منى أبو حمور
عمان- أسهمت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في مواجهة فيروس كورونا، والحد من انتشاره التي اقتضت إيقاف إقامة حفلات الزفاف الكبيرة، واقتصار عدد المدعوين على 20 شخصا، أسهمت بـ "دور كبير" في التقليل من تكلفة الزواج.
البساطة في حفلات الزفاف واقتصارها على العائلة وعدم المغالاة في المهور والمبالغة في الحفلات ساعدت العديد من الشباب على الاقبال على الزواج، ومكنت آخرين من اتمام زفافهم بعد أن مضى وقت طويل على فترة الخطوبة.
جائحة كورونا وبالرغم من علاتها إلى أن أثرها بدا واضحا من خلال ارتفاع نسبة الزواج وانخفاض نسبة الطلاق خلال العام 2020 الذي كان استثنائيا على كل الأصعدة.
يعاني المجتمع الأردني ارتفاعا كبيرا بتكلفة الزواج، مقارنة مع متوسط الدخل للشريحة العظمى من المجتمع. كما أن ارتفاع نسب البطالة وتدني مستوى الدخل، زادا من مشكلة الكثير من الشباب، حيث ارتفاع متوسط سن الزوج لدى الجنسين وفق الخبير الأسري ورئيس جمعية العفاف، مفيد سرحان.
ارتفاع تكلفة الزواج بحسب سرحان، كان له اثره السلبي على استقرار الأسرة، حيث عدم قدرة الكثيرين على اتمام زواجهم، واللجوء إلى الطلاق قبل اتمام مراسم الزواج "الطلاق قبل الدخول"، نظراً لعدم القدرة إلى الإيفاء بمتطلبات الزواج، التي تفرضها العادات والتقاليد، ويشترطها أهل العروس، إضافة إلى ارتفاع أجرة المساكن ومتطلبات الزواج الأخرى.
وفي حالات أخرى يتم الطلاق في السنة الأولى من الزواج، حيث إن العامل المادي هو أحد الأسباب الرئيسية في هذا الطلاق، وفق سرحان، إذ يتحمل العريس مبالغ كبيرة من الديون لإتمام زواجه، ليكتشف لاحقاً أنه غير قادر على المواءمة بين سداد الديون والإيفاء بمتطلبات بيت الزوجية، بالنظر إلى محدودية الدخل والنظرة المادية التي تحكم حياة الكثيرين، وانتشار ثقافة الاستهلاك والتقليد الأعمى للآخرين.
وبالرغم من كثير من المطالبات والمبادرات الشعبية لتقليل تكلفة الزواج، والالتزام بالمواثيق التي تم التوافق عليها لدى العديد من العائلات والعشائر، إلا أن درجة الالتزام كانت قليلة جداً، مما تسبب في عدم نجاح هذه المبادرات، بحسب سرحان.
وقد كانت جائحة كورونا منذ ما يقارب عام، وما رافقها من إجراءات وقائية بهدف الحد من انتشار هذا الوباء، والتي منها إغلاق صالات الأفراح، ومنع التجمعات لأكثر من عشرين شخصاً والتباعد الجسدي، ليجد المجتمع نفسه امام واقع تحكمه قوانين تفرض عقوبات وغرامات على المخالفين.
ويتابع سرحان، وقد قرر أعداد من الخاطبين تأجيل زواجهم في بداية الجائحة، بانتظار إلغاء الإجراءات والعودة إلى الحياة الطبيعية، كما أجل آخرون اجراءات الخطبة وعقد الزواج للأسباب نفسها.
إلا أن استمرار الإجراءات أدى إلى إقدام الغالبية على اتمام زواجهم، أو الإقدام على عقد القران واتمام الزواج أيضاً، بالنظر إلى قلة التكلفة الناتجة عن منع إقامة الحفلات الكبيرة، والاكتفاء بحضور ذوي العروسين، وبغض النظر عن درجة القناعة بحضور أعداد كبيرة للحفلات، واقامتها ضمن مراسم معينة تتطلب امكانية أكبر من امكانية الكثيرين، إلا أن واقع الحال أسهم في الاستقرار النسبي لعدد عقود الزواج العام (2020)، مقارنة مع العام الذي سبقه، بل بزيادة تقدر بخمسين عقداً.
ويوضح سرحان، ان انخفاض التكلفة كان له أثر إيجابي في التشجيع على الإقدام على الزواج، وهي تكلفة في اغلبها ليس لها علاقة بالمتطلبات الأساسية لعقد الزواج، أو اتمام الزواج، إضافة إلى أن بساطة الإجراءات وتجاوز الطقوس والعادات السلبية، أسهم في اختصار الفترة اللازمة لإتمام الزواج، والاقتصاد في التكلفة التي لم تنعكس على حالات الزواج فقط، بل كان له أثره الإيجابي أيضا في انخفاض حالات الطلاق، سواء قبل اتمام مراسم الزواج أو بعده، إضافة إلى أن إغلاق الحدود والمؤسسات وتوقف العمل ومنع التجول والتنقل بين المدن لفترات، اكد ان الأسرة هي الحضن الدافئ لجميع أفرادها، وهي الحصن المنيع والملجأ الآمن الذي لا يغلق أمام أعضائه، على اختلاف مواقعهم وأعمارهم وامكاناتهم المادية، وأن الأسرة هي التي تحمي أفرادها في الرخاء والشدة، وتؤمن لهم الاستقرار النفسي. وأن تحقيق الأسرة لأهدافها هو قرار يتخذه كلا الزوجين بالدرجة الأولى، ويشارك به الأبناء، وأن الأسرة تستحق من الجميع درجة عالية من الصبر والتحمل وإدارة المشكلات بالحكمة والحوار.
الفرح الحقيقي لا يتطلب المبالغة في الإنفاق وزيادة التكلفة وحضور المئات، وفق سرحان، بل هو شعور داخلي وإرادة وقرار، وأن البساطة والتيسير وعدم التكلف، فيه السعادة وراحة النفس وطمأنينة القلب، وتحقيق مقاصد الحياة الأساسية ومنها الزواج. والبساطة مع القناعة والرضا تجعل الإنسان يعيش حياة بعيدة عن المشكلات.
وكان قد أشار تقرير قاضي القضاة للعام 2020، إلى انخفاض عدد حالات الطلاق الكلي من 28 الفا و13 حالة طلاق العام 2019 بمختلف انواعه وصوره الى 22780 حالة العام 2020 بواقع 5233 حالة انخفاض.
واشار التقرير إلى انخفاض نسبة حالات الطلاق للزيجات التي لم تستمر لاكثر من عام واحد من 6.8 % العام 2020 الى ما نسبته 5 % من مجمل عقود الزواج للعام ذاته.
وحول اهم المؤشرات الحيوية التي سجلتها دائرة قاضي القضاة من خلال المحاكم الشرعية، استقرار مؤشر عقود الزواج العادي في العام 2020 حيث تم تسجيل 62665 عقد زواج بزيادة 50عقدا على العام 2019، وهذا الاستقرار يأتي للمرة الاولى منذ اربع سنوات والتي كانت تسجل انخفاضات حادة ومتتالية.
ويشير المختص بعلم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش الى انه لاشك في أن هذا التقرير وما ورد فيه من بيانات جديدة متوفرة فيه تعطي فكرة عن الأسباب التي أدت إلى الطلاق وعن النقطة الجوهرية في استكمال الزواج وهي كلها مرتبطة بالإنفاق على متطلبات الزواج أكثر من العناية بأوضاع الأسرة الاقتصادية والمالية فيما بعد الزواج. ويرى عايش أن هذا التقرير جاء ليقدم بعض التفسير للكيفية التي يمكن بها زيادة حالات الزواج من جهة واستكمال الزواج للحالات التي كانت تواجه الانفصال قبل إتمام مراسم الزواج.
هذا التقرير يشير ومن خلال الأرقام التي وردت فيه إلى أن الكلف في السنوات السابقة هي السبب في انخفاض نسبة الإقبال على الزواج، لذلك فقد اغتنم كثيرون فرصة كورونا وغياب الكلف إتمام مراسم الزفاف وعدم تحمل النتائج الاجتماعية لإقامة حفلات الزفاف.
من جهة أخرى يجد عايش أن توقف عمل المحاكم خلال جائحة كورونا والشعور بالتعاطف داخل الأسرة بنتيجة الأزمات التي واجهتها الأسرة لأسباب خارجه عن إرادة أطرافها ربما أسهم بتقليل حالات الطلاق.
"في الحقيقة تكلفة الزواج تثقل كاهل المتزوجين بأعباء "يستمرون وقتا طويلا لسدادها وجاءت جائحة كورونا لتلغي هذا الاحتمال لمن اتموا زواجهم خلال العام 2020.
ولعل من أهم" النتائج الايجابية" لجائحة كورونا أنها أسهمت في التخلص من الأثقال الاجتماعية المكلفة وأهمها ما يتعلق بتكلفة الزواج، وأثرت بالتالي في إتمام مراسم الزواج دون تحمل كلف و أعباء.
يحمل هذا التقرير من وجهة نظر عايش رسالة يجب أن يلتقطها المجتمع، وهي ان العزوف عن الزواج أو زيادة حالات الطلاق من المشكلات التي ستعود الى المجتمع إذا عدنا الى التقاليد الاجتماعية ذاتها.
ولابد من الالتفات بحسب عايش إلى ان العام 2020 كان عاما استثنائيا وربما من الصعوبة أن نبني على نتائجه، ومع ذلك تعطي المؤشرات أن تقليل كلف الزواج والمهور سيسهم بشكل معقول في إتمام الزواج وتقليل العزوف عنه بين الشباب والفتيات.