بقلم: يوسي احيمئير
حرم جامعة رايخمن في قلب هرتسيليا هو من أجمل الاماكن في اسرائيل. أذكره منذ بداية طريقه كمركز متعدد المجالات، كلية سارت منذ بدايتها بعظمة. الى جانب مبان من طابق واحد محفوظة واسطح من الكرميد، نباتات غنية ومخلفات أثرية، ظهرت مبان جديدة، مع عتاد متطور وقاعات محاضرات واسعة. يافطة صغيرة تكاد تكون مخفية عن العين، تروي انه في هذا المجال كانت في الماضي القاعدة المركزية لقوات مضادات الطائرات في جيش الدفاع الاسرائيلي منذ بداية الدولة حتى 1994. من نطاق عسكري تحولت المنطقة الى نطاق اكاديمي فاخر، ومنذ سنوات الالفين يستضيف المركز واليوم الجامعة مؤتمر هرتسيليا شائع الصيت والسمعة. سياسيون من البلاد ومن العالم، سياسيون محليون، باحثون، اعلاميون، يجتمعون في يومين متواصلين مليئين من المناقشات لاطلاق صوتهم، نتائج بحوثهم وآرائهم. هذه منصة عظيمة الصدى تستغل لاطلاق آراء حديثة، نوايا سياسية، تلميحات لمخططات مستقبلية.
غير مرة قيل أن مؤتمر هرتسيليا يسرق العرض من كنيست اسرائيل. كما هو معروف، عندما يلقى خطابا مهما ودراماتيكيا في الكنيست، تكون المقاطعات كثيرة. ليس هكذا في هرتسيليا. الخطيب يلقي القنبلة، ينصرف وينشأ جدار جماهيري شديد. الحالة الاكثر شهرة كانت في كانون الاول 2003. رئيس الوزراء ارئيل شارون القى "خطاب هرتسيليا" عن فك الارتباط، قال انه لن ينتظر الى أن يبذل الفلسطينيون جهدا لحل النزاع وسيبادر الى خطوة من طرف واحد – اخلاء مستوطنات، قال ونفذ. مرت سنتان، وغوش قطيف مع 8 الاف من سكانها اقتلعوا من مكانهم.
في الاسبوع الماضي، انعقد في الحرم الجامعي رايخمن مؤتمر هرتسيا الـ 23، تحت عنوان "رؤيا واستراتيجية في عصر انعدام اليقين". رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يشارك. كما كان متوقعا، من المؤتمر الحالي ايضا خرجت بضعة عناوين مشوقة بلغ عنها باستطراد في وسائل الاعلام. ومع أن بعضا من وزراء الحكومة القوا كلمات في المؤتمر او اجريت معهم لقاءات صحفية، لم يكن ممكنا الا يشعر المرء بالروح المناهضة للحكومة ان لم نقل المتحيزة، التي هبت من بعض من جلساته، عن حق او عن غير حق. كمشارك مدعو – وشكرا لرئيس المؤتمر، صديقي اللواء احتياط عاموس جلعاد، على التنظيم الرائع – فانك تختار لنفسك جلسات تستمع فيها، فما بالك ان المؤتمر المكثف يجري في مسارين متوازيين.
في مركز المؤتمر هذه المرة كانت علاقات اسرائيل والولايات المتحدة. المرة تلو الاخرى طرح السؤال: لماذا يتلبث الرئيس بايدن في ان يدعو الى البيت الابيض رئيس وزراء الحليفة اسرائيل؟ أفلا يشهد الامر على تراجع في العلاقات بين الدولتين، اللتين تتقاسمان القيم ذاتها والمصالح ذاتها؟
مشوق: كل المتحدثين الاميركيين، وعلى رأسهم السفير المعتزل توم نايدز، استبعدوا تماما الرأي وكأن امريكا تبتعد عن اسرائيل، رووا عن منظومة علاقات معمقة في كل المستويات، مئات اوجه التعاون التي لا يعرفها الناس، حتى وان اعربت واشنطن غير مرة عن هذا النقد او ذاك على خطوات وتصريحات في جانبنا. بالمقابل، انتقد المتحدثون الاسرائيليون بشدة "التدهور في العلاقات" بذنب الحكومة بالطبع، رفعوا اصبع اتهام تجاه نتنياهو وحذروا مما سيأتي. فكرت في قلبي: هل البروفيسور يوسي شاين ورفاقه في الرأي يتحدثون بلغة الحقائق أم بلغة السياسة؟
لا يمكن ان ننفي ان المؤتمر شهد لحظة سياسية وكانت فيه جلسات قيلت فيها امور لا تقل في حدتها وتحيزها عن الاقوال التي تطلق في مظاهرات كابلن. هكذا كانت الجلسة عن الازمة الداخلية التي كرر فيها المتحدثون – غادي آيزنكوت، تمير باردو، أمير ايشل وبادارة شخص ليس غير بن كسبيت – تصريحاتهم المتطرفة ضد الحكومة. افلم يكن ممكنا أن يضاف الى الجلسة ايضا متحدث برأي مختلف؟ او جلسة في تركيبة سياسية مشابهة – يورام كوهن، روني ألشيخ، موشيه لادور والعاد شرغا – تحت عنوان "اسرائيل على شفا الهاوية؟". هل فقط من يرون السواد اولئك يجتمعون لبحث استنتاجاته معروفة مسبقا؟ وكانت جلسة عن الـ "احتجاجات" للحظة دخلت الى هناك وخرجت فورا. لفرحتي، قلة فقط جاءوا ليستمعوا لامير هسكيل ورفاقه عن الـ "الدكتاتورية".
وانهي بحكاية. مثلما في باقي المقابلات الصحفية، نال الرئيس السابق ايضا رؤوبين ("ادعوني روبي") ريفلين مقابلة صحفية ودية. سمعت اقواله بانصات جم، والتي جاءت ايضا باسلوبه الهزلي المميز وبمرارة غير مخفية. كان هذا روبي هو الذي لا يخفي عداءه لمن كان وما يزال رئيس الوزراء.