المراقبة عبر "الستوري" و"الاحتراق الرقمي".. مشاعر الإحباط تتزايد

1696248764105412000
المراقبة عبر "الستوري" و"الاحتراق الرقمي".. مشاعر الإحباط تتزايد

مع الوقت؛ يزداد تعلق الفرد بكل تفصيلة تخص العالم الافتراضي، ليقع ضحية لـ "الاحتراق الرقمي" بلا إدراك. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أصبحت السوشال ميديا تزيد من الاضطرابات والمتاعب النفسية خصوصا مع شعور الفرد بأن الجميع ينجز ويتقدم إلا هو يقف مكانه، فيتولد لديه شعور بالإحباط، بالرغم من أن الحقيقة قد تكون معاكسة لذلك.

اضافة اعلان


وبينما البعض الآخر ينغمس في مراقبة الآخرين عبر الحالة "الستوري" لمعرفة تفاصيل يومهم أولا بأول، ينتابه هذا "المراقب" شعور بالقهر والغيرة وفي حال لم يكن جزءا من هذا النشاط، ليتصاعد اللوم والعتاب والغضب والقهر بداخله.


ووسط فضاء العالم الرقمي: كيف يحمي الفرد نفسه من سلبيات السوشال ميديا، ومن خطر الوقوع في فخ "الاحتراق الرقمي".


يعرّف الاحتراق الرقمي بأنه حالة الإرهاق الذهني والعاطفي التي تنشأ نتيجة للاستخدام المفرط للأجهزة، وإدمان مشاركة الصور والفيديوهات أو تصفحها وتداولها، وكيف يرانا الآخرون مما يؤثر على الصحة النفسية والذهنية والإنتاجية، وجودة الحياة واللحظات بشكل عام.


وهكذا هو الحال مع مريم (24 عاما) كما تصفه فبعد استمتاعها بخروجها مع صديقاتها في جمعة طال انتظارها لتعلو وجهها الابتسامة والرضا ولكنها بمجرد تفقد ما وردها من تنبيهات ورسائل، وما فاتها من أحداث وحالات على السوشال ميديا تشعر بالإحباط.


وتشير مريم إلى أنها عندما ترى إحدى زميلاتها تشارك تمارينها، أو قريبة لها توثق إجازتها، أو مؤثرا ما يعلن عن قيمة ثروته يباغتها شعور غريب لتتبخر وقع اللحظات البسيطة التي عاشتها قبل ساعات. وتعترف مريم أنها تستمر بالتصفح من دون وعي.


حينما تنشر مريم صورا وفيديوهات لها، تنتظر تنبيهات الإعجاب وتدفق الرسائل وإذا لم تحصل على ما تريد تصاب بالخيبة، لتصبح ضحية جديدة من ضحايا "الاحتراق الرقمي".


بينما خالد (29 عاما) فقد قرر حظر صديقه ومنعه من رؤية بعض الحالات "الستوري" التي يشاركها على صفحته تجنبا لمعاتبته ولومه. ويشير إلى أنه اتخذ هذا القرار بسبب تكرار لوم صديقه لخروجه من دون إخباره أو دعوته، ويقول مبررا "بحس حالي مراقب بكل حركاتي منه، وصدقا ليس بكل الأوقات بقدر أكون متواجد معه".


ويعتقد خالد أنه بهذا اختار الحل الأفضل ليحافظ على علاقته بصديقه ولكي لا يجرحه ولا يشعر بالإحباط لغيابه عن جزء من تفاصيل حياته. 


ومن جانب الإعلام الرقمي تبين رئيسة قسم الصحافة والاعلام الرقمي في جامعة البترا الدكتورة رشا اليعقوب أن مصطلح "الاحتراق الرقمي" هو مسمى آخر لسلبيات السوشال ميديا التي تعددت على المستوى النفسي والاجتماعي ومنها ظهور عادات جديدة لم يكن الفرد يهتم بها ولا يعطيها أهمية ولكن السوشال ميديا جعلته يتابعها بشدة.


وتتابع اليعقوب أن هنالك "غيرة" رقمية بين الأفراد على السوشال ميديا. وقد كشف باحثون في المعهد الدنماركي لأبحاث السعادة، عام 2015، أن العديد من الأشخاص يعانون من "حسد فيسبوك" وما أن أخذوا استراحة لمدة أسبوع شعروا بالرضا عن حياتهم، وبتوتر أقل بنسبة 55 %، وتحدثوا أكثر مع العائلة والأصدقاء.


وتشير اليعقوب إلى أن البعض أصبح يريد أن يثبت وجوده وأن يخبر الآخرين أن لديه إنجازات وكما الآخر ينشر إنجازاته وهو كذلك يفعل وإن كانت مزيفة أو مبالغا بها وهذه بالنهاية نتيجة الغيرة التي حدثت بسبب ظهور السوشال ميديا.


وتؤكد اليعقوب أن هذا ما أفرزته التكنولوجيا بالتقليد الأعمى، لافتة أن "الاحتراق الرقمي" هو نتيجة طبيعية للذي يحدث حولنا، فالفرد في حال لم يجد الاهتمام والتفاعل الذي يراه عند غيره هنا يصاب بـ "خذلان واحتراق رقمي"، فعندما يتوقع الفرد تلقي تفاعل كبير وإعجاب عبر صفحات السوشال ميديا ولا يجدها تنتابه مشاعر سلبية.


