منى أبوحمور
عمان - للعام الثاني على التوالي، ما يزال الأطفال يعانون ظروفا قاسية فرضتها جائحة كورونا بدءا من الإعلان عن الحظر الشامل، والتحول الكامل للتعلم عن بعد، وانتهاء بقرارات الحظر الجزئي اليومي والشامل الذي أخذ منهم عطلة يوم الجمعة التي كانت "متنفس الأسر" في كل محافظات المملكة.
https://alghad.com/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%BA%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%86%D9%84%D8%AC/
وفي الوقت الذي تستمر الحكومة بفرض الحظر الجزئي اليومي، الذي يبدأ الساعة السابعة مساء والاستمرار بفرض الحظر الشامل يوم الجمعة تخلو حزمة الإجراءات التخفيفية التي تعلن عنها الحكومة تباعا عن برامج متخصصة في الصحة النفسية وإجراءات من شأنها تخفيف الأعباء النفسية والضغوطات التي يتعرض لها الأطفال.
كذلك، غياب أي برامج من شأنها تخفيف وطأة الحظر والظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم على الصعيد النفسي، الأمر الذي أوجد لدى الأطفال العديد من المشاكل النفسية والضغوطات وغياب التفاعل الاجتماعي الذي رافق الحظر والتعلم عن بعد، وافتقاد الشعور بالأمان والبهجة والفرح.
خبراء أكدوا بدورهم أن يكون هناك برامج تربوية من شانها أن ترمم ما أحدثته جائحة كورونا من ندوب على الصعيد النفسي والاجتماعي، مؤكدين أن الأطفال واليافعين هم الفئة الأكثر تضررا بهذه الإجراءات الاحترازية التي حرمتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية وخيبت آمالهم.
الضغوطات الصعبة التي يتعرض لها الأطفال ليست جديدة وإنما بدأت من آذار(مارس) العام الماضي مع الإعلان الأول للحظر الشامل والتحول إلى التعلم عن بعد، الأمر الذي كان له أثر كبير في الصحة النفسية وفق الخبير التربوي الدكتور عايش نوايسة.
https://alghad.com/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D9%81-%D9%8A%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%A8/
الانتقال من حياة عادية وتقليدية بعيدة عن الضوابط وإجراءات حظر، لحياة تختلف تماما بكل تفاصيلها، شكل بالنسبة للأطفال نوعا من أنواع الاغتراب النفسي، والعديد من الأزمات بعد مرور أكثر من 13 شهرا يعايشون كل ما يتعلق بالحظر.
ويلفت نوايسة الى أن للأطفال قدرات وطاقات وحاجات واهتمامات كانت تفرغ سابقا في الأنشطة من خلال اليوم الدراسي أو من خلال الأسرة والألعاب المشتركة، وأصبحوا الآن متعلقين بالأدوات التقنية للتعلم.
ويضيف أن "الظروف التي يعيشها الأطفال اليوم بسبب جائحة كورونا نالت من صحتهم النفسية وحالت دون تفريغهم لطاقاتهم"، وانعكست على السلامة والصحة الجسدية من حيث زيادة الوزن لانعدام الحركة وغياب معظم الأنشطة الرياضية، في الوقت الذي يجبر فيه الطفل على الجلوس لعدة ساعات لمتابعة الدروس عن بعد.
ويبين أن مايتبقى من ساعات خلال اليوم بعد الانتهاء من الدروس وقبل بدء الحظر غير كاف ليتمكن الأطفال من الخروج والقيام بالأنشطة، فهم أكثر فئة تضررت من الحظر وبدا ذلك على صحتهم الجسدية وطريقة تفكيرهم وحتى طريقة حوارهم وميلهم أحيانا نحو العزلة، وأصبحت الوسيلة الوحيدة لتفريغ طاقاتهم هي الأجهزة اللوحية والالعاب الإلكترونية.
ويلفت نوايسة إلى الساعات الطويلة التي يقضيها الأطفال على الأجهزة الإلكترونية مخيفة جدا والأهل أمام تحد كبير جدا للموازنة بين السلامة والصحة النفسية للطفل وبين اللعب وممارسة حياته الطبيعية والتخفيف من استخدامه من الألعاب الإلكترونية.
