هو يناقض رواية المتحدث بلسان الجيش بأنه كان هناك اطلاق نار قبل موت الطفل. ابن عمه، سامح التميمي، المهندس في الحاسوب من سان فرانسيسكو والذي يقوم بزيارة القرية، طرح امس امكانية أن من قتل محمد هو شخص مختلا عقليا. وإلا أي جندي ليس كذلك يمكنه أن يطلق النار على رأس طفل؟ تساءل العم القادم من اميركيا. وسائل الاعلام الاسرائيلية سارعت أمس للنشر بأن هذا كان "اطلاق نار بالخطأ". كيف يعرفون ذلك؟ هل كانوا هناك؟ هل شاهدوا ساحة الحادثة؟ يكفي أن المتحدث بلسان الجيش قد وجههم لقول ذلك.
لكن المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال ايضا بأنه كان اطلاق نار قبل الحادثة، ولكنهم في القرية لم يسمعوا أي شيء. في نهاية المطاف لا توجد أي احتمالية لأن يقوم الأب باخراج الطفل الرضيع الى السيارة لو أنه كان هناك اطلاق نار في القرية. الأب والابن كانا في الطريق الى القرية القريبة دير نظام لحضور الاحتفال بعيد ميلاد خالة الطفل. الأب هيثم الذي يعمل في فرن للكعك قام باحضار كعكة لشقيقة زوجته من محل الحلويات الذي يعمل فيه. وبعد ذلك ذهب الى البيت من اجل أخذ اولاده. لحسن الحظ أن الابن الآخر اسامة، 8 سنوات، الذي لم يعرف أمس ما الذي حدث لأخيه، بقي في البيت.
أمس في الثانية والنصف ظهرا جلس الأب الثاكل هيثم وشقيقه قام بمسح دموعه ووالده العجوز جلس امامه بصمت. وهو ظهر كأنه مقطوع عن الواقع الذي لم يعد يقوى عليه. تمتمة صلاة وبكاء مكبوت ونظرات تحدق في فضاء الغرفة. رويدا رويدا بدأ المعزون يتدفقون. ورويدا رويدا ادرك بأن ابنه محمد لن يحتفل بعد ذلك بعيد ميلاده الثالث.