في مثل هذا الوقت من كل عام، تدأب كثيرات من ربات المنازل في محافظة مادبا بهمة وفرح في تحضير وإعداد أنواع مختلفة من الأطعمة (المونة البيتية)، التي تعتبر عادة متوارثة من الأمهات والجدات وتشكل عنصرا أساسيا في النظام الغذائي المتكامل بفوائدها الصحية، كونها تعد يدويا، وتحفظ في البيوت من دون مواد حافظة وتزين مائدة العائلة.
تحول سيدات جزءا من منزلها إلى موقع لتحضير وإعداد "المونة البيتية"، لتوفير احتياجات أسرتها من الأطعمة ذات الجودة والمذاق الشهي.
قديما، كانت المونة العمود الفقري للمنزل، وتعد الخزائن الركن الأساسي لحفظها، وكانت ربة المنزل تبدأ بتحضيرها مع بداية شهر آب، إذ تبدأ من الملوخية، إلى البامية وحفظ الفول وتخزين أنواع الحبوب كافة، ولا تغفل عن إعداد المخللات والمربيات والمقدوس.
ومع تطور العصر، ما تزال المونة تحظى بشريحة كبيرة من المجتمع في مادبا. فأغلب ربات المنازل يشعرن بتعب ممزوج بالمتعة أثناء إعدادهم "المونة البيتية "، التي اعتبروها تقليدا اجتماعيا- تراثيا عتيقا ينم عن الأصالة.
وتواظب ربات البيوت على تكريس الوقت والجهد لإعدادها في أواخر فصل الصيف، وبداية فصل الخريف وتشهد محلات الخضار في مدينة مادبا، إقبالا لافتا من المواطنين على شراء المنتجات الزراعية مثل: البندورة والفلفل الحلو والفلفل الحار والبامية والفاصولياء والخيار والفقوس وورق العنب والزيتون الأخضر والأسود، وأيضا الفاكهة كالخوخ والدراق والمشمش، لتأمين "المؤن البيتية" لتصنيع وإعداد المنتجات الشهية الصحية التي تنتجها الأرض وتربية الماشية كـ منتجات طبيعية خالية من الكيماويات والبعيدة عن المواد الصناعية المعلبة.
ولا تهدأ حركة الخمسينية أم محمود الذيابات في المطبخ لتحضير المقدوس، لأنه يحتاج إلى ساحة العمل الأساسية من أجل إنتاج كميات من المقدوس والفليفلة الحلوة والسلطة الحارة، بحسب قولها: "لابد من وجود أدوات أساسية تساعد على تحضير وإعداد مثل هذه الأنواع من الأكلات والمقبلات الشعبية التي تحتاج إلى دقة وعناية في المقادير، فإن وجود خلل في المقادير والإعداد، يفسد نكهتها الخاصة"، معبرة عن سعادتها بالعودة من جديد إلى "مونة" الأجداد التي تمدها وأسرتها بالطاقة إلى جانب المناعة القوية في مواجهة الملوثات، مثل:تصنيع الألبان والأجبان والمقدوس وغيرها من الأكلات البيتية".
تجد الستينية أم علي الشوابكة، متعة لا توصف أثناء انهماكها في تحضير وإعداد المونة البيتية لعائلتها، وبخاصة فيما يتعلق بتحويل أصناف من الفاكهة الموسمية: الفراولة والتفاح والخوخ والكرز والمشمش والدراق والبرقوق والتين والتوت إلى مربى يكون جاهزا لاستهلاك العائلة، والتلذذ بمذاقه الطيب في كل الأوقات.
وتؤكد الخمسينية أم عدي الرواحنة، أن المونة جزء من العادات والتقاليد الأردنية التي تعتبر ركنا أساسيا من نظام العائلات الغذائي يوميا، لما فيها من فوائد جمة لصحة الإنسان، ويكفي أنها خالية تماما من المواد الحافظة والمسرطنة التي تؤذي الإنسان، معتبرة أن المأكولات المعدة في البيت تتميز بالجودة العالية وتحافظ على صحة أفراد الأسرة.
وتشير، إلى أن كثيرات من ربات المنازل تعد المونة خيارا مثاليا لهن في ظل الأوضاع الاقتصادية، مؤكدة أنها تعد دوما المونة المجففة التي تصمد لمدة طويلة ولا تحتاج إلى ثلاجات.
واعتادت السبعينية أم فراس حداد على إعداد مونتها بيديها، لم يثنها العمر عن العمل، وما تزال قوية كما تقول. تجهز كل شيء من المخللات وورق العنب المكبوس والفليفلة الحلوة والحارة، والسلطات الحارة ومخللات الخيار والفقوس واللفت ومعجون البندورة والملوخية وغيرها من الأصناف. مشيرة إلى أن المنزل من دون المونة كـ "الثلاجة الفارغة" ورغم أن صناعة المونة متعبة، ولكنها صحية.
وتنظر بعين القلق للمأكولات التي تغزو الأسواق التجارية، وتصفها "بالخطرة"، بل تعتقد "أننا بتنا في زمن إذا لم نصنع طعامنا بيدينا ستتمكن منا الأمراض"، وهذه قناعة موروثة ومنتشرة بين أبناء جيلها الذين يعتمدون على الأكل البلدي، لأنه في نظرهم صحي وخال من المواد الملوثة.
وما يزال الكثير من المواطنين يفضلون منتجات "المونة البيتية"، لإيمانهم بصحتها وسلامتها، ولما فيها من ذكريات تردهم إلى الأرض وترابها؛ فالقيمة الغذائية الصحية الموجودة في "المونة" من دون أي مواد حافظة، تبقي المونة البيتية عصب الحياة ولها مذاق لذيذ وطيب وصحي وغني بالفيتامينات.
ووفق مواطنون في مادبا: "تمتلئ خزانات المونة في المنازل بمرطبانات المربيات والزيتون والمقدوس والمخللات وتنك زيت الزيتون والعدس الحب والمجروش والقمح والفاصولياء والبامية والملوخية والفاكهة المجففة.
ويقول المواطن محمد حسن: "إنه اعتاد على تناول منتجات"المونة" التي تعدها والدته كـ "المقدوس" الذي يعتبره أساسيا على مائدة الفطور الصباحي، إضافة إلى زيت الزيتون والزيتون والزعتر، والألبان والأجبان، معتبراً أن المونة البيتية محطة أساسية في حياته وعائلته".
ويؤكد المواطن عدي النهار، أن المأكولات الشعبية تمد الإنسان بالمناعة والطاقة، ويرى أن الأهالي في البلدات والقرى هم أقل عرضة للمرض من أولئك القاطنين في المدينة جراء تناول هذه المنتجات البيتية، إضافة إلى أنها تحمل لذة مميزة في طعمها.
اقرأ أيضاً:
تحضير مونة البيت.. طقوس شتوية وتعاون بين أفراد الأسرة
أم عبدالله تتفنن بصناعة المونة البيتية الجرشية وتتمكن من إعالة أسرتها
"المربى".. حينما تعبق روائح الفواكه الموسمية في أروقة البيوت
الفاكهة الموسمية.. مصدر رزق باعة متجولين بألوان ونكهات مختلفة