الخيم في غزة تروي قصصا وحكايا.. وملجأ يلبي ما تبقى من متطلبات الحياة

الخيم في غزة تروي قصصا وحكايا.. وملجأ يلبي ما تبقى من متطلبات الحياة
الخيم في غزة تروي قصصا وحكايا.. وملجأ يلبي ما تبقى من متطلبات الحياة

"مأوى، صيدلية، كُتاب، مركز دعم نفسي، مطبخ إنتاجي.."، والكثير من المسميات التي بات الغزيون يطلقونها على الخيم، بعد ما يزيد على 300 يوم من الحرب الدائرة في القطاع. تحولت المنشآت إلى خيم مختلفة اللون والهيئة، لكنها تبقى "خيمة على هيئة وتد يثبت الغزي في وطنه".

اضافة اعلان


أجبرت الحرب الغزيين على الاستغناء عن كل مقومات الحياة الإسمنتية. بقيت بعض المستشفيات صامدة في وجه الاحتلال، وبيوت أخرى بانتظار الدمار، وكأنها برسم الهدم. دفع هذا الوضع مواطني غزة إلى اللجوء إلى الأماكن الأكثر أمانا، أحيانا من خلال خيمة قد يُطلق عليها اسم "منزل فلان".


للخيمة في تاريخ الفلسطينيين قصة، كانت في السابق رمزا للجوء وطريقا للتهجير، لكنها اليوم، كما يصفها الغزيون، أصبحت تجسيدا للبقاء في الوطن. مع كل "ضربة مطرقة على أخشابها"، يغرسون جذورهم فيها. بل إن كثيرين منهم يحملون تلك الخيمة التي حصلوا عليها بأي طريقة كانت، وينصبونها بجانب أو فوق ركام بيوتهم ليثبتوا للعالم وجودهم وتمسكهم بحق الوطن والأرض، مهما دفعوا من دمائهم ثمنا.


لكن الخيمة لم تعد مجرد مكان للإيواء والنوم للعائلات في القطاع، بل حولها الغزيون إلى منشآت، ووضعوا "الآرمات" على بعضها للتعريف بمحتوى الخيمة. فمن صيدلية متواضعة إلى دكان أكثر تواضعا، وفي رمضان تحولت بعض الخيم إلى أماكن لبيع زينة رمضان، تضيء بكل ما فيها من أعمدة وزوايا. كما أصبحت بعض الخيم مكانا لتعلم القراءة والكتابة ومتابعة الدروس، حتى باتت أشبه بـ"الكُتاب القديم".


كما سعى آخرون في مبادرة لفتت أنظار العديد من وسائل الإعلام العربية والمحلية، إلى تحويل خيمة كبيرة بالكامل إلى مركز إعادة تأهيل ودعم نفسي وسلوكي لمتضرري الحرب من الأطفال. لم يكتفوا بجعلها مجرد خيمة عادية، بل أصبحت مكانا "مُبهجا إلى حد ما"، حيث قام المتطوعون بملء الخيمة بالرسوم الملونة والعبارات التشجيعية للأطفال، ووضع الألعاب المتاحة فيها، واستقبال الأطفال على اختلاف حالاتهم النفسية والجسدية.


أطلق على هذه الخيمة "خيمة الوفاء"، وتم نصبها آنذاك في إحدى مدارس الإيواء في خان يونس. يسعى المتطوعون إلى خلق بيئة إيجابية تساهم في إعادة تأهيل الأطفال ودمجهم في المجتمع، حيث يتم تنظيم الألعاب والأنشطة الترفيهية.

 

والأمر الجيد أن كل ذلك يتم تحت إشراف مختصين في مجال العلاج النفسي والسلوكي، كما تحدث القائمون عليها.


العشرات من نشطاء السوشال ميديا في غزة قاموا خلال الفترة الماضية من الحرب، ومع امتلاء القطاع بالخيم في كل مكان، ببث العديد من المقاطع المصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. من خلال هذه المقاطع، يظهرون حياة الخيم وأوجاع تلك الحياة، ولكنها في ذات الوقت مليئة بالحياة والإرادة والصمود.


تقوم السيدات، "ربات الخيم"، بتهيئة المكان قدر المستطاع، حيث يقسمن الخيمة إلى مكان للنوم ليلا وغرفة للجلوس نهارا. في إحدى الزوايا، يوجد مطبخ صغير يحتوي على بضع أوان قديمة ومحترقة، إذ يتم تحضير الطعام غالبا على نار الحطب. هناك أيضا "ملم الفرش"، وزاوية أخرى تعلق فيها الملابس القليلة التي خرج بها الغزيون من بيوتهم.


أحد نشطاء السوشال ميديا في غزة رصد أحد الغزيين وهو يحضر الأسمنت بيديه لبناء "حمام صغير لعائلته" بالقرب من خيمته. يشير الرجل إلى أنها ليست المرة الأولى التي يبني فيها حماما، ففي كل مرة يتم توجيه إنذارات لإخلاء المكان، يقوم بالنزوح إلى مكان جديد ويعيد الكرة مرة أخرى، في انتظار الفرج والعودة إلى البيت، مهما كان حاله. يقول: "سنعيد ترميمه وبناءه ما دمنا أحياء".

 


نشرت الغزية بيسان جابر مقطعا عبر حسابها على إنستغرام من داخل الخيمة التي تصور فيها تفاصيل يومها، وكتبت تقول: "نحن لا نحمل حياتنا في هذه الخيمة، ولكنني وكبقية أهل غزة أحاول التأقلم مع هذه الظروف التي أجبرتنا عليها الحرب الإسرائيلية الشرسة". تصور بيسان طبيعة حياتها في الخيمة والطريقة التي تعتني بها، وكيف استغلت المساحة لتحويلها إلى زوايا على هيئة غرف مستقلة.


ولأن الخيمة أصبحت مطلبا وحاجة لكل النازحين، فقد بات العمل على صنعها بطرق مختلفة وسيلة للعيش وكسب الرزق أيضا. يعمل كثيرون ممن تتوفر لديهم إمكانيات الخياطة على صنع خيم متواضعة من "أكياس الرز والسكر والطحين والقماش المتوفر لديهم". يقول أحد الغزيين تعليقا على هذه الحال: "باتت الخيمة الآن حلما صعبا للغزيين، ونستبدلها بالشوادر."


يعتبر خبير علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع أن هذه الظاهرة الاجتماعية، مثلها مثل غيرها من الظواهر التي استحدثتها الحرب على قطاع غزة، تعكس تأثيرات الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتبعات الحرب. ويشير إلى أن هذه الظروف هي الدافع وراء لجوء العائلات النازحة إلى تطوير أدوات للتعايش والتفاعل مع الوضع الجديد.

 



وبالتالي، أصبحت هناك ظواهر مبتكرة تظهر في غزة يوميا، كما يقول جريبيع، لتعويض ما تم تدميره في القطاع. ويشير إلى أن الخيمة في غزة ليست فكرة جديدة، بل تعود إلى زمن طويل. فقد كانت المجتمعات العربية قديما تعيش في خيم مختلفة ومتنقلة قبل الاستقرار في البيوت الحجرية كما هو الحال الآن.


لذا، فإن الخيمة ليست مجرد مكان للسكن. تاريخيا، في النمط المجتمعي العربي، يؤكد جريبيع أن الخيمة كانت مكانا للحوار السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى كونها مكانا للإنتاج. إذا عدنا إلى ثقافتنا العربية، نجد أن الخيمة كانت ذات دلالات رمزية وبُعد اجتماعي وسياسي.


يربط جريبيع تلك الثقافة بما يحدث الآن في غزة، حيث يرى أن استرجاع الماضي بنكهة جديدة هو نتيجة للظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمر بها القطاع. ويُسجل لأهل غزة أنهم تمكنوا من تطوير أدوات للتعامل مع الظروف المستجدة في حياتهم اليومية، مما يعكس قدرتهم على الثبات والصمود في وطنهم تحت أي ظرف كان.


يقول جريبيع إن "الخيمة"، بما تحمله من دلالات رمزية وتاريخية، أصبحت الآن واقعا يضطر أهل غزة إلى ابتكارها لتلبية احتياجاتهم وسط حملات النزوح المتكررة بسبب القصف والاستهداف المستمر. هذا هو الواقع الذي يعيشه الغزيون يوميا، حيث يحتاجون إلى تلبية متطلبات حياتهم داخل الخيمة. ومن هنا، نرى أن الخيمة تحولت بالفعل إلى "مدرسة، صيدلية، مكان تطبيب، مسجد، دكان، وحتى أنها في بعض الأحيان تحولت إلى "ثلاجة مؤقتة للشهداء.

 



 

 

اقرأ أيضاً: 

خيام نوعية وحافظات مياه ضمن مبادرة إنسانية لغزة تطلقها "رواد الخير"

بأيدي شباب أردنيين.. تصميم خيم آمنة لعائلات غزية تعيش وطأة حرب دموية

نازحو دير البلح وسط غزة.. خيم بدائية وخبز مبلّل لسد الجوع