أقارب يتفننون في هدم العلاقات بـ"الوشاية"

ربى الرياحي

عمان - تأتي طعنات الغدر أحيانا من أقرب الناس ومن أقارب "يقصدون" أذية الآخرين ممن كانوا يجزمون بصدق مشاعرهم وحبهم الكبير.اضافة اعلان
قسوة تلغي أي مبرر لحقدهم وغيرتهم واللجوء للوشاية بقصد تحطيم الآخرين والتعدي عليهم مع تجاهل صريح ومتعمد لكل التفاصيل التي تربطهم معا.
مثل هؤلاء يتنكرون للعشرة ويشوهون الحقائق في سبيل مصالحهم الشخصية، لا يبالون بهدم تلك القلوب الصادقة وحرمانها من أن تعيش بمأمن عن الغدر والقسوة والأكاذيب.
طيبة القلب الزائدة كانت السبب وراء أسر حرية شروق حسن التي وثقت بزوجة أخيها أكثر من اللازم واعتقدت أنها مخبأ أسرارها والقلب المحب لها، وتوقعت منها الإخلاص والوفاء. لكنها كانت مخطئة؛ إذ فاجأتها بكذبها وافترائها عليها، لم تتردد في أذيتها وتعريضها للضرب والتشويه من قبل أخيها الذي استمع لكلام زوجته بدون أدنى محاولة للتأكد، بل أبى أن يحاكمها بكل قسوة، وكأنه نسي أنها أخته واحتياجها لحنانه ومساندته.
شروق، مثل كثيرات، كانت ضحية الجهل والتسرع وتزوير الحقيقة، فقدت كل مقومات الحياة الكريمة فقط لأنها استبعدت الغدر من أقرب الناس إليها، ولأنها محبة صادقة لا تعرف الخداع.
هي حوكمت بذنب لم تقترفه، بل نسب إليها زورا وبهتانا. قيود كثيرة باتت تخنق شروق وتشعرها بالضغط النفسي والوحدة نتيجة حرمانها من صديقاتها والظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك أثر عليها سلبا وجعلها قليلة الكلام حزينة متوترة غير راغبة في الحياة.
ناهد محمود هي أيضا عاشت مرارة الغدر، كانت ضحية للاتهامات الباطلة التي حبكتها ضدها صديقة لها من المفترض أن تكون قريبة منها جدا. هي ولأنها نقية في مشاعرها تحمل في داخلها قلبا أبيض لا يعرف الحقد، تعرضت لأبشع أنواع الخيانة وهدمت علاقتها بزوجها رغم الحب الكبير الذي كان يجمعهما.
وشاية أساسها الحقد والغيرة أفقدتها سعادتها وجعلتها مريضة نفسيا تخضع للعلاج بدون أي ذنب، تشويه صديقتها لسمعتها صدمها وأوجعها فلم تستطع التحمل. ناهد اعتقدت أن الحب الذي تزرعه في الأشخاص سيبقى وسيكون جديرا بالوفاء. آمنت لدرجة أنها استبعدت أن تنال منها يد الغدر فخسرت كل شيء.
يوسف أيضا خسر وظيفته بسبب تميزه وإخلاصه ولأنه لم يرض أن يكون انتهازيا. يقول إنه حورب كثيرا من قبل بعض زملائه الذين كانوا يكنون له الكره ويحاولون بكل الطرق الممكنة أذيته والإيقاع به، تآمروا عليه وأصروا على إبعاده نهائيا، مبينا أن فصله من عمله جاء نتيجة وشاية من أحد زملائه الذي تسبب في قطع رزقه.
يقول إن عدم توقعنا لأذية الآخرين يجعلنا غالبا نخسر الكثير وخاصة عندما نمنح الثقة المطلقة بدون أن نفكر في العواقب، لافتا إلى أن الشعور بالغدر يتجاوز أي أسباب من شأنها أن تشرع تلك الأحقاد التي تنحي مشاعر الحب والإنسانية جانبا لتحل مكانها مشاعر مشوهة تزيد من ثقل الأعباء الملقاة علينا.
الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يرى أن الوشاية سلوك مقيت منفر قائم على الأذية وتكبير القصص وتوصيل الحقيقة بطريقة مشوهة. ويضيف أن هناك عددا من الأشخاص في المجتمع يستهويهم هذا السلوك ويتفنون في نشره رغم الأضرار التي تنتج بسببه والتي تؤدي إلى شيوع الفرقة والكراهية والحقد والحسد والغيرة السلبية.
ويلفت إلى أن الوشاية مرض خطير يفتك بالمجتمع ويفكك تماسكه، كما أنه يهدم الكثير من العلاقات ويزرع الضغينة في القلوب، إضافة إلى أنه يشرع باب القتل العمد وإحداث العاهات الدائمة وغير ذلك من مشاهد الخراب والمبرر دائما بالحب والخوف على مصلحة الآخر.
ويبين مطارنة أن اللجوء لمثل هذه السلوكيات العدوانية يحتاج إلى ردع الشخص الواشي وعدم الاستماع لحديثه المشبع بالحقد والذي يهدف غالبا إلى الإيقاع بين الناس والقضاء على المحبة وإحلال الجفاء والقطيعة مكانها.
الأخصائي الاجتماعي الدكتور مفيد سرحان، يقول "إن العلاقات الاجتماعية، وخصوصا بين الأقارب، بحاجة إلى ضوابط حتى تستمر وتقل احتمالية حدوث المشكلات. وبعض الناس للأسف يتمددون في نقل الأخبار من طرف إلى آخر حتى لو كانت غير صحيحة، مما يؤدي إلى نزوع مشكلات بين الأسر، وقد تتفاقم لدرجة كبيرة تصل إلى القطيعة أو التضارب. وفي بعض الأحيان تصل إلى الطلاق وفي كثير من الأحيان ينشأ نزاع بين الأسر بسبب الالتفات إلى مشكلات الأبناء، وهذا بسبب جهل الآباء والأمهات".
والأصل، وفق سرحان، أن يبتعد الناس عن الاستماع لناقل الكلام أو الوشاية سواء أكان هذا الكلام صحيحا أم غير صحيح، وقد حرم الإسلام ذلك، وهذا يدل على خطورة هذه الممارسات، والأصل بالإنسان التثبت من المعلومة قبل نقلها، وفي بعض الأحيان حتى المعلومة الصحيحة يفضل عدم نقلها إن كانت قد تسبب مشكلة بين طرفين. وهنا لا بد من معرفة خطورة الوشاية فهي قد تدمر أسرا وتحدث مشكلات ويصعب تداركها، خصوصا بين الأسرة الواحدة أو الأقارب أو الجيران.