تغريد السعايدة
عمان- يدفع ظهور حالات مرضية معدية بين الحين والآخر، كما في انتشار عدوى جرثومة "شيغيلا"، الخبراء والمختصين إلى إيلاء الجميع أهمية قصوى للنظافة الشخصية وتكرار غسل اليدين، خاصة في ظل استمرار ظهور إصابات "كورونا" بالتزامن مع جرثومة "شيغيلا"، التي أثارت الخوف بين أواسط المواطنين، وخاصة في المحافظات التي ظهرت بها العدوى.
العالم في هذه الفترة، ومنذ الخامس عشر من الشهر الحالي، يحتفي بأهمية المحافظة على النظافة بشكل عام، وبغسل اليدين تحديداً، لما لهذا الجزء من الجسم دور في نقل الأمراض وزيادة نسبة العدوى، كما في جرثومة "شيغيلا"، التي أكد الأطباء أنها شديدة العدوى ويمكن أن تنتشر من خلال "الماء أو الغذاء أو اللمس".
تحديد 15 تشرين الأول (أكتوبر) يوماً عالمياً للاحتفال بـ"غسل اليدين" Global Handwashing Day، يقرع جرس الإنذار في العالم، والذي يبدأ من الأسرة الصغيرة، في أن النظافة الشخصية وغسل اليدين ضمن بروتوكول صحي مناسب، هو أمر في غاية الأهمية وينادي بضرورة أن يكون هذا نهجا صحيا يتم تدريسه في المدارس والجامعات ومراكز الصحة والجمعيات الخيرية التي تنظم المحاضرات التوعوية الصحية.
ولذلك اتجه الكثير من المختصين لتأكيد أهمية النظافة الشخصية وغسل اليدين في ظل التلوث الصحي الموجود في العالم أجمع؛ حيث تعد "شيغيلا" الجرثومة الأشد سرعة في الانتشار والعدوى، وهذا الأمر يدفع بالكثيرين لإعادة النظر في الثقافة التربوية الصحية المجتمعية، التي تعد الحصن المتين لحماية المجتمع من الأمراض، وهو ما تراه الاختصاصية التربوية الدكتورة سعاد غيث، أن موضوع الثقافة الصحية هو من أهم الأمور التي يجب تقديمها والتوعية بها للأسرة والمدرسة بشكل أساسي.
وتؤكد غيث أن العناية الشخصية والمحافظة على النظافة والجوانب الصحية الشخصية يجب أن تبقى سليمة، وأن تكون ضمن إطار الممارسات الصحية، كونها مهمة للشخص نفسه لحماية صحته في الوقاية من الأمراض في كل الفصول، وليس فقط في مواسم انتشار الفيروسات، وأيضاً الأمر مهم على مستوى المجتمع المحيط به.
وتضيف "أن إهمال الشخص للنظافة الشخصية والعامة يؤثر على الجميع كما في ترك المناديل الورقية والصحية ملقاة على الأرض أو "العطس" دون مراعاة تغطية الأنف، وغيرها من التصرفات غير اللائقة صحياً، وهي ممارسات خاطئة ويمكن ملاحظتها عند الكبار والصغار على حد سواء".
ووفق غيث، فإن تلك التصرفات يجب أن تكون في الأصل عادات صحية تربوية، إلا أنها غيابها يعد مؤشرا على نقص الاهتمام بهذا الجانب.
وتشرح "وهنا تقع المسؤولية على الأسرة في البداية كالأم والأب والإخوة الكبار، الذين يقدمون نموذجا وقدوة للصغار في الممارسات الصحية، وأن يكون ذلك بطريقة عملية يشاهدها الطفل وتعود تقليدها، عن طريق "نمذجة الإجراءات الصحية أمامهم"، إضافة إلى طريقة التوجيه المباشر لهم والطلب منهم غسل اليدين مثلاً والتعقيم، وغيرها من الإجراءات.
وعلى الأهل كذلك أن يعودوا أطفالهم أن يكون معيار النظافة هو سبب مقياس للتعامل مع الآخرين، على حد تعبير غيث، حتى يترسخ لديهم أهمية النظافة في حياتنا والمحافظة على الصحة من خلال ذلك، ويعمدوا بعدها إلى الاعتناء بنظافتهم وصحتهم لأجل أن يتعاملوا مع الآخرين باطمئنان، فإن أغلى ما نملكه هو الصحة.