ومن جهة أخرى فإن "الحالة" التي يشارك من خلالها الفرد نشاطاته اليومية أوجدت "عتبا اجتماعيا" بحسب اليعقوب، فالبعض أصبح يخصص الحالات ولا يريد لأحد معين رؤيتها لكي لا يتعرض للعتب أو الحسد.


وتلفت اليعقوب إلى أن البعض قد يشارك "ستوري" فقط لإثارة الجدل ولفت الانتباه، وإن لم يحصل على ما يريد، فقد يتأثر نفسيا ويغلق حسابه أو المنصة التي يستخدمها وينعزل عن هذا العالم قليلا كردة فعل. 


وتقول اليعقوب "الحالة قد تحدث الكثير من القصص بالرغم من أنها أمر مؤقت إلا أنها تحمل رسائل مرمزه لها أثر إجتماعي ونفسي كبيرين ولا يمكن أن ننكرها".


ومن جانب آخر يشعر الفرد بالضيق إذا شارك صورة جميلة له أو إنجازا ولا يجد التفاعل الذي كان ينتظره، ووفقا لهذا أصبح الاهتمام الرقمي أهم بكثير من الاهتمام بما هو حقيقي ووجاهي. وتنوه اليعقوب إلى أنه في بعض الأحيان "الحالة/ الستوري" قد تعطي انطباعا خاطئا للآخر بأنه رأى حالة أحد الأصدقاء ولكنه لم يهنئ على إنجازه أو يطمئن على مرضه، ولكن هذا يكون بلا قصد منه.


وفقا لذلك يأتي الآخر ليحاسبه على تقصيره غير المقصود وبهذا يصبح مجالا للعتب وحتى التبرير لا يكون مقنعا للبعض.


وتؤكد اليعقوب أن هذا قاد البعض لرفض مشاركات بعض اللحظات خوفا من حزن أحد الأصدقاء أو عتبه ولذلك قد يستثنيه من الرؤية لكي لا يدخل في دوامة اللوم والعتب.


ومن الجانب النفسي يبين الدكتور موسى مطارنة أنه عند التحدث عن التغير لا بد من التحدث عن التغير المجتمعي والذي حدث في الأفكار والمفاهيم الحياتية.


ويتابع مطارنة أن مستجدات العصر الحالي والسوشال ميديا عالم قائم بحد ذاته وأوجد انعكاساته على مفهوم وفكر الإنسان، مشيرا إلى أن أنماط البشر تتأثر، وهذا يعتمد على نمط الشخصية نفسها ومدى ثقافتها ووعيها وقدراتها وإمكانياتها، وبذلك يكون لها تأثير كبير على عكس من لا يملكون الصلابة النفسية، وعندهم نقص بالمهارات والقدرات.


 ويشير مطارنة إلى أن البعض يجد في وسائل التواصل الاجتماعي مكانا ملائما للتعبير عن نفسه وبيئة مناسبة لإثبات الذات. ويؤكد مطارنة "أننا لا ننكر أن هنالك بعض الجوانب في مواقع التواصل الاجتماعي سهلت حياة الأفراد سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا ومعرفيا، ويلجأون إليها للتعبير عن أفكارهم.


ولذلك لا بد من إدراك أن السوشال ميديا أصبح لها تأثير إيجابي ولكن آثارها النفسية أكبر، خصوصا مع مشكلات التدني في مفهوم الذات والشخصية وعدم وجود مهارات اتصال وتواصل فعالة. 


وينوه مطارنة إلى أن البعض يقضي يومه في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي ما يقلل من القدرة على التركيز في الدراسة والعمل والحياة، لذا لا بد من زيادة الوعي بأن العالم الافتراضي هو عالم وجد لخدمة أغراض إنسانية محددة، وليس عالما حقيقيا. 


ويختتم مطارنة حديثه بأن كل شخص يعبر عن حاجاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه لا يحصل على إشباع عاطفي أو فكري أو ذهني، وبالتالي لا بد من أن يكون هنالك وعي من خلال التنشئة وتربية الأطفال وإبعادهم عن الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي أو التقنين من استخدامه وفق آليات تضمن عيش الحياة الواقعية بعيدا عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي.


ووفق تقرير عالمي، فإن ارتباط واعتماد الناس في جميع أسواق الاتصالات حول العالم وثيقا بالهاتف الذكي وتطبيقاته التي دخلت كل تفاصيل حياتهم اليومية والعملية، ليظهر تقرير عالمي حديث أن قيمة ما أنفقه المستخدمون حول العالم على التطبيقات الذكية خلال فترة الربع الأول من العام الحالي وصل إلى 32.5 مليار دولار.

 

اقرأ أيضاً: 

المراقبة بعد الانفصال.. فضول بدافع الاشتياق أم مؤشر لاضطراب نفسي‎؟

"الاحتراق النفسي".. إرهاق يقلل إنتاجية الفرد ويعزله عاطفيا

"الاحتراق النفسي".. كيف يصل الفرد لهذه المرحلة؟