مع تزايد متطلبات العمل والحياة، وارتفاع عدد الأمهات العاملات، أصبح من الضروري على الأمهات التعامل مع أبنائهن بشكل مختلف، من خلال تحمل مسؤوليات جديدة، مثل رعاية الإخوة الصغار وتجنب المخاطر المحتملة التي قد يواجهونها في غيابهن. وقد أظهر بعض الأطفال نضجا مبكرا واستقلالية تعكس التربية القوية والقيم الراسخة التي غرسها الأهل فيهم.
ومن المواقف على ذلك، عندما اضطرت والدة سارة للسفر لمدة 3 أيام تلبية لدعوة حضور مؤتمر عمل مهم، تولت الابنة سارة (16 عاما) مسؤولية رعاية شقيقيها الأصغر سنا، أحمد ونور. على الرغم من صغر سنها، إلا أنها أظهرت نضجا غير معتاد وتحملت مسؤوليات كبيرة.
تقول سارة عن تجربتها: "كنت أستيقظ باكرا لتحضير الإفطار لشقيقي، وأتأكد من أنهما ارتديا ملابسهما المدرسية بشكل صحيح. وبعد عودتنا من المدرسة، كنت أساعدهما في أداء واجباتهما المدرسية وأعد وجبة العشاء. ولم تقتصر مهامي على ذلك فقط، حتى في الخلود إلى النوم في الوقت المحدد. وفي كثير من الأحيان، كنت أتلقى مساعدة من والدي في بعض المهام، مثل ترتيب المنزل وتحضير بعض الأطعمة".
وتضيف "كنت أشعر بالمسؤولية الكبيرة، ولكنني كنت فخورة بأنني استطعت الاعتناء بشقيقي، وتعلمت الكثير من هذه التجربة".
وعن تجربة علي مكاحلة، البالغ من العمر خمسة عشر عاما، يوضح أنه عندما اضطر والداه للسفر إلى الخارج لمدة شهر لتلقي العلاج الطبي، وجد نفسه في موقف يتطلب تحمل مسؤولية كبيرة. كان عليه أن يعتني بشقيقتيه الصغيرتين، مريم وهند، اللتين تبلغان من العمر سبعة وتسعة أعوام.
كانت جدته من جهة الأم موجودة، لكن كانت على عاتقه مهمة إعداد وجبات الطعام، ومرافقة شقيقتيه إلى مركز تدريب السباحة، ومساعدتهما في ترتيب الغرف. كما كان يتواصل مع والديه عبر الهاتف للحصول على النصائح.
ويقول علي: "في البداية، كنت خائفا من تحمل المسؤولية، خاصة أننا كنا نتشاجر كثيرا. لكنني سرعان ما تعلمت أن أكون متمكنا وأدير الأمور بنفسي. الآن أشعر أنني أصبحت أقوى وأكثر نضجا وقربا منهما، وحتى أن هناك أمورا مشتركة بيننا ونشعر بمزيد من المحبة".
أما لينا عمر، البالغة من العمر 13 عاما، فقد وجدت نفسها في موقع المسؤولية عندما مرضت والدتها وأصبحت تضطر للخروج باستمرار للعلاج ومراجعة الأطباء.
كان على لينا تحمل مسؤوليات كبيرة لم تكن معتادة عليها، خاصة مع وجود أخيها الرضيع. كانت تحرص على تلبية احتياجاته والاعتناء به. وتقول لينا: "إن الأمر لم يكن سهلا في البداية"، حيث كانت تشعر بالخوف، لكنها تعلمت الكثير عن تنظيم الوقت وإدارة الأمور.
وبهذا الجانب، يؤكد تربويون أنه في ظل التحديات التي يواجهها الأهل في تربية الأطفال وتعليمهم المسؤولية، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات فعالة تسهم في تنشئة أطفال قادرين على الاعتناء بأنفسهم وإخوتهم، والاهتمام بالتعليم والمنزل، مع الحفاظ على سلامتهم من المخاطر.
وتوضح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني، أن الأطفال يمكن أن يتعلموا تحمل مسؤولية أنفسهم والآخرين، وغالبا ما يفاجئون أهلهم بقدرتهم على ذلك.
وتضيف أن توعية الأطفال في سن مبكرة وتهيئتهم لاحتمالات الطوارئ تسهمان في تعزيز استقلاليتهم. وتؤكد أن الحوار المفتوح والمستمر مع الأطفال هو أساس تعزيز الوعي الذاتي. لذا، ينبغي على الأهل تخصيص وقت يومي للحديث مع أطفالهم حول مشاعرهم، أفكارهم وأهدافهم. كما أن إعطاء الأطفال مسؤوليات صغيرة في المنزل، مثل المساعدة في إعداد المائدة أو تنظيف غرفهم، يعزز ثقتهم بأنفسهم.
وتشرح "على الأهالي أن يساعدوا أطفالهم على الاعتماد على أنفسهم في الدراسة من خلال تحديد أهداف تعليمية واقعية ومتابعة تحقيقها، مما يعزز اهتمام الأطفال بالتعلم. ويجب على الأهل أيضا مشاركة الأطفال في وضع هذه الأهداف وتقديم الدعم اللازم لتحقيقها، من خلال خلق بيئة تعليمية مشجعة، مثل توفير مكان هادئ ومريح للدراسة وتوفير الأدوات التعليمية اللازمة، يمكن تعزيز التركيز والتحصيل العلمي".
وتؤكد الكيلاني أن العناية بالمنزل تستلزم توزيع المسؤوليات بين الأبناء، حيث يجب تعليم الأطفال أهمية التعاون وتقسيم المهام المنزلية بينهم وبين إخوتهم.
ويمكن وضع جدول أسبوعي يحدد مهام كل فرد في الأسرة لتعزيز هذا التعاون.
يتعلم الأطفال الكثير من خلال تقليد الأهل، لذا يجب أن يكونوا نموذجا إيجابيا في الاهتمام بالمنزل والحفاظ على نظافته وترتيبه. ولا يمكن تجاهل أهمية التوعية بالمخاطر سواء في وجود الأهل أو في غيابهم. وفقًا للكيلاني، وعليه يجب تعليم الأطفال كيفية التعرف على المخاطر المحتملة في المنزل أو المدرسة وكيفية تجنبها. ويمكن استخدام قصص تعليمية على "يوتيوب" تغطي مواضيع، مثل السلامة على الإنترنت، التعامل مع الغرباء، السلامة المرورية، تجنب اللعب بأشياء خطيرة في المنزل وكيفية التصرف في حالة حدوث حوادث معينة.
إلى ذلك، تعليم الأطفال كيفية التصرف في حالات الطوارئ، مثل الحرائق أو الحوادث، يسهم في زيادة وعيهم وسلامتهم، ويجب على الأهل تدريب الأطفال على استخدام أرقام الطوارئ وكيفية التصرف بهدوء في مثل هذه الحالات، وتعزيز الوعي بالمخاطر، إذ يمكن للأهل تنشئة جيل مسؤول ومتعلم وقادر على حماية نفسه وإخوته.
وبدوره، يبين اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، أن الشعور بالمسؤولية المشتركة وتحملها يعزز التعاون والتفاهم بالأسرة.
وتقسيم المهام المنزلية فيما بينهم يخلق روح الفريق والعمل الجماعي، مما يعزز الروابط الأسرية والاحترام المتبادل، وفق الغزو، مؤكدا "غياب الأم يمكن أن يخلق شعورا بالحاجة إلى الدعم العاطفي، مما يدفع الأطفال للتقرب من بعضهم بعضا والبحث عن الطمأنينة والتشجيع".
ويوضح "في غياب الأم، قد يضطر الأبناء لتحمل بعض المسؤوليات بأنفسهم، مما يسهم في تنمية شعورهم بالاستقلالية والنضج، ويعزز هذا الشعور من تفهمهم لاحتياجات بعضهم بعضا، ويتعلمون كيفية التعامل مع المواقف الصعبة واتخاذ القرارات بأنفسهم".
اقرأ أيضاً:
"تنمية الاستقلالية".. كيف ننشئ أطفالا واثقين يملكون تفكيرا مستقلا؟