ويقول نوايسة إن الآثار التي يعانيها الأطفال تنعكس بشكل كبير على ثقافته ولغته، آملا أن تسعى الإجراءات الحكومية والتربوية لتعويض الطلبة من خلال برامج توعوية وإرشادية للحد من الآثار النفسية التي تسببت بها جائحة كورونا.
الاختصاصية التربوية الدكتورة سعاد غيث بدورها تشير إلى أن الأطفال واليافعين يختبرون ضغوطات نفسية متنوعة ويتعلمون بطريقة غير التي اعتادوا عليها، وهناك من الأطفال من دخل إلى المدرسة في سنواته الأولى ورياض الأطفال عن بعد في جو مغاير تماما عن الذي كانوا يطمحون إليه.
التعليم عن بعد، كما تقول غيث، لم يلب طموحات الأطفال الجدد في المدارس وسبب لهم خيبة أمل كبيرة، فكان طموحهم أن يتعرفوا إلى أصدقاء جدد ويشكلون عالمهم الخاص بهم ولكن وبسبب جائحة كورونا اضطروا إلى أن يعيشوا ضمن وضع غير اعتيادي.
ولكن ما يتفق عليه المختصون وتؤكده غيث هو التعامل مع الظروف الراهنة بنوع من الإيجابية ومحاولة إيجاد الحلول، خصوصا أن هذا الحال سيستمر فترة من الوقت>
وبالتالي لابد من استثمار هذه الفرص المتاحة من ظروف صعبة بتعليمهم عن الحياة وكيفية تجاوز المواقف الصعبة ومحاولة استثمار ذلك في تقوية شخصياتهم.
الجائحة منذ بداياتها فرضت ظروفا استثنائية وطريقة حياة مختلفة، وبالتالي تجب مشاهدة الأمر بصورة كاملة من دون تجزئة، فهذه الجائحة فرضت ظروفا خاصة، لكن المهم كيف يمكن أن نتعامل معها، وفق المختص بعلم النفس الدكتور موسى مطارنة.
ويشير مطارنة بدوره إلى أن الإنسان يجب أن يكون مرنا ولديه القدرة على التكيف مع الظروف المحيطة به ويساعد أفراد أسرته على تقبل الوضع الجديد ومواءمته.
ويرى أن لكورونا تأثيرا كبيرا، والحظر والحجر والتعليم عن بعد كلها ظروف استثنائية شكلت عبئا نفسيا كبيرا على الأطفال، فلديهم حاجات نمائية وبحاجة للحركة ولمساحات واسعه وتفاعل اجتماعي ينمي قدراتهم الجسدية والنمائية والعقلية، كما أنهم بأمس الحاجة إلى التواصل أيضا.
ويمكن للأسرة بحسب مطارنة، أن توفر لهم هذا الشعور حتى في ظل ظروف الحجر، فالفكرة ليست في رؤية الجانب المظلم وتعليق كل الظروف النفسية التي يمر بها الأطفال على الحظر، إنما "علينا أن ننظر بشكل بسيط وإيجابي للأمور حتى نخفف من الضغط لانه يمنح حالة من الراحة النفسية".
ويشدد على أن لايرى الأطفال الحزن والقلق بعيون الآباء، وعدم الحديث معهم عن الأخبار السيئة حول كورونا لأن هذا الأمر يولد لديهم الخوف، ويفقدهم الأمن النفسي.
الآباء والأسر والمربون جميعهم عليهم مسؤولية توفير الأجواء الإيجابية، وفق مطارنة، وإيجاد أجواء من الفرح للأطفال والتعامل مع متطلباتهم ومحاولة استغلال ساعات التجول والذهاب إلى التنزه في الخارج بأجواء مرحة في البيت.
لذلك، فإن الخروج من الأجواء السلبية يكون عبر البحث عن الحلول وفق المعطيات الآنية"، وإيجاد متنفس للأطفال ومساحات للحركة وخلق أنشطة وهوايات، وأن لا يكون التركيز على التحصيل فقط، وإنما النظر بعين المرح في بث أجواء مريحة وسعيدة في الأسرة.
وينصح مطارنة بالابتعاد عن العصبية وردات الفعل القاسية، والجلوس مع الأبناء ومحاورتهم واللعب معهم ومراجعة الذكريات القديمة والقيام بالكثير من الأنشطة وتبادل القصص والتفاعل معهم.
اضافة اعلان