وتتابع "ومن جانب آخر، في المدرسة، يجب أن يكون دور المعلم واضحا في التشديد على الممارسات الصحية السليمة للطلبة الصغار، في حين أن الكبار أو اليافعين عليهم أن يكونوا أكثر وعي واهتمام، إذ إن المشكلة تكمن في عدم المبالاة وليس جهلا في شروط السلامة والنظافة الشخصية، لذلك قد نرى أهمية دور الإعلام في التوعية وضرورة التقييد بالممارسات الصحية لحماية المجتمع ككل".
الجمعية العامة للأمم المتحدة، شددت خلال احتفائها باليوم العالمي لغسل اليدين على "أطفال المدارس"، حتى يكون هذا السلوك "تلقائياً"، ويمارس في المنازل والمدارس ومختلف المجتمعات في العالم، لكونها من أفضل العادات الصحية التي تعد "أنجح الطرق وأقلها تكلفة من الأعراض المرضية الأخرى"، حيث يشير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي CDC، بأن "غسل اليدين بالماء والصابون أحد أفضل الخطوات التى يمكننا اتخاذها لتجنب الإصابة بالمرض ونشر الجراثيم للآخرين".
وفي الوقت الذي شددت فيه وزارة الصحة على أهمية اتخاذ الإجراءات الصحية والوقائية من انتشار عدوى الأمراض الفيروسية والجرثومية، خلال التصريحات الإعلامية حول "جرثومة شيغيلا"، فإن غسل اليدين يتربع على عرش تلك الإجراءات الصحية، كون الجرثومة يمكن أن تنتقل من شخص لآخر عن طريق الملامسة لليد التي تحمل البكتيريا وهي سريعة الانتقال للآخرين، وخاصة بين الأطفال في المجتمع الواحد.
طبيب المجتمع والصحة العامة والبيئة في وزارة الصحة والخبير الوبائي الدكتور عبد الرحمن المعاني، يؤكد أهمية النظافة الشخصية وغسل اليدين تحديداً في مختلف مناحي الحياة الصحية، ولمختلف الأعمار، ويجب أن يكون بشكل متواصل قبل وبعد الإقدام على أي عمل باليدين، مثل: الأكل، العمل، والتعامل مع الأطفال، حيث يشير إلى أن غسل اليدين له علاقة بمختلف الأمراض السارية وغير السارية، كما في "شيغيلا"، وخصوصاً في مناطق رعاية الأطفال كما في رياض الأطفال أو الحضانة.
ويشدد المعاني على ضرورة أن يكون هناك بروتوكول لغسل اليدين، وليس بطريقة عشوائية، وهذا الأمر موجود في الأساس في مختلف أماكن مكافحة العدوى في المستشفيات، ويتم تعميمه على الجميع، حتى ما قبل انتشار فيروس كورونا، وهناك أوقات محددة يجب أن تأخذ اليدان وقتهما الكافي في النظافة والتعقيم، وأن يكون هذا ضمن حياتنا اليومية وروتين الإنسان الطبيعي الذي يحافظ على صحته وصحة عائلته والمجتمع المحيط.
وبما يتعلق بـ"شيغيلا"، يعتقد المعاني أن الجهات المختصة عليها إيلاء اهتمام كبير بنظافة المياه الخاصة بالغسيل في المدارس بشكل كبير، وكون المدارس والجامعات لم يتم استخدام المياه لديها منذ ما يقارب العامين، بسبب التعلم عن بعد، وهذا يؤدي إلى حدوث مياه راكدة "آسنة" تسبب الكثير من الأمراض بسبب تكاثر البكتيريا فيها، إضافة إلى التشديد فيما يتعلق بالنظافة الشخصية، من خلال توفير ماء نظيف، وصابون، وحمامات صحية مناسبة، وتهيئة البيئة المدرسية للطلاب.
ويطالب المعاني، كذلك، بضرورة أن يتم تعميم تعلم إجراءات الوقاية والسلامة العامة والنظافة الشخصية على مختلف المدارس ومراكز العناية بكبار السن والمرضى، وأن يكون فيها سلسلة متكاملة من العناية الشخصية والصحية، التي تضمن كسر سلاسل العدوى للأمراض الفيروسية مهما كانت، وأن تتحول هذه الأمور إلى ثقافة وسلوك مجتمعي ليقلل من العبء على القطاع الصحي؛ بسبب انتشار الأمراض